أقلام/الاستقلال:
كتبت راغدة عسيرانا، لإيمان هو الإيمان بالله وبحق الشعب الفلسطيني بأرضه، وبحق الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة العيش بحرية وكرامة. ومن الإيمان، ينبع الوعي بضرورة القيام بالواجب من أجل الحرية، حرية الشعب الفلسطيني وحرية شعوب الأمة، والوعي بمركزية القضية الفلسطينية ومركزية الصراع مع القتلة والمجرمين الذين احتلوا فلسطين وارتكبوا أبشع الجرائم بحق الإنسانية.
الوعي بأن على الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة عدم الركون على ما يسمى المجتمع الدولي بكل مؤسساته، لأنها متواطئة مع الكيان المجرم وساهمت بإقامته على أرض فلسطين وعلى تشريد الشعب الفلسطيني وقتله، وعدم الركون على الجمعيات والمؤسسات الدولية التي تدعي الدفاع عن الإنسانية لأنها جاهلة، إن لم تكن عنصرية ومتواطئة مع العدو، والوعي بأن الثورة على الظلم والذل والاستعباد هو الطريق الوحيد لانتزاع الحرية والعيش بكرامة.
لقد جسّد الشهيد القائد الشيخ خضر عدنان كل هذه المعاني في كل لحظة من حياته الكريمة والقصيرة. منذ عقود، وهو يصارع الصهاينة وأعوانهم في وطنه فلسطين.
لأنه فلسطيني وعربي ومسلم، لأنه ابن عرّابة وجنين والضفة الغربية، ولأنه ابن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، لم يترك مناسبة إلا وتقدّم وخاطب وحثّ على النضال والجهاد من أجل فلسطين وأرض فلسطين، ومن أجل الأسرى والشهداء، ومن أجل أطفال فلسطين وشبابها وشيوخها، ومن أجل كرامة المقاومين في الوطن العربي الكبير.
في جامعة بير زيت حيث كان طالبا، في العام 1998، احتج على ليونيل جوسبان، وزير الخارجية الفرنسية آنذاك الذي شتم المقاومة الإسلامية في لبنان امام جمهور الطلبة، بإلقاء البيض عليه. فزجته سلطة الحكم الذاتي في سجونها، قبل ان يعتقله العدو مرارا لإسكاته ومنعه من الحث على المقاومة واستنهاض شعبه.
وكلما أقدم العدو على اعتقاله، خاض الشهيد القائد الإضراب عن الطعام رفضا لاعتقاله ومن أجل كرامة شعبه. فبات أسطورة يخشى العدو المجرم اعتقاله، كون اعتقاله يسبب له توتّرا في السجن وفي الشارع، كما يخشى كلماته وخطاباته، وتحركاته في كل انحاء الضفة الغربية المحتلة.
لقد واجه الشهيد المجاهد الاعتقال الإداري بخوضه الإضراب عن الطعام، وفجّر هذه المعركة، التي اعتبرها البعض معركة خاسرة لأنها "فردية". تجاوب معه ومع معركته العديد من الأسرى الإداريين (أغلبهم من حركة الجهاد الإسلامي) وانتصروا على السجان وكيانه المجرم، حتى باتت معركة الأمعاء الخاوية ضد الاعتقال الإداري إحدى الأساليب الناجحة لنيل الحرية ولحفظ كرامة الشعب الفلسطيني، رغم الآلام التي تسببها للأسير، بسبب وحشية العدو، وهو من أطلق شعار "كرامتي أغلى من جوعي".
وانطلقت معركته الأخيرة ضد الاعتقال بحد ذاته، وأضرب عن الطعام لمدة 86 يوما، دون مدعمات، لانه اعتقال تعسفي لا مبرّر له، إلا التخلص من صوته وكلماته وخطاباته المشجّعة على الثورة. قرّر الشهيد البطل خضر عدنان خوض المعركة، مرة أخرى، رغم وضعه الصحي، من أجل كرامته وكرامة شعبه، الذي يرفض وجود مجرمين يتحكّمون بمصيره، وهو الحرّ الذي يريد أن يظلّ حرّا في وطنه المحتل.
كانت معاركه البطولية ضد السجان المجرم تطبيقا لمقولة الشهيد القائد والمؤسس فتحي الشقاقي بأن "الواجب قبل الإمكان"، وتطبيقا لدور الطليعة المجاهدة التي تستنهض شعبها من خلال النضال والمقاومة، والتي آمنت به حركة الجهاد الإسلامي.
"نحن اخترنا طريق الشهادة بإرادتنا والشيخ خضر خير من مثل هذا الخيار"، كما جاء في تصريح الأمين العام للجهاد الإسلامي، القائد زياد النخالة.
لم يترك الشهيد القائد الشيخ خضر عدنان مناسبة لدعم الأسرى ونضالاتهم إلا وكان في الصفّ الأول يحرّض الجماهير على مساندتهم وعلى الثورة على الظالمين.
من جنين الى نابلس والخليل والقدس وأريحا ورام الله، تعرفه كل الضفة الغربية، وقفت معه الجماهير إسنادا للأسرى، وجابت الشوارع معه وهتفت لحرية الاسرى والشعب الفلسطيني.
استقبل الاسرى المحررين من سجون العدو وأقام المهرجانات احتفاء بتاريخهم النضالي وصبرهم على السجان، لتعميق الوعي الجماهيري بمكانة الأسرى في وجدان الشعب الفلسطيني وبنضالاتهم وتضحياتهم، وللتأكيد على واجب مساندتهم ومساندة عائلاتهم.
فكانت هذه المهرجانات تحدٍ للقتلة وأعوانهم، الذين كانوا يتمنون أن يعود الأسير المحرّر الى بيته وعائلته دون صخب وضجة وأن يلتزم الصمت. لم يتحمّل العدو وأعوانه في سلطة الحكم الذاتي هذا التحرّك الذي يدافع عن مكانة الأسير في المجتمع الفلسطيني.
وتأكيدا على مكانة الشهداء في وجدان الشعب الفلسطيني وأهمية أعمالهم البطولية لمواصلة الثورة ضد القتلة الصهاينة، أسس الشهيد القائد خضر عدنان أداء زيارة عائلات الشهداء في أنحاء الضفة الغربية، بصحبة أخوانه في حركة الجهاد الإسلامي وأبنائه أحيانا، بعد أن كانت زيارتها متقطعة وموسمية.
فأصبحت هذه الزيارات المتواصلة مدرسة ثورية وشكلا من أشكال الدعم المعنوي لكل ثائر ومجاهد، ولمجتمع بأكمله يرفض وجود كيان استيطاني على أرضه. واليوم، تبنّت عائلات الشهداء في منطقتي جنين ونابلس هذه الممارسة المجتمعية الثورية، بانتظار انتشارها في كل فلسطين.
جاهد الشهيد القائد من أجل استنهاض المجتمع الفلسطيني بوجه المجرمين الصهاينة وأعوانهم في الضفة الغربية.
لم يتمكن العدو من النيل منه عند اعتقاله، بل كان يُفاجأ دائما بروحيته الثورية، فلجأ الى أعوانه من الخونة والعملاء وبعض رجال الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية. منذ سنوات، ويحاول بعض رجالها من النيل المعنوي من الشهيد القائد خضر عدنان، بتلفيق التهم وإحداث الشرخ المجتمعي، لأنهم لا يعيشون ولا يمكن أن يعيشوا إلا على التفرقة والانقسام وبلبلة الصفوف.
حاربوا الشهيد وعائلته ومنعوا تحركاته السلمية نحو عائلات الشهداء، ولدى استقباله الأسرى المحررين، وعندما احتلّ مقر الصليب الأحمر الدولي لمساندة نضال الأسرى في سجون العدو. بات يزعجهم كما يزعج القتلة والمجرمين الصهاينة، لأن نهجه، وهو نهج مدرسة الايمان والوعي والثورة، لا يمكن أن يتلاقى مع نهج التنسيق مع العدو والمساومة والتخاذل والسكوت عن الظلم. فقرّر العدو المجرم قتله، بعد انتشار الانتفاضة المسلحة في الضفة الغربية، كما قرّر اعتقال كل من يحث على القتال ويدعم المجاهدين والثوار.
في تصريحه الأخير، قال القائد زياد النخالة، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين: "وفاؤنا اليوم للشهداء جميعاً وللشيخ خضر عدنان ومن سيلحقون بركب الشهداء الطاهر، أننا لن نغادر طريق الجهاد والمقاومة حتى تحرير أرضنا من القتلة والمجرمين الصهاينة" .
فلذلك، لا بدّ من العمل من أجل اقتلاع هذا الورم السرطاني المسمى "إسرائيل" عن أرض فلسطين، ولا بد من الكفّ عن التوجه الى المجتمع الدولي ومؤسساته، الذي يحمي هذا الكيان المجرم ويدعمه، ولا بد من سلك طريق الايمان والوعي والثورة، الطريق الوحيد الذي يؤمن الحرية لشعب فلسطين وشعوب الأمة.
التعليقات : 0