بقلم: حماد صبح
لم تتوقف إسرائيل عن شيطنة إيران ومناصبتها العداء منذ نجاح ثورتها في 1979 في الإطاحة بالشاة صديق إسرائيل والغرب، ومبادرة الثورة الإسلامية بقيادة الخميني إلى قطع العلاقات مع إسرائيل، وتحويل سفارتها إلى سفارة فلسطينية. وكثفت أحداث المنطقة اللاحقة العداء بين الطرفين. واجتهدت إسرائيل في استثمار أي خلاف بين إيران ودولة خليجية لخلق قاسم موحد عدائي يجمعها مع الدولة الخليجية ضد إيران، وخصت بلاد الحرمين بنصيب وافٍ من ذلك الاجتهاد. وحققت نجاحات ملحوظة، فصار لها علاقات رسمية مع الإمارات والبحرين، وقويت علاقاتها السرية مع بلاد الحرمين، وتكثف جهودها بمؤازرة أميركا لبلوغ التطبيع العلني معها، وأخشى، عاذنا الله منه، أن يكون قريبا. ولوحظ أنها لم ترتعب من عودة العلاقات بين إيران وبلاد الحرمين لاطمئنانها إلى أن تلك العودة لن تعيق التطبيع، بل لعلها تسهله بالتقليل من معارضة إيران له محافظة منها على علاقاتها المستجدة ببلاد الحرمين. ويبدو الحال مختلفا مع مصر.
ارتعبت إسرائيل من الأخبار التي تتحدث عن قرب عودة علاقاتها مع إيران. وفي مقال للمستشرقة سميدار بيري في “يديعوت أحرونوت” نقلا عن مصادر إسرائيلية مختصة؛ تحدثت عن مسعى إسرائيل لدى القاهرة لمنع عودة العلاقات المصرية الإيرانية إلى سابق حالها الطبيعي، وقالت الكاتبة في تعبير مستفز صفيق نقلا عن تلك المصادر:” إن إسرائيل لن تسمح بعودة كاملة للعلاقات بين البلدين.”! كأن مصر منطقة حكم ذاتي تابعة لإسرائيل، أو دولة صغيرة تخضع في خطواتها لدولة كبرى تتحكم في شئونها، وإسرائيل هنا هي الدولة الكبرى. فعلام تعتمد إسرائيل في هذه الصفاقة؟! ما الأوراق التي تملكها لمنع مصر من إعادة علاقاتها كاملة مع إيران لما فيه خير الدولتين والشعبين المسلمين الشقيقين؟!
هل تعتمد على أميركا ونفوذها في مصر؟! أم أنها تملك أسرار قوة ضد مصر نجهلها؟! يتحدث الإسرائيليون أحيانا عن نفوذ سري كبير لهم في مصر، وبعضهم يقول إنها الملعب الرئيسي لاستخباراتهم بكل أصنافها. والحال في سيناء يسمح لإسرائيل بتأثير سلبي على مصر. يمكنها مثلا أن تحرك فيها جماعات مسلحة معادية للدولة المصرية، ويمكنها أن تلغي موافقتها على وجود بعض القوات المصرية الذي سمحت به في بعض المناطق خلافا لاتفاق كامب ديفيد، وهو السماح الذي امتدحه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ذكرى حرب أكتوبر العام الماضي. وكل تلك الضغوط تستطيع مصر مواجهتها والتغلب على ما قد تخلقه لها من مشكلات، والمهم هو صدق العزم والجدية في تلك المواجهة إيمانا بأن إسرائيل لا تمتلك الكثير للحد من حرية الإرادة المصرية، وإدراكا بأنها لم ترد دائما لمصر أي خير حتى بعد الصلح بين الدولتين، وواصلت مراقبة أي مظهر لنمو قوة مصر بما فيها طبعا القوة العسكرية، وتَواصلَ بعد الصلح كشفُ المخابرات المصرية لشبكات التجسس الإسرائيلية في البلاد.
دائما إسرائيل تخشى قوة مصر، وأعظم نجاحاتها كان في إخراجها من الصراع معها إلا أنها تعلم أن صلحها معها صلح رسمي اضطرت إليه على كره منها، وأن الشعب المصري يمقتها مقت الملائكة للشياطين، ودائما تشكت وتبكت من برودة سلامها معها لعجزه عن الوصول إلى قلب الشعب المصري الذي يتمنى إتيان لحظة التخلص من هذا السلام الذي تضيق به روحه. ولخشية إسرائيل من قوة مصر فإنها تحارب أي مصدر ينمي هذه القوة، وترى في عودة العلاقات المصرية الإيرانية إلى طبيعتها السوية مصدرا لقوة مصر ولقوة إيران في ذات الوقت، والحال بهذه الكيفية يرعبها.
وتوافق الدول العربية والإسلامية يجعلها منبوذة وغريبة في المنطقة، ويقصيها عن طموحها الكبير في الاندماج فيها. وهي في الحق لا تفعل سوى ما ينبذها منها، ويجعلها كاملة الغربة فيها. لا تضمر لأحد في المنطقة خيرا، وكلما اقتربت منها إحدى دولها فعلت ما ينفر كل من يفكر في الاقتراب منها، والمجمع عليه أنه ما من دولة اقتربت منها بعلاقة ما وعادت عليها تلك العلاقة بخير. واقتراب دول المنطقة يلهب سعارها العنصري، ويفجر إجرامها في تعاملها مع الفلسطينيين المنكوبين مباشرة بشرورها وآفاتها. وكانت مسيرة الأعلام الأخيرة عرضا مخيفا معريا لحقيقة هويتها المتخطية لكل أوبئة العنصرية والشذوذ والغباء المستعصي على التحليل والتعليل. هتافات سفهاء المسيرة الرعاع شهادة كبيرة الحروف على نوعيتهم ونوعية الكيان الذي يغذيهم بما فجروا به في تلك الهتافات من مفحشات موبقات.
لم ينجُ الرسول _ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم _ من بذاءتهم الرعناء ودناسة نفوسهم المطحونة كرها للإسلام. حتى أميركا الراعي الكبير لشرورهم وإجرامهم استنكرت هتافاتهم على لسان وزارة الخارجية، وهو استنكار لا قيمة فعلية له، ودلالته الوحيدة أنهم أفرطوا في منكراتهم وحقاراتهم، وهي تريد منهم شيئا من المداراة. ولإسرائيل مخاوف أخرى من عودة العلاقات المصرية الإيرانية إلى مجراها الطبيعي. تخاف اتساع قدرة إيران على مؤازرة المقاومة في غزة بما في هذا تسلل عناصر بشرية إيرانية إليها تسهم في تدريب المقاومة والاشتراك معها في مقاتلة إسرائيل، وفي تصنيع الأسلحة خاصة الصواريخ. تخاف وجودا إيرانيا له بعض الشبه بالوجود الإيراني في سوريا. ومخاوفها في جملتها تفسر الكلام المتطرف الفظ الذي نقلته بيري عن إصرارها على منع أي عودة كاملة للعلاقات بين مصر وإيران.
ويظهر أننا أمام معركة إرادات ونيات بين الدول الثلاث ستبين نتيجتها قريبا، ومحظور أن تنتصر فيها إسرائيل، وهذا ما يجب أن تتوحد مصر وإيران فيه، وذلك بخلق علاقات كاملة شاملة بينهما تفيد شعبيهما المسلمين الشقيقين، وتفيد كل العرب والمسلمين. ونستعيد ما قاله كوف دي مورفيل السياسي الفرنسي مرة للراحل هيكل مفسرا حرص إسرائيل على إخراج مصر من دورها في المنطقة ، وتفسيره أنه ” لتدخل إسرائيل في المنطقة لابد أن تخرج مصر منها . ” .
شعب البحرين قدوة مثلى عروبة وإسلاما. أرغمت معارضته للتطبيع مع عدو الأمة وزارة التربية والتعليم على إلغاء التعديل الذي أدخلته على المناهج الدراسية لما فيه من صورة محسنة لهذا العدو. كل حبنا وإعزازنا لهذا الشعب الحر الشريف، وليكن قدوة هادية لكل عربي ومسلم في موقفه من عدونا الذي لا يفرق في عداوته بين عربي وعربي، ومسلم ومسلم، ومسيرة أعلامه الأخيرة قالت كل شيء عن حقيقته العدوانية وهمجيته المتخلفة الملوثة بالشر والحقد على العرب والمسلمين.
الصهاينة المغتصبون الدمويون، سلالة الخزر، زوروا الماضي، ويزورون الحاضر، ويبسطون تزويرهم في آفاق المستقبل. في أي مكان يتواجدون فيه في الأرض الفلسطينية يودعون أعماقه القاصية ما يثبت وجودهم فيه. يودعون قطعا معدنية، وأعمدة خرسانية عليها بيانات عبرية لتكون حجة انتماء وملكية لهم في المستقبل البعيد إذا ما اختفى وجودهم الحالي. وفعلوا ذات الشيء في سيناء خاصة مدينة يا ميت التي رفضوا بيعها لمصر عند انسحابهم مع أنهم سرقوا من بترول سيناء أضعاف ثمنها، ونقلوا من المدينة ما نقلوه، ودمروا ما لم يريدوا نقله، ولابد أنهم فعلوه في الجولان السوري المحتل. المالك الحقيقي لا يزور شهادات وشواهد ملكيته. لا يزورها إلا السُراق المغتصبون.
التعليقات : 0