أكد تقرير سري صادر عن هيئة مراقبة حكومية أمريكية، أن جيش الاحتلال "الإسرائيلي" ارتكب "مئات" الانتهاكات المحتملة لقانون حقوق الإنسان الأمريكي، في قطاع غزة، وهو ما يحتاج من وزارة الخارجية الأمريكية لعدة سنوات لمراجعتها.
ووفقا لصحيفة "واشنطن بوست" التي كشفت عن التقرير، فإن النتائج التي توصل إليها مكتب المفتش العام بوزارة الخارجية تعتبر المرة الأولى التي يعترف فيها تقرير حكومي أميركي بحجم الإجراءات الإسرائيلية في غزة التي تندرج ضمن نطاق قانون "ليهي".
وقانون "ليهي" هو تشريع أمريكي يحظر تقديم المساعدات الأمنية الأمريكية للوحدات العسكرية الأجنبية المتهمة بشكل موثوق بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين، ناقشوا تفاصيل التقرير، اشترطوا عدم الكشف عن هوياتهم، أن نتائج هيئة الرقابة أثارت الشكوك حول احتمالات المساءلة عن تصرفات "إسرائيل"، نظرًا للتراكم الكبير للحوادث وطبيعة عملية المراجعة التي تخضع للقوات الإسرائيلية.
وقال تشارلز بلاها، وهو مسؤول سابق في الخارجية الأميركية يتولى إدارة المكتب الذي ينفذ قوانين "ليهي"، تعقيبا على ما جاء في التقرير: "ما يقلقني هو أن المساءلة سوف تُنسى الآن بعد أن خَفَتَ ضجيج الصراع".
ورفض مكتب المفتش العام التعليق على ما أوردته "واشنطن بوست"، لكنه أقرّ بوجود التقرير على موقعه الإلكتروني.
وجاء في الموقع: "يحتوي هذا التقرير على معلومات سرية وغير متاحة للاطلاع العام".
وتم تسمية قوانين "ليهي" على اسم السيناتور السابق باتريك جيه ليهي، الذي رعى التشريع لفرض عقوبات على الوحدات العسكرية الأجنبية التي تتلقى تمويلًا من الولايات المتحدة وترتكب عمليات قتل خارج نطاق القضاء وتعذيبًا وفظائع أخرى.
وشكّلت حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة منذ أكثر من عامين في غزة بدعم أمريكي، اختبارًا لفعالية قوانين "ليهي"، إذ أسفرت الحرب عن استشهاد أكثر من 68,643 فلسطينيا وإصابة 170,655.
ومن أبرز الأحداث التي تنتظر البت فيها، حادثة مقتل سبعة عمال من مطعم "وورلد سنترال كيتشن" باستهداف إسرائيلي في أبريل/ نيسان 2024، واستشهاد أكثر من 100 فلسطيني وإصابة 760 آخرين كانوا متجمعين حول شاحنات مساعدات قرب مدينة غزة في فبراير/ شباط.
وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن قد أشارت إلى الحادثتين في تقرير إلى الكونغرس العام الماضي، قائلة إن الولايات المتحدة لم تتوصل بعد إلى "استنتاجات نهائية" بشأن ما إذا كانت الأسلحة الأميركية قد استخدمت في عمليات القتل.
وتقدم الولايات المتحدة ما لا يقل عن 3.8 مليار دولار كمساعدات لـ"إسرائيل" كل عام، وبلغت في السنوات الأخيرة عشرات المليارات من الدولارات، مما جعل "إسرائيل" أكبر متلقّ تراكمي للمساعدات الأميركية في العالم.
ويشرح التقرير السري بروتوكول مراجعة انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الجيوش الأجنبية التي تتلقى مساعدات أميركية، وفقًا للمسؤولين الأميركيين.
ويوضح التقرير أن العملية البيروقراطية المصممة خصيصًا، والتي وضعتها الإدارات الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة، تُعطي "إسرائيل" أفضلية على دول أخرى تواجه اتهامات مماثلة بانتهاكات حقوق الإنسان.
ويقول التقرير إن البروتوكول، المعروف باسم "منتدى إسرائيل ليهي للتحقق"، يشمل مسؤولين أميركيين على مستوى أعلى وعملية أطول من المراجعات الخاصة بالدول الأخرى.
وفي ظل إجراءات التدقيق الاعتيادية، يكفي اعتراض مسؤول واحد لحجب المساعدة عن وحدة عسكرية، وفقًا لجوش بول، المسؤول السابق في وزارة الخارجية والناقد للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
وفيما يتعلق بإسرائيل، قال بول إنه يجب على مجموعة عمل أميركية "التوصل إلى إجماع بشأن ما إذا كان قد حدث انتهاك جسيم لحقوق الإنسان".
وتضم مجموعة العمل هذه ممثلين عن السفارة الأميركية في القدس ومكتب شؤون الشرق الأدنى، وهما جهتان غالبًا ما تدافعان عن "إسرائيل" داخل الإدارة الأمريكية.
بعد ذلك، تُستشار الحكومة الإسرائيلية بشأن الحادثة وتُسأل عما إذا اتخذت أي إجراءات لمعالجة الأمر.
وإذا وجدت المجموعة أن وحدةً ما ارتكبت انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان، فيمكنها التوصية باعتبار تلك الوحدة "غير مؤهلة" للحصول على مساعدات أميركية، وينبغي بعد ذلك، أن يوافق وزير الخارجية على قرار عدم الأهلية.
ووصف بول هذا النظام بـ"العقيم" إذ أنه أسفر عن نتائج متوقعة، وأضاف: "حتى الآن، لم تحجب الولايات المتحدة أي مساعدة عن أي وحدة إسرائيلية رغم وجود أدلة واضحة".
وتعرضت إدارة بايدن لانتقادات بسبب رفضها وقف المساعدات للوحدات الإسرائيلية المتهمة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الوحدة المتورطة في قتل المسن الفلسطيني الأمريكي عمر الأسعد (78 عامًا) الذي تم اعتقاله عند نقطة تفتيش في الضفة الغربية عام 2022.
ورغم أن أعضاء الوحدة الإسرائيلية المسؤولة عن اعتقال الأسعد، لم يواجهوا في نهاية المطاف أي عقوبات جنائية، إلا أن إدارة بايدن قالت إنها راضية عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية، وأشارت إلى أن الأفراد المعنيين لم يعودوا يخدمون في الجيش.
وبدورها، سارت إدارة ترامب على النهج ذاته بعدم التدخل في شؤون الجيش الإسرائيلي، ولكن من دون تكرار العبارات التي استخدمتها الإدارة السابقة بشأن وضع "حقوق الإنسان في مركز السياسة الخارجية الأميركية".
وقال تشارلز بلاها: "لا أرى أي فرق بين إدارة بايدن وإدارة ترامب بشأن هذه القضية".


التعليقات : 0