الاستقلال/ دعاء الحطاب
داخل مطبخه المتواضع في مدينة غزة، يسابق الشيف "محمد الدحدوح " الزمن لتحضير كميات كبيرة من مختلف أنواع "المندي" مع مجموعة من العمال البارعين في تجهيز الدجاج واللحوم الحمراء وطهي الأرز، وغيرهم يشعلون النيران داخل البراميل الحديدية المدفونة في باطن الأرض، وسط أجواء مليئة بالفرح والسعادة، تمهيداً لتوزيعه على الزبائن قبل الإفطار.
فمع بداية شهر رمضان المبارك يتحول مطبخ " الدحدوح " لما يشبه خلية نحل، الجميع يعملون حسب المهمة الموكلة لهم لساعات طويلة، لضمان انتاج كميات كبيرة من " المندي"، في ظل الإقبال الشديد عليه، باعتباره الوجبة الشهيرة والمُفضلة لدي الكثيرين، خاصة بالعزائم والولائم الرمضانية.
وتشتهر الكثير من البلدان العربية بطرق متخصصة في عمل المندي الخاص بها، وتتميز فيما بينها بأنواع اللحوم وطريقة التتبيل، فيما يعمل غزيون في هذه المهنة، التي نقلوها عن تلك الدول.
مراحل التحضير
ويبدأ عمل "المندي" بإيقاد النار في "البرميل"، عبر استخدام حطب الحمضيات واللوزيات مثل" العنب، والجوافة، والليمون، الزيتون" والتي تضيف نكهةً خاصة على مذاق الطعام ورائحته. وفق الشيف الدحدوح.
ويكمل الدحدوح خلال حديثه لـ" الاستقلال" مراحل تحضير المندي ويقول:" ثم تبدأ مرحلة تنظيف اللحوم والدجاج، ومن ثم نقعه بالملح والخل لمدة ساعة، ُيغسل جيداً بالماء، ليتم تتبيله ببهارات خاصة، ثم حشو الدجاج بالأرز أو البصل أو الخضار وفقاً لطلب الزبون "، لافتاً الى أن الدجاج واللحوم تبقي مُتبله من الساعة التاسعة صباحاً حتى الثالثة عصراً، كي تمتص البهارات.
وبعد إتمام عملية تنظيف وحشو الدجاج، يُصف على شباك من طبقتين أو ثلاثة ويوضع داخل "البرميل" ويُغلق عليه بإحكام.
ونوه الى أن كُل نوع من اللحوم يحتاج الى وقت مُحدد داخل البرميل، فلحم العجل والخروف يحتاج لـ (2.5 _ 3 ساعات)، بينما يحتاج فخذ الحبش والبط لساعتين ونصف، فيما يحتاج الدجاج لساعتين فقط.
ويوضع قدر الأرز بعد تجهيزه، تحت شبكة اللحم داخل البرميل، إذ تتساقط قطرات الدهن والتتبيلة على الأرز لتعطي طعمًا مميزًا ومذاقًا يختلف من مطبخ لآخر، وفقا لطريقة التتبيل.
وأوضح الدحدوح أنه يتم طهي قدر أرز آخر خارج البرميل، ليتم تغطية الكميات الكبيرة المطلوبة، وإرضاء كافة الزبائن، بحيث يتم وضع نصف "الصنية" أرز مندي والنصف الآخر أرز عادي.
إقبال شديد
بخفة وحرافية عالية، يبدأ العاملون بتوزيع أرز "المندي والعادي" على "صواني بلاستيكية"، ويضع أخرين "الدجاج واللحوم" فوقه، ثم يُزين بالمكسرات " الفستق، واللوز"، والقليل من" البقدونس الأخضر"، وبعض شرائح الليمون، قبل تغليفها بورق "السلوفان" للاحتفاظ بحرارته وحمايته من الجراثيم، لبيعها قبيل موعد الإفطار لزبائن بناءً على طلب مسبق.
وبين الدحدوح أن الإقبال على المندي بشهر رمضان عادة يكون شديد جداً، فمُعظم المواطنين بغزة يفضلونه خاصة بالعزائم والولائم كونه أكلة مرغوبة ومحببة لدى الجميع.
وأشار الدحدوح الى، أن سعر الدجاج يلعب دورا مهما جداً في حجم الإقبال على المندي، ففي رمضان الماضي كان ضعيفا، نظراً لارتفاع الأسعار حيث وصل ثمن كيلو الدجاج 19شيكلا، لكن هذا العام الاقبال شديدا جدًا بسبب انخفاض الأسعار حيث يتراوح ثمن الكيلو ما بين (10_ 10.5 شيكل).
بداية مع الحصار
بدأ "الدحدوح" في عام "2008_2009" مشروعه، بعدما لاحظ انتشار مطابخ الأرز الشرقي بشكل كبير في قطاع غزة، فما كان منه إلا أن يتوجه للعمل بجميع أنواع "المندي" على الفحم والحطب، ليكون من أول العاملين بهذا المجال، وفق قوله.
ويتابع:" بالبداية كنت أعُد المندي للأقارب والأصدقاء، ومع اشتداد ازمة الوقود والغاز بعام "٢٠٠٨_٢٠٠٩" اضطررت على عمل مندي على الفحم والحطب لتلبية احتياجات الزبائن في الأفراح، وحينها نال مذاقه اعجاب الكثيرين وبدأ الإقبال والطلب عليه يزداد يوما بعد الأخر".
طقس ثابت
في حين بدا المواطن ابو ناصر حمد سعيداً، وهو يضع صواني "المندي" أمام معازيمه من "الأقارب والأصدقاء"، فهو يثق تماماً أن مذاقه سينال إعجابهم جميعاً، كما كُل مرة يدعوهم بها لتناول طعام الإفطار في منزله خلال شهر رمضان المُبارك، وفق قوله.
وقال حمد خلال حديثه لـ"الاستقلال":" اعتدت خلال السنوات الماضية أن أقدم "المندي" بكافة العزائم التي أُنفذها لأقاربي وأصدقائي في الشهر الكريم، باعتباره من أطيب الأكلات والوجبات التي يُمكن أن تقدم للضيوف".
وأضاف:" في رمضان 2017 كانت أول تجربة لنا بتناول المندي، فكان المذاق طيبًا ورائع جداً، فيه نكهه غريبة علينا، وكانت تجربة فريدة وأصبحت عادة مُستمرة بكافة المناسبات والعزائم الرمضانية".
ونوه الى أن فكرة ترتيب عزومة " مندي" لبناته وأزواجهن وأولادهن، وأصدقائه باتت كطقس ثابت لديه في شهر رمضان المُبارك.
وأوضح أنه يقوم بشراء 20 دجاجه بوزن كيلو ونصف، وارسالهم لأحد مطابخ "المندي" لتجهيزهم قبيل موعد الافطار، لافتاً الى أن اعداده بالمطبخ يوفر الوقت والجهد، كما يُعطي جودة أكبر.
وبين أن الولائم التي اعتاد على اقامتها خلال شهر رمضان الكريم لصلة أرحامه والأصدقاء، رغم تكلفتها المالية العالية إلا أنها تضفي على نفسه السكينة والراحة ، لما فيها طاعة و أجر عظيم عند الله ، وتقربه منه.
التعليقات : 0