الضّفّة قلبُ "طوفان الأقصى"

الضّفّة قلبُ
أقلام وآراء

الاستقلال/خاص

 

كُتبَ على الفلسطينيّين أن تعيش بلادهم فيهم أكثر من عيشهم فيها، وأن تُرافق الأرقام أسماءهم. وإن عاشوا، فقد رُسم على وجوههم قتلٌ وتدميرٌ على مرأًى عربيّ. ما نشهده في غزّةَ اليوم، كَسَرَ صوتَ طفولتنا يوم تغنَّينا فقلنا "بلاد العُرب أوطاني، وكلُّ العُرب إخواني". منذ بداية أول هجرة يهودية محمّلة بفكر صهيونيّ إلى بلادنا، وصولًا لنكبة "1948"، ثم انتقالًا إلى نكسة "1967"، وليس انتهاءً بحرب أكتوبر "1973"، وصرخات الفلسطينيين تعلو، وللضّفّة آذانٌ كُبرى إن نادت غزّة.

 

عام 2019، قُدّر عدد المستوطنين في الضّفّة الغربيّة ب700 ألف مستوطن، في 169 مستوطنة و200 بؤرة إستيطانيّة، ما يشكّل تقريبًا نصف مساحة الضفة الغربية. ومنذ بداية عام 2023 حتى ما قبل "طوفان الأقصى"، اندلعت العديد من المواجهات ما بين قوات الكيان المحتل والمواطنين الفلسطينيين في الضفة، فقبل معركة "الطوفان" بيومين، استشهد فلسطينيان وأصيب خمسة جنود "إسرائيليين"، خلال اقتحام قوات الاحتلال مخيم طولكرم، بالتزامن مع اقتحامات مئات المستوطنين "قبر يوسف" بمدينة نابلس، وذلك تحت حماية قوات الاحتلال. هذا ويبدو أنّ سلسلة القتل "الإسرائيلي" الهمجيّ لأهالي الضّفّة في تزايد مستمر، فماذا بعد "طوفان الأقصى"؟

 

منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، قيّد الاحتلال "الاسرائيلي" الضفة الغربية بشكل كامل، مع إغلاق ما يعرف "بمعبر الكرامة" الذي يربط الضفة الغربية بالأردن، كما وأغلقت جميع الحواجز العسكرية المحيطة بمدينة القدس. أضف إلى أنه وبمواصلة قوات الاحتلال إغلاق "حاجز الكونتينر"، المقام على أراضي قرية السواحرة شرق القدس، والذي يربط شمال الضفة الغربية بجنوبها، فقد نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو يُظهر التنكيل بالمواطنين على الحاجز، باقتيادهم الى داخل غرف الاحتلال.

 

هذا الإغلاق الحديدي عرقل حياة الكثير من المواطنين في شمال الضفة وجنوبها، فاضطروا لخوض طرق بديلة وصعبة. أما وقد "تغير المزاج الأمنيّ" للمحتلّ، فقد أعيد فتح الحاجز بحجة وجود شكوك حول عملية خطف مستوطن، وقد تبين لاحقًا أنه لا يوجد أي عملية للخطف في هذا السياق، وحدث ذلك ضمن الاعتداءات المتكررة على سكان الضفة الغربية وإجراء عمليات تفتيش واسعة عبر الحاجز.

 

ففي الساعات الأولى لبدء المعركة، وزع "وزير الأمن القومي" إيتمار بن غفير 10 آلاف قطعة سلاح على المستوطنين "المدنيين"، مع التركيز على سكان المستوطنات في الضفة، وفي الحادي عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري، اقتحم مستوطنون مسلحون قرية كسرى وقتلوا ثلاثة فلسطينيين، بعدها بيومين، قتل مستوطن "إسرائيلي" مواطنًا فلسطينيًّا في قرية التواني، إضافة لوصول تهديد من مستوطنين في بعض المناطق في الضفة الغربية "بالانتقام" من هجوم حركة المقاومة "حماس"، كما وقد فتح المستوطنون النار بشكل مباشر على أهالي بلدة قصرة -إحدى ضواحي مدينة نابلس- ما أدى لاستشهاد أربعة شبان.

 

ولأن الاحتلال "الاسرائيلي" يخاف من الفلسطيني المقاوم حتى لو كان ملتفًّا بكفن، فقد هاجم المستوطنون موكب تشييع الشهداء الأربعة في اليوم التالي، وأطلقوا النار على المشيّعين، ليستشهد كُلٌّ من المواطن إبراهيم وادي "62 عامًا"، مع ابنه أحمد "25 عامًا".

 

ولعرقلة وصول سكان الضفة الغربية في القرى والمخيمات الفلسطينية إلى المدن، أقدم الاحتلال على إغلاق الطرق الفرعية الترابية، وفصل كل مدينة عن الأخرى، وإعاقة حركة التنقل بينها، ما أدى إلى صعوبة وصول مركبات الإسعاف إلى المستشفيات الرئيسية، هذا ما دفع القرى والمخيمات إلى إنشاء مراكز إسعاف تطوعية بخبرات محدودة.

 

يعمل الاحتلال على فصل كل ساحة على حدة، للاستفراد "بالتكتيك" الموجود في وضعها الأمني، فيمنع سكان الضفة من ممارسة أي عمل مقاوم باسم "طوفان الأقصى"، فمنذ بدء العملية، لم تتوقف الاعتداءات الممنهجة على أهالي الضفة الغربية، والتي تأتي ضمن مسمى "العقاب الجماعي"، إذ شنّ الاحتلال "الإسرائيلي"، في التاسع عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري، حملة اعتقالات واسعة طالت نحو 150 مواطنًا فلسطينيًّا في عدد من مدن ومخيمات الضفة الغربية، وذكرت وكالة "الأنباء والمعلومات الفلسطينية-وفا"، أن من بين المعتقلين، 50 عاملًا في قطاع غزة.

 

كما وأن العملية العسكرية التي تواصلت لنحو 30 ساعة في مخيم "نور شمس" في طولكرم شمالي الضفة الغربية، من قبل قوات الاحتلال "الاسرائيلي"، خلفت 13 شهيدًا بينهم خمسة أطفال، ودمارًا كبيرًا في الطرقات والبنى التحتية.

 

وبجانب سلسلة الاعتقالات والعنف "الاسرائيلي" الذي لم يتوقف منذ سماع أول كلمةٍ مقاوِمَةٍ من أفواه الفلسطينيين، فإن الاحتلال يقوم بنصب الحواجز -شبه الدائمة- على مداخل القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية، إضافة إلى اعتدائه على الركاب وتفتيش هواتفهم المحمولة ما إذا كانت تحتوي على صور أو مقاطع فيديو تدعم المقاومة، هذا العدو يخاف من كلمةٍ وصورة، هذا العدوّ جبان.

 

وتجدر الإشارة إلى أنّ مراقبي الأمم المتحدة وصفوا ما يجري في الضفة بأنه الأسبوع "الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ عام 2005 على الأقل". ومع استمرار العدوان "الاسرائيلي" على قطاع غزة، سجلت الضفة الغربية ما يزيد عن 740 عملية ضمن مجموع أعمال المقاومة، من ضمنها 194 عملية إطلاق نار، و22 عملية نوعية. وقد سجلت وزارة الصحة الفلسطينية أكثر من 61 شهيدًا وما يزيد عن 1250 جريحًا.

 

"هُمّا الشّرفا"

"والله انهم بيرفعوا الراس أهل غزة"

"الله ينصرهم ويثبت أقدامهم ويسدد رميهم"

"رح ندفع فاتورة هاد الإشي، الفاتورة هيّ التحرير"

 

أصوات أهالي الضفة الغربية تتعالى، وكأنهم يقولون بأن "قيّدوا كل طرقاتنا، وسدوا أمامنا كل الحواجز، فهذه مواساةٌ لكلّ طفلٍ لم ينم في غزة بفعل القصف، ولكلّ طفلٍ نام ولم يستيقظ، أيضًا.. بفعل القصف".

 

يا أهالي الضفة الغربية، "هذا التاريخ يُكتب فخذوا مكانكم منه"، هذه البلاد حدودها تُرسم بأيدي المقاومة، فليُكتب التاريخ صادقًا بحبر من دماء، وليعرف العالم أجمع، كيف ساندت فلسطين كُلُّها، من بحرها إلى نهرها، أربعًا وستّين كيلو مترًا مربّعًا، يقع في المنطقة الجنوبية من السهل الساحلي الفلسطيني على البحر المتوسط، يسمّى غزة، يقاتل بكل شبر منه نيابة عن كل العالم، يا أهالي الضفة، الصوت أعلى من الحدود، والفعل المقاوم حاضر في كل زاوية من فلسطين، والتحرير حين يُخطّ على جبهة العالم، سيُخطُّ بدماء كل شهيد وبدمعة كل طفل استشهد قبل أن يستخدم اسمه، سيُخطّ هذا التحرير من بنادقكم، والفاتورة وإن طال الزمان سنراها، و"الفاتورة هي التحرير".

 

بقلم: هبة دهيني

 

التعليقات : 0

إضافة تعليق