بقلم / حماد صبح
في أربعة أيام، من الخميس إلى الأحد، هاجمت إسرائيل سوريا ثلاث مرات. وبين وقت وآخر تهاجم مطاري دمشق وحلب، وأخرجتهما عدة مرات عن الخدمة. المطارات المدنية رموز سيادية وطنية كبيرة، والاعتداء عليها، خاصة مطار العاصمة، إهانة كبرى للدولة والوطن. وهذا ما تعرض إسرائيل سوريا له بهجماتها المتكررة على مطار عاصمتها السياسية دمشق، وعاصمتها الاقتصادية حلب.
وتسوغ إسرائيل تلك الاعتداءات بوجود أسلحة في المطارين، وعناصر قوات إيرانية. وهي دائما لا تحار في تسويغ اعتداءاتها على أي جهة تعتدي عليها. ودائما تتوعدها سوريا بالرد على اعتداءاتها المتتابعة في الزمان والمكان المناسبين، ودائما لا يأتي الاثنان، وطبعا إتيانهما متلازم. وأثار عدم إتيانهما الريبة والحيرة في نفوس من يريدون ردع إسرائيل والانتقام منها. ويعذر بعضنا سوريا، ومنهم كاتب هذه السطور، بانشغالها التام بالحرب الكونية التي نكبت بها، وفي الأعذار أن روسيا تمنع سوريا من الرد الانتقامي الرادع، وأن بين إسرائيل روسيا توافقا على حرية عدوان إسرائيل على ما تراه مصدر خطر عليها في سوريا، وهذا التوافق يفسر حيادية الموقف الإسرائيلي النسبية في الحرب بين روسيا وأوكرانيا وعدم اصطفافها بقوة مع الناتو وأميركا في مؤازرة أوكرانيا.
ومهما تفاوت نصيب تلك الأعذار في التأثير على عدم الرد السوري على اعتداءات إسرائيل فإن هذه الأخيرة لم تترك لسوريا منفسا للشعور بإمكانية تجاهل اعتداءاتها. وهذه هي إسرائيل. الويل لمن تستضعفه وتطمئن لعجزه عن ردع اعتدائها عليه. وهذه الصفة المرذولة في شخصيتها مصدرها أنها كيان اعتمد على القوة في وجوده وبقائه في المنطقة، ويرى هذه القوة سورا واقيا له من الأعداء المحيطين به، ووسيلة لطمأنه مستوطنيه من أي خطر من هؤلاء الأعداء، وهذه الطمأنة إحدى الثنائيتين اللتين تأسس وجودها عليهما، والثانية هي الازدهار الاقتصادي والرفاه المعيشي، والثنائيتان تبقيان كل من قدم إليها من مهاجري العالم، وتجذبان مهاجرين جددا لتعزيز كتلتها البشرية الاستيطانية.
وتتطرف في الثنائية الأولى تطرفا مفرطا لكونها أهم من الثانية، فلا قيمة ولا فاعلية لازدهار اقتصادي ورفاه معيشي في أجواء الخوف وانتظار الموت قتلا. ومن ثم تكثر اعتداءاتها في الجوار، وتسرف في القسوة والبطش بمن تعتدي عليه. وغالبا ما تتوافق اعتداءاتها مع سوء أحوالها الداخلية التي قد تؤدي إلى هجرة بعض مستوطنيها منها، ويفسر هذا كثرة تلك الاعتداءات على سوريا تزامنا مع الانقسام العميق الذي اعتراها في قضية تغيير النظام القضائي.
وطبيعي أن يتباهى نتنياهو بعد الاعتداءات الثلاثة الأخيرة بأن” إسرائيل تكبد الأنظمة الداعمة للإرهاب ثمنا باهظا.” لإعلاء قدر قيادته في عيون المؤيدين لها في تغيير النظام القضائي والساخطين عليها فيه. ماذا تفعل سوريا لوقف هذه الاعتداءات التي تتمادى كثرة وتوسعا؟! لا فعل لها سوى مواجهتها وفق نهج العين بالعين والسن بالسن، وترجمة هذا النهج فعليا هي القصف بالقصف. قصف مطار بن جوريون ومستوطنات الجولان السوري المحتل عقابا لإسرائيل على قصفها مطاري دمشق وحلب وغيرهما من المراكز والقواعد العسكرية والمدنية الصناعية. حين تتألم إسرائيل ستعرف حرقة ألم سوريا من توالي اعتداءاتها عليها، والأهم ستخاف العقاب، ومن أمن العقاب عاب، وهي ما زالت آمنة منه، وترتيبا على أمانها توالي اعتداءاتها. ولن تعجز سوريا عن اجتراح وسيلة لعقابها، وعندئذ ستخلق معها توازن ردع مثلما خلقه معها حزب الله في لبنان والمقاومة الفلسطينية في غزة.
وإذا قصفت سوريا مطار بن جوريون الذي عطلته صواريخ المقاومة الفلسطينية في معركة سيف القدس في مايو 2021، وقصفت مستوطنات الجولان ستعلم حكومة إسرائيل الحالية المجنونة وكل مستوطني كيانها أنهم لا قدرة لهم على تحمل الرد السوري، وسيهرول مستوطنو الجولان مذعورين إلى الداخل، ويهددون الحكومة بأنهم لن يعودوا إلى مستوطناتهم مادامت لا أمن فيها، وستضطر عندئذ إلى التوقف عن الاعتداء على سوريا.
التعليقات : 0