بيع الممتلكات والمقتنيات.. ملاذ الغزيين الأخير لمواجهة المجاعة

بيع الممتلكات والمقتنيات.. ملاذ الغزيين الأخير لمواجهة المجاعة
تقارير وحوارات

الاستقلال/دعاء الحطاب:

في سوق نشأ بشكل عشوائي بشارع الوحدة غربي مدينة غزة، ووسط الركام المتناثر على جانبي الطريق، يعرض الأربعيني أبو اياد ريان، طقم كنب وبعضاً من الأجهزة الكهربائية والملابس الذي استطاع التخلي عنها، لبيعها بثمن بخس لشراء ما يسد جوع عائلة المكونة من سبعة أفراد، في ظل الحصار المطبق وتفشي المجاعة بشكلٍ خطير.

 

وبدأت علامات الجوع ونقص الغذاء تظهر على عائلة "ريان"، خاصة أطفاله الثلاثة، بعد أن غرست المجاعة أنيابها في أجسادهم النحيلة، وأصيبوا بسوء تغذية حاد، فلم يكن أمامه خياراً سوى بيع بعض ممتلكاته حتى يحصل على المال لتلبية احتياجاتهم الغذائية.

 

"ريان" واحد من ألاف الغزيين الذين أجبرتهم المجاعة المنتشرة في القطاع نتيجة الحصار المشدد وإغلاق الاحتلال المعابر ومنع إدخال المساعدات الإنسانية منذ الثاني من مارس/آذار الماضي، على خيارات صعبة للبقاء على قيد الحياة كبيع مقتنياتهم وبعض ممتلكاتهم من أجل شراء الطعام الشحيح بالأسواق، وتدبر احتياجاتهم اليومية الأساسية، وتوفير أدوية لعلاج أمراضهم وتضميد جراحهم.

 

فغزة التي تعاني ويلات العدوان منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 حتى اليوم تعيش ويلات القتل والتشرد وتوجت تلك الويلات بحرمان المواطنين من أدنى متطلبات الحياة الآدمية من طعام وشراب و كساء، وذلك يأتي بعد تعنت الاحتلال وإغلاقه المعابر ومحاربته لغزة بسلاحي الموت بالنار والجوع.

 

وبحسب بيانات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فإن "مئات الآلاف في غزة يتضورون جوعا، والناس يتساقطون في الشوارع من شدة الجوع والإنهاك والأمراض".

 

وخلال الأيام الماضية أدخلت قوات الاحتلال كميات محدودة من شاحنات المساعدات نتيجة ضغوط دولية، لكن الأونروا تقول إنها كإبرة في كومة قش وبمثابة قطرة في بحر احتياجات سكان غزة.

 

وتقدر الأونروا وهيئات محلية ودولية أخرى أن زهاء مليونين و300 ألف نسمة في القطاع الساحلي الصغير بحاجة إلى 500 شاحنة يوميا من المساعدات من أجل التعافي وتجاوز مخاطر المجاعة.

 

خيارات صعبة

بغصة تعترض صوته، يقول ريان خلال حديثه لـ" الاستقلال" :" الحياة بغزة أصبحت صعبة للغاية لا شيء يأتي بسهولة، واذا أردت شيء لا بد أن تخسر أشياء أخرى"، مضيفاً: "وصل فينا الحال إلى أن نبيع أغراضنا ومقتنياتنا لتوفير المال وشراء القليل من الطعام المتوفر بالأسواق".

 

وقبل أسبوعين أجبر "ريان" على بيع هاتف المحمول مقابل مبلغ مالي قدره 1500 شيكل، لتوفير الطحين وبعض الخضروات والبقوليات لعائلته، مشيراً إلى أنه نفذ خلال ثلاث أيام فقط، واضطر بعدها إلى عرض طقم الكنب الخاص به وبعضاً من الأجهزة الكهربائية المنزلية للبيع في سبيل الحصول على المال.

 

وأردف بصوت منكسر:" كُل الخيارات المتاحة لدينا صعبة، لكننا مجبرين على فعلها، فأطفالنا يموتون ببطىء أمام عيوننا، والضمور أصاب أجسادنا وتسلل إلى أمعائنا، فلم نعد نقوى على ممارسة حياتنا اليومية من شدة الهزل وشح الطعام وندرة المواد الغذائية الأساسية".

 

وأوضح أنه في السابق كان يعتمد بالحصول على الطعام من التكايا الخيرية أو عن طريق المبادرين ولكن منذ شهر رمضان بدأ الطعام ينقص ويشح شيئًا فشيئا حتى وصل لمرحلة لم يعد فيها قادراً على إيجاد الطعام لأطفاله، خاصة عقب اغلاق التكايا أبوابها بعد نفاذ مخزونها من الطعام.

 

وأنهى حديثه بحزن وهو ينظر إلى طفله الممسك بكسرة خبز "إذا استمر الحصار وإغلاق المعابر لا أعرف ماذا سأبيع أيضا، كلنا نعاني من الجوع وسوء التغذية وليس الأطفال وحدهم".

 

السبيل الوحيد

وفي حكاية أخرى، يشيح المواطن أبو هيثم اسماعيل (39 عاما) بوجهه جانباً محاولا إخفاء دمعه حزناً على الحالة التي وصل وعائلته لها نتيجة الأوضاع المعيشية والاقتصادية المأساوية التي طالت شظاياها كافة مناحي الحياة بالقطاع، جراء العدوان الإسرائيلي، وتفاقم خطر المجاعة.

 

فأبو هيثم بعدما كان موظفاً بإحدى المؤسسات الحكومية يتقاضي راتبا جيدا، يؤمن به حياة كريمة لعائلته، أصبح اليوم أشبه بالمتسول، عاجزا عن توفير الطعام لأطفاله وتلبية أدني احتياجاتهم الأساسية.

 

ويلجأ ابو هيثم إلى بيع بعض مقتنياته للحصول على مالٍ يمكنه من شراء بعض الخضروات والمواد التموينية التي تسد جوع أطفاله الذي أنهك الجوع أجسامهم، باعتباره السبيل الوحيد أمامه للتغلب على خطر المجاعة.

 

ويقول اسماعيل خلال حديثه لـ" الاستقلال": " أن الاحتلال يقتلنا بالقصف والتجويع ومنع الطعام والدواء عنا، والحرامية يساعدونه بسرقة المساعدات".

 

وأضاف بألم:" الأوضاع الكارثية التي نعيشها في القطاع، جعلتنا عاجزين تماما عن توفير أدني متطلبات حياتنا اليومية، حتى أننا أصبحنا عاجزين عن توفير تكلفة الحليب لأطفالنا"، مستدركاً:" كل يوم أبيع شيئاً من مقتنيات المنزل لأشتري الطعام والطحين لاطفالي".

 

ونوه إلى ثمن الكيلو الواحد لأي نوع من الخضروات يتراوح ما بين ( 35 - 50 شيكل) ، فيما يتراوح ثمن الكيلو الواحد البقوليات ما بين (30ـ 80 شيكل).

 

ولم يقف الغلاء عند الخضروات والمنتجات الغذائية، فقط طال حليب الأطفال وحفاضات الاطفال والمكملات الغذائية والفيتامينات وغيرها.

 

وأشار إلى أنه يشتري الحليب لطفله الرضيع بـ 50 شيكلا بعدما كان سعره لا يتجاوز الـ20 شيكل، في حين تتراوح أسعار حفاضات الاطفال ما بين " 50لـ 100شيكل"، فيما يبلغ ثمن باكيت المكمل الغذائي "ذبدة الفول السوداني" الواحد 5 شواكل.

 

وناشد كافة المؤسسات المحلية والدولية بالوقف أمام مسؤولياتها والعمل على إيجاد حلول عاجلة وفعالة للحد من الأزمات الإنسانية التى استنزفت المواطنين بشكلٍ كبير جدا.

التعليقات : 0

إضافة تعليق