بقلم/ عميرة أيسر
بالرغم من مرور عام على استشهاد أيقونة الصحافة العربية شيرين أبو عاقلة، ولكن لا تزال قضيتها معلقة ولم يتم التحقيق فيها من طرف السّلطات القضائية الأمريكية باعتبارها تحمل الجنسية الأمريكية لمعرفة ملابسات مقتلها رغم أن كل الأدلة والشهود والمعطيات الواقعية تشير بأصابع الاتهام للعدو الصهيوني الذي يتفنن جنوده في قتل الصحفيين العرب، وحتى الأجانب دون أن يخضع جنوده للمحاكمات العسكرية بل تعطى لهؤلاء القتلة أوامر صارمة تقضي بضرورة قتل كل صحفي أو مصور يكون شاهداً على جرائمهم المروعة اليومية المرتكبة بحق الأبرياء العزل في كل من الضفة الغربية وقطاع عزة والداخل الفلسطيني المحتل، فهؤلاء الصحفيين والصحفيات يعتبرهم هذا الكيان الغاصب شهداء على الحقيقة وفاضحين لها والعقبة الأساسية والرئيسية التي حالت في كثير من الأحيان دون ارتكابه للكثير من المجازر التي كان يخطط لها لأنهم فضحوه أمام الرأي العام الدولي وكشفوا اجرامه وقتله للأمنين وهم في بيوتهم، وربما تكون جريمة مقتل قادة حركة الجهاد الإسلامي وعائلاتهم وهم أمنين في بيوتهم أكبر مثال على ذلك، حيث لولا فضح عدسات الكاميرات و المصورين والتغطيات الاعلامية المكثفة لعدد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية لتلك الجرائم البشعة لاستمر هؤلاء الصهاينة في مخططهم الرامي لتصفية كل قيادات الفصائل الفلسطينية المتواجدة في قطاع غزة، فهذه الجريمة المروعة التي راح ضحيتها 13 فلسطينياً بما فيهم قادة الجهاد الإسلامي المستهدفين في القطاع المحاصر. كما ذكر موقع قناة الجزيرة، بتاريخ 9ماي/أيار 2023م، في مقال بعنوان: (غارات إسرائيلية على قطاع غزة واستشهاد 13 بينهم 3 من قيادات الجهاد الإسلامي).
تأكد مرة أخرى على أن تاريخ هذا الكيان المصطنع مليء بجرائم قتل واستهداف الأبرياء العزل بما فيهم الصحفيين، إذ تشير التقديرات إلى استشهاد أكثر من 50 صحفياً فلسطينياً منذ سنة 2000م برصاص الجنود الصهاينة المحصنون من المثول أمام المحاكم الإسرائيلية أو حتى الدولية على ما يبدو، اذا أن ملف الشهيدة شيرين أبو عاقلة رحمة الله تعالى على روحها الطاهرة بقى معلقاً في أروقة محكمة الجنايات الدولية التي لم تتحرك حتى هذه اللحظة ولم تقم بعملها المنوط بها، ولم تضغط باتجاه تطبيق قوانين الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الحقوقية والصحفية التي تحمي الصحفي، وخاصة مراسلو الحروب أثناء قيامهم بتغطياتهم الاعلامية، والتي عادة ما يقومون بها في مناطق الحروب والصراعات والنزاعات المسلحة بما في ذلك الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهذه المحكمة الدولية المسيسة حتى النخاع، والتي أصدرت أوامر باعتقال مجرم حرب البوسنة والهرسك سلوغدان ميلوزوفيتش بأوامر أمريكية، وأصدرت مذكرة اعتقال دولية في ظرف وجيز لم يتعدى الشهرين بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عجزت عن اصدار مذكرات دولية مماثلة بحق المسؤولين الصهاينة الذين يعترفون في لقاءاتهم الدورية بنظرائهم في أمريكا بمسؤولية جنودهم الكاملة عن اغتيال شيرين أبو عاقلة، ولكن لا يجرؤون على فعل ذلك علناً لأنهم قد يواجهون أحكاما قضائية ثقيلة من طرف المحاكم العسكرية في الكيان الصهيوني،
قد تؤثر بشكل كبير على مستقبلهم السّياسي، فالملف الذي رفعته قناة الجزيرة القطرية ونقابة الصحفيين الفلسطينيين، والذي يتهمان فيه صراحة الجيش الاسرائيلي بالمسؤولية الكاملة عن اغتيالها، لا يزال يراوح مكانه في أورقة محكمة الجنايات الدولية دون اتخاذ إجراءات سريعة وحازمة في هذا الاتجاه، وذلك رغم تأكيدات مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي فتح تحقيقاً في ملابسات الجريمة بأن الجنود الصهاينة من يقفون وراء ارتكاب تلك الجريمة البشعة، وذلك خلال تغطيتها لاقتحام مخيم جنين أين رجحت واشنطن بأن الجيش الاسرائيلي قد يكون مسؤولاً عن مقتلها، ولكنها قالت: في نفس السّياق بأنها لم تقتل عمداً. كما ذكر موقع sputnik بتاريخ 24سبتمبر/أيلول 2022م، في مقال بعنوان (المحكمة الجنائية الدولية تحيل ملف مقتل شيرين أبو عاقلة إلى مجموعة المعلومات).
والغريب في الأمر بأن الولايات المتحدة الأمريكية التي تحمل الشهيدة جنسيتها تعاملت مع القضية بانحياز تام ولكن للجانب الاسرائيلي على حساب مواطنة أمريكية تعرضت لعملية اغتيال مدبرة متكاملة الأركان خارج الأراضي الأمريكية، وبالتالي كان لزاماً على واشنطن تطبيق بنود الدستور الأمريكي والقانون الفيدرالي الذي يلزم الجهات المختصة في أمريكا بالتحقيق في حيثيات القضية، وملاحقة الجناة ومحاكمتهم وفق قوانين بلدهم، أو وفق القانون العسكري الأمريكي إن كانت تلك الجرائم ترقى لجرائم حرب، وهذا ما ينطبق على حالة الشهيدة شيرين التي كانت مراسلة ميدانية في منطقة نزاع مسلح، ولكن العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب وقوة اللوبي الصهيوني ونفوذه داخل أروقة البيت الأبيض وأصول شيرين الفلسطينية، كلها عوامل منعت على ما يبدو تطبيق بنود القانون الفيدرالي الأمريكي والقصاص من المجرمين.
فازدواجية المعايير الراسخة في العقلية الغربية بصفة عامة ولغة المصالح المتبادلة التي تطغى على السّياسات الدولية، جعلت من هذه القضية قضية ثانوية في أجندة الرئيس جوزيف بايدن، فكل الزيارات المكوكية التي قام بها مسؤولون في البيت الأبيض لتل أبيب وسط مباركة إعلامية غربية وأمريكية وحتى عربية، كلها كانت عبارة عن محاولات مكشوفة لذر الرماد في العيون فيما يتعلق بحرص الجانبين الاسرائيلي والأمريكي على إيجاد الجناة ومعاقبتهم، وهذا أمر غير مستغرب إذ تعاملت الإدارة الأمريكية بنفس المنطق الأعرج في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي الذي كان يقيم بصفة دائمة في الولايات المتحدة الأمريكية ويكتب في صحفها العريقة، حيث تغلبت لغة المصالح السّياسية والاقتصادية والعسكرية على لغة الكرامة الانسانية والقانون، وتم طفي الملف بعد أن توصل الجانبان السعودي والأمريكي لتسوية ترضي الطرفين، وتبقى أروقة السّياسة الدولية المظلمة، والنفاق الغربي حاجزان أساسيان يقفان سداً منيعاً أمام تطبيق القانون الدولي عندما يتعلق الأمر باستهداف صحفيين أثناء قيامهم بمهامهم النبيلة في كشف الحقائق، وتنوير الرأي العام والشعوب المضطهدة بحقيقة الطغاة والمحتلين وفسادهم وخاصة في دول العالم الثالث.
التعليقات : 0