ليس فِلسطينيّاً من يُسَخِّف دوافع نضال شعبه وتضحياته الكُبرى 

ليس فِلسطينيّاً من يُسَخِّف دوافع نضال شعبه وتضحياته الكُبرى 
أقلام وآراء

بقلم / أ. حماد صبح

في اجتماع مع أفراد من الجالية الفلسطينية في أميركا قال العميد حسن عصفور مدير العمليات المركزية في جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية إن الشبان الفلسطينيين الذين يقاومون إسرائيل في الضفة والقدس يفعلون ذلك مدفوعين بالأموال التي تدفعها لهما حركتا حماس والجهاد، وبمؤثرات اجتماعية حيث إن” من يدخل في شجار مع حبيبته أو أخته أو والدته يقرر أن يهاجم مستوطنا.”. وهذا تسخيف وضيع لدوافع نضال الشعب الفلسطيني وتضحياته التي زخرت بالشهداء والدماء وآلام التشريد وويلاته، وأهوال السجون الإسرائيلية وما فيها من مؤبدات، وعواصف اليأس وفيوض الخيبات التي توامضت فيها أحيانا بروق صغيرة من الأمل لا تلبث أن تختفي.

 

 وكلها دائمة التجدد والتشدد، وفي حوالي شهر واحد غرق مخيمان فلسطينيان، جنين وعين الحلوة في لبنان، في أهوال القتل والدماء والهدم والتشريد. الدنيا كلها تقر بوطنية وشرعية وإنسانية وأخلاقية نضال الشعب الفلسطيني، ويخرج علينا واحد منه يعارض الدنيا كلها، ويزعم أن دوافعه مالية واجتماعية. وكلامه يجعل مستوطني إسرائيل وجنودها ضحايا مظلومة للشبان الفلسطينيين. وانسجاما مع تفسيره الوضيع الأعوج يطالب أميركا بالضغط على إسرائيل للمصادقة على المزيد من التصاريح للفلسطينيين للعمل في داخلها. هذا كل حله وحل السلطة التي يمثلها لقضية شعبه الوطنية، حل يوافق ما ترضاه أميركا وإسرائيل، الحل الاقتصادي تهربا من الحل الوطني السياسي الذي يتجسد في السيادة على الأرض وحق تقرير المصير، وهو ما تهرب منه إسرائيل، وتراه هلاكا لها. وكلام عصفور تحريض للجالية الفلسطينية على مقاومة شعبها، وفي هذا التحريض زعم الرجل أن حماس والجهاد” تريدان تدمير الضفة.”.

 

 الفلسطيني الذي يضحي بزهرة شبابه، ويقذف نفسه في أهوال مواجهة العدو وذخيرته رصاصات معدودات يريد تدمير الضفة! أما الفلسطيني الذي يسرح ويمرح في نعيم الترف والبذخ بموالاته لإسرائيل وسهره على حراستها فهو يريد تحرير الضفة. الوطنية تقضي بتحشيد قوى الجاليات الفلسطينية في الخارج لتلتحم مع القوى الفلسطينية في الوطن في توجه صادق يصادم المشروع الصهيوني الذي نظم قوى اليهود في العالم ووحدها منذ بدايته، وما زال يفعل هذا، لاغتصاب وطن الفلسطينيين وحماية وتقوية الدولة التي اختلقها بعد الاغتصاب. منظمة التحرير التي اختصرت عمليا بالسلطة تفعل النقيض.

 

تعادي أي نشاط لفلسطينيي الخارج وتراه سعيا لانتزاع تمثيل الفلسطينيين منها، وإبعادها عن أهلية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهذه أنانية فئوية انتفاعية لا وطنية، وما هكذا كانت القيادات التي حررت أوطانها من براثن الغزاة والمحتلين مثلما فعلت القيادة الفيتنامية والقيادة الجزائرية وسواهما من القيادات الوطنية التي صارت مثلا عظمى في تاريخ تحرير الأوطان والشعوب، ويقتدي بها كل من يريد هذا التحرير صادقا جادا. وكل الشعوب تحررت من الاحتلال المباشر إلا الشعب الفلسطيني ، ولا خلاف على أن الحالة الفلسطينية مختلفة مثلا عن الحالة الفيتنامية والحالة الجزائرية إلا أن الاختلاف الأكبر هو أن الشعب الفلسطيني لم يرزق قيادة صالحة مخلصة تجمع قواه وتضحي مثل تضحيته أو في الأقل لا تقف مع عدوه بمسوغات وتمويهات وتضليلات ساذجة شهدنا آخرها في اجتماع الأمناء العامين في العلمين؛ ذلك الاجتماع الذي استقطب كثافة مفرطة من الاستهزاءات لسذاجة الدعوة له وما حوته من نية الفرار من الواقع المأساوي الدامي في جنين والضفة  الذي تعرى فيه موقف السلطة المنفصل كليا عن موقف الشعب الفلسطيني ، والمنحاز جهرة لموقف إسرائيل . وهي الآن في طريق ذي اتجاه واحد مسدود، وتدمر مصير الشعب الفلسطيني حفظا لبقائها المرهون بذلك الانحياز، وكل ما تفعله متظاهرة بمعاداة إسرائيل هو لومها لقضائها بأفعالها على حل الدولتين، ونعتها بتجاوز كل الخطوط الحمراء، وإسرائيل سعيدة باللوم والنعت.

 

وأحيانا تلوم أميركا، وأمس قال رياض المالكي وزير الخارجية إن إدارة بايدن خيبت آمال الفلسطينيين، وإن النية هي الاتجاه إلى الصين بصورة متزايدة للحصول على مساعدتها . اكتشاف مبكر لكون أميركا مخيبة لتلك الآمال! وماذا سيفعل لك الاتجاه إلى الصين إذا كنت أنت لا تفعل لنفسك شيئا، وتنحاز لعدو وطنك، وتسخف دوافع نضال شعبك وتضحياته الكبرى؟!  وكل ذلك ينفي عمن يفعله صفة الفلسطيني المنتمي لشعبه وطنية ومصيرا.

 

التعليقات : 0

إضافة تعليق