في مناصرتها لفلسطين.. جنوب أفريقيا تتفوق على أكثرية الدول العربية

في مناصرتها لفلسطين.. جنوب أفريقيا تتفوق على أكثرية الدول العربية
أقلام وآراء

بقلم/حماد صبح

صوت المجلس التشريعي في جنوب أفريقيا على مشروع قرار قدمه حزب” الحرية الوطنية” لخفض مستوى علاقات البلاد بإسرائيل احتجاجا وغضبا على جرائمها وعنصريتها ضد الفلسطينيين التي تعاظمت وتجاسرت بعد تكوين حكومة المتطرفين الدينيين والقوميين الحالية. وبارك الحزب” الوطني الاشتراكي” تلك الخطوة مذكرا بمقولة محرر جنوب أفريقيا وأول رئيس لها من أهل البلاد: ” حريتنا لا تكتمل بدون حرية الفلسطينيين . ” . وبهذا الموقف الأخلاقي الشجاع تتفوق جنوب أفريقيا في مناصرتها لفلسطين على أكثرية الدول العربية وعلى السلطة الفلسطينية التي لم ترَ أجهزتها الأمنية محفزا وطنيا وأخلاقيا يردعها عن الاعتداء على مشيعي جنازة عبد الفتاح خروشه الذي  قتل مستوطنين اثنين في حوارة ، وقتلته القوات الإسرائيلية بعد ذلك في جنين .

 

لم تفكر أي دولة عربية من الدول الست التي تعترف بإسرائيل وتقيم معها علاقات دبلوماسية أن تفعل ما فعلته جنوب أفريقيا أو تستدعي سفيرها على الأقل مدة قصيرة. بعضها اكتفى ببيان إدانة هزيل يدعو الطرفين إلى تجنب تصعيد العنف مساويا بين المجرم والضحية، ومحذرا من أن هذا العنف سيدمر حل الدولتين.

 

هل حقا تؤمن هذه الدول بوهم حل الدولتين؟! وهذا السؤال نخص به مصر. هل تؤمن السياسة المصرية أن إسرائيل تقبل هذا الحل؟! ألم تكفها كل بيانات إسرائيل وفظائعها في الأرض الفلسطينية ودعوات ساستها وعسكرييها لطرد الفلسطينيين من وطنهم لتثق ثقة مطلقة أن المشروع الصهيوني لا يقبل بوجود أحد سوى مستوطنيه بين النهر والبحر؟! ألا تعلم علم اليقين بطمع إسرائيل في سيناء؟! من يطمع في سيناء لا يقبل دولة فلسطينية في الضفة وغزة.

 

هذه بديهية. وفي مصر، في كل المستويات ، حتى المواطن الأمي البسيط  ، يعلمها ، والإعلام المصري لا يتوقف عن التذكير والتبصير بحقيقة إسرائيل ونواياها للتوسع الجغرافي والهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية في العالم العربي ، ومن ثم فالبيانات التي تصدرها وزارة الخارجية المصرية عما يحدث في فلسطين من جرائم  إسرائيلية لا يليق بمصر  دولة وشعبا ودورا . وأبعد من رداءة بيانات هذه الدول شاركت مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، في مؤتمر العقبة الأخير برغبة إسرائيلية وأمر أميركي لاتخاذ إجراءات في الضفة تحفظ أمن الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، وقوام هذه الإجراءات تكليف عناصر فلسطينية بهذا الحفظ بعد تدريبهم مصريا وأردنيا.

 

وتستعد مجموعة مؤتمر العقبة لعقد مؤتمر ثانٍ في شرم الشيخ لنفس الهدف: حفظ أمن الإسرائيليين في الضفة، ولا مشكلة في عبارات غامضة عامة عن حفظ أمن الفلسطينيين، وتحسين معيشتهم. لماذا تتفوق جنوب أفريقيا على أكثرية الدول العربية في مناصرة فلسطين؟! لسببين، الأول : تجربة شعبها الطويلة المؤلمة مع عنصرية المستوطنين  البيض التي دامت 300 عام ، وترى الآن شبها كاملا بين تلك العنصرية وبين عنصرية إسرائيل وجرائمها ضد الفلسطينيين، فترفض أخلاقيا وإنسانيا شبيه ما تعرض لها شعبها ، وترى واجبا عليها مناصرة الضحية ، ومعاقبة ظالمها ، ويتصل بهذا السبب سجل إسرائيل في التعاون مع نظام البيض العنصري ضد شعب جنوب أفريقيا ،  والسبب الثاني: نوعية نظامها الحاكم بقيادة حزب المؤتمر الوطني . نظام منتخب، وحكومته مسئولة أمام برلمان لا تتحكم فيه هذه الحكومة، والاثنان، الحكومة والبرلمان، ينفذان إرادة الشعب، وحين عبر عن هذه الإرادة حزب “الحرية الوطنية ” استجاب البرلمان والحكومة. ولا شيء من هذا في أي دولة عربية. اختلفت الحال فاختلف الموقف. حتى أميركا وبريطانيا اللتان هما من أكبر مناصري إسرائيل لقيتا حرجا في تقبل متطرفي حكومتها الحالية. بريطانيا قررت ألا تتعامل مع بن غفير، ووزيرة خزانة أميركا جانيت يلين لن تلتقي بسموتريتش وزير المالية في زيارته القريبة للبلاد، وألغى مسئولون أميركيون رفيعو المستوى مشاركتهم في مؤتمر منظمة” بوندز” التي تجمع التبرعات من يهود العالم لإسرائيل. ووقع 5000 أميركي عريضة تطالب حكومتهم بمنع سموتريتش من دخول أميركا. أهل القضية أكثر تخليا عنها، وأكثر ممالأة وموالاة لإسرائيل، فكيف سترتدع إسرائيل عن جرائمها وتوقف استيطانها؟! كلما زاد عدد المطبعين من الدول العربية معها زادت عنفا وعدوانية وقتلا للفلسطينيين وتوسعا في الاستيطان.

 

 وهذه هي طبيعة المعتدين، يتخذون أي مهادنة أو محاسنة ممن يعتدون عليهم سبيلا لموالاة عدوانهم، ولا يردعهم إلا مواجهة هذا العدوان بما يجب أن يواجه به، وهو عزلهم وحشد كل الطاقات والقوى لقهرهم ومحو خطرهم . لو عزلت الدول العربية هذا الكيان العدواني عزلا صادقا مخلصا لانتهى وجوده بأقل قدر من الرصاص والدماء بتفاعل هذا العزل مع بذور الضعف والتحلل المستقرة في صميمه والتي تفجرت منذ فكرت الحكومة الحالية في إخضاع السلطة القضائية لها، وسيتعاقب تفجرها مشحونا باحتمالات، منها الحرب الأهلية التي لو بدأت فستنشط الكثير من بذور الضعف الأخرى، والخاتمة الطبيعية بعدئذ هي انهيار هذا الكيان المختلق باطلا وعدوانا.

 

 وعظيم هو سماحة الشيخ حسن نصر الله في أحدث كلماته حين يقول : ” المقاومة في كل لبنان انطلقت من موقع الأمل، وقالت إنها تستطيع أن تمسح العصر الإسرائيلي”، والحق أنها أنجزت جزءا من هذا المسح في مايو 2020 حين دحرت الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان، وقاتلت إسرائيل في يوليو وأغسطس 2006 ؛ 32 يوما بندية صعقتها وأذهلت العالم، وشحنت الروح العربية والإسلامية بطاقة أمل كبرى في محو كيان المصائب والعدوان والحروب، وجزء من هذا الإنجاز كان في غزة بتحريرها من الاحتلال الاستيطاني في 12 سبتمبر 2005، وفي الضفة والقدس وبالتفاعل مع غزة وفلسطينيي الداخل المحتل الآن؛ يتحقق جزء ثالث من هذا المسح اندفاعا وأملا نحو المسح النهائي للعصر الإسرائيلي. وكل طرف عربي يعارض هذا المسح ويعانده مصيره الانمساح مع هذا العصر.

 

 نفس مصير من تعاون مع الصليبيين من العرب والمسلمين. ودائما وأبدا المعتدون خاسرون هم ومن يناصرهم مهما طال اعتداؤهم وتغطرس متجبرا مغترا. ومن يناصر المعتدي الغريب على قومه أسوأ من هذا المعتدي، ومن يناصر ضحاياه أخلاقا كريمة وشجاعة مبدأ مثلما تفعل جنوب أفريقيا في مناصرة فلسطين له كل الحب والتعظيم من الشعب العربي خاصة الفلسطينيين، ومن الشعوب المبغضة للمعتدين والعنصريين أينما وجدوا ومهما تباينت أسماؤهم وسماتهم .

التعليقات : 0

إضافة تعليق