محرقة الأول من ذي الحجة

محرقة الأول من ذي الحجة
أقلام وآراء

قلم/ عبد الله الشاعر

في مشهد احتفالي مفعم بالعزيمة والانتصار، يجوب شوارع المخيم جرار يحمل كثيرا من كبرياء الجيش المزعوم وما تبقى من حطام المدرعات التي دخلت المخيم في كامل غرورها، وغادرته في كامل مهانتها.

 

يجوب الجرار مستعرضا أثار بسالة المجاهدين، وما أحدثوه من عطب في الصورة المزعومة للجيش الذي لا يقهر، وفي مدرعاته التي تفاني في تحصينها عساها تنقذه من الموت الذي ينتظره في أزقة المخيم عند كل اجتياح له.

 

رغم أعداد الشهداء الذي ما زال حتى كتابة هذا المقال في تزايد مستمر ورغم عشرات الجرحى الذين تكتظ بهم المشافي، ورغم الدمار الذي تركه الجنود في أرجاء المخيم، إلا أن مشاهد الهزيمة التي لحقت بالغزاة كانت كفيلة برتق الجروح، وهدهدة المكلومين، والأطفال الذين شاهدوا الموت بأم أعينهم، والقصف الذي هز كل شيء دون أن ينال من عزيمتهم.

 

يصطف أهل المخيم على جوانب الطرق الرئيسة معلنين ابتهاجهم بما غنموا من نصر وبما أوقعه المجاهدون من هزيمة في الغزاة، حيث بدا ذلك الجرار البسيط أشدّ قوة وبأساً من كل الأسلحة العربية التي كدسها حماة الكيان في مخازن الغياب حتى أكلها الصدأ وفقدت مع الوقت كامل رجولتها.

 

لم تكن معركة الأول من ذي الحجة للعام (١٤٤٤هـ) الأولى التي يخوضها مقاتلو الجهاد الإسلامي في جنين، ولن تكون الأخيرة، لكنها شكلت علامة فارقة في الصراع الذي أشعل جذوته الشهيد جميل العموري، ذلك أن تلك المعركة اتسمت بالعديد من المزايا، لعل أهمها:

 

الاستعداد والإعداد المسبق من قبل المجاهدين للمعركة التي طالما تحدث عنها الإعلام الصهيوني، وتحدث عن ضرورتها وحتميتها من أجل اجتثات حالة المقاومة التي ابتدأها جميل العموري ورفاقه، ثم غدت مصدر إلهام لقطاع واسع من جيل الشباب على امتداد الضفة الغربية

 

لقد أثبت مقاتلو الجهاد الاسلامي ورفاقهم من المقاتلين أن لديهم من الكف ما يمكنها من لطم المخرز الإسرائيلي وإيلامه) وهذا ما حدث فعلاً وواقعا

 

لم يكن إعطاب آليات للجيش الإسرائيلي يوم أمس بدعاً من العمل شبه اليومي في المخيم، لكن ما ميز معركة الأول من ذي الحجة العدد الكبير للمدرعات التي تم إعطائها، علاوة على حجم الضرر الذي لحق بتلك المدرعات

 

لقد تمكن مقاتلو الجهاد الإسلامي وسراياه الظفرة من تجهيز عبوات ناسفة، قدر الاحتلال بعضها بأربعين كيلو غرام من المتفجرات، وقاموا باستدراج الغزاة إلى كمائن محكمة.

 

كان لهم كبيرا الأثر في إحداث دمار كبير في المدرعات، وسقوط عدد كبير من جنود العدو ما بين قتيل أو جريح، الأمر الذي أحدث تحولا كبيرا في معركة الأمس، ما أرغم الغزاة على استدعاء وحدات قتالية من وحدات الجيش المرابطة في مدن نابلس وطولكرم وقلقيلية، علاوة على استدعاء طائرات الأباتشي التي تولت قصف مناطق عديدة في المخيم، لكن هذا الاستدعاء المكثف لوحدات الجيش، والتحليق المكثف للطيران في سماء المنطقة, لم يزد المقاتلين إلا بسالة وإقدامًا، حتى صار شغل الغزاة الشاغل الانسحاب من أرض المعركة / المحرقة ونقل الجنود المصابين إلى المدرعات المحصنة, تمهيداً لنقلهم عبر الطائرات إلى المشافي في الداخل الفلسطيني، ولتحقيق هذا الهدف سارع الجنود الصهاينة إلى اطلاق النار بغزارة ضد المقاتلين والمدينين فارتقى عدد منهم شهداء باسمين، وأصيب العشرات بجروح مختلفة .

 

لقد استمرت المعركة لما يقارب عشر ساعات، ظل فيها مقاتلو الجهاد الاسلامي ورفاقهم في حالة هجوم وبسالة، فيما كان جل هم الصهاينة الخروج من تلك المعركة التي سقطوا فيها، والانسحاب المهين، وهم يجرون مدرعاتهم المعطوبة منكسين رؤوسهم في الارض، أذلاء على أعقابهم تمضي الخزايا.

 

فيما مضى مقاتلو السرايا ورفاقهم إلى وداع مجاهديهم الشهداء، وقد أقسموا أمامهم أن يواصلوا القتال حتى النصر أو الشهادة.

التعليقات : 0

إضافة تعليق