غزة/ سماح المبحوح:
يتعرض الغزيون لعملية ابتزاز واستغلال لحاجة المواطنين من قبل الصرافين أو التجار، أو من يطلق عليهم البعض «سماسرة المال»، الذين يصرون على فرض عمولة مالية عالية مقابل عمليات تحويل الأموال التي أصبح كل غزي تقريباً مضطراً إليها في ظل نقص السيولة، إلى جانب العملات المهترئة التي يرفض الباعة استلامها مقابل بيعهم بضائع وسلعاً للمواطنين مما يزيد ذلك من هموم حياتهم التي ضاعفتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وتسبب منع إدخال الاحتلال السيولة إلى قطاع غزة وخروج البنوك وأجهزة الصراف الآلي من الخدمة بفعل تعرضها للقصف الإسرائيلي خلال الحرب المستمرة أزمة مالية خانقة، أدت لشح السيولة النقدية وفرض نسبة عمولة كبيرة على سحب الرواتب من محال الصرافة، فضلاً عن اقتطاع نسب مالية كبيرة من التحويلات الخارجية المساعدات التي تصل للمواطنين من الخارج.
ويعتمد القطاع على السيولة النقدية التي تتوفر من خلال رواتب موظفي السلطة ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، إلى جانب المساعدات التي تصل المواطنين من مؤسسات وجهات دولية في ظل صعوبة الأوضاع الاقتصادية في القطاع جراء استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة
ويمنع الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الحرب على القطاع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تزويد البنوك بالسيولة النقدية، خصوصاً من عملتَي الشيكل والدولار الأكثر تداولاً، على الرغم من المحاولات والضغوط الكبيرة من قبل سلطة النقد والأمم المتحدة.
كما ترافق ذلك مع قيام الاحتلال بقصف وتدمير العديد من البنوك وفروعها والصرافات الآلية، ما أدى إلى تعطل وشلل عام في النظام المصرفي في القطاع والمتمثلة في السحب والإيداع في البنوك الرسمية، واكتناز كميات النقد في أيدي المواطنين والتجار وحبسها عن مجراها الاعتيادي في الدورة النقدية، وفق بيان نشرته سلطة النقد الفلسطينية في أبريل/نيسان الماضي.
وأكدت سلطة النقد تعذر فتح ما تبقى من فروع للقيام بعمليات السحب والإيداع في القطاع كافة، بسبب القصف والظروف الميدانية القاهرة وانقطاع التيار الكهربائي والواقع الأمني.
وأوضحت أن هذا الوضع نجمت عنه أزمة غير مسبوقة في وفرة السيولة النقدية بين أيدي سكان قطاع غزة وفي الأسواق، وتفاقمت الأزمة مع خروج معظم أجهزة الصراف الآلي من الخدمة.
ولفتت إلى أنها تتابع شكاوى السكان عن عمليات ابتزاز يمارسها أشخاص وتجار من قطاع غزة، وبعض أصحاب محلات الصرافة غير المرخصة، باستخدام أجهزة الخصم المباشر في نقاط البيع، أو التحويلات المالية على التطبيقات البنكية.
وكان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش هدد بحرمان السلطة الفلسطينية من كامل أموال المقاصة إذا دخل «شيكل واحد» إلى غزة.
سماسرة التكييش
تعرضت المواطنة أحلام عودة من شمال غزة لعملية ابتزاز من قبل «سماسرة التكييش» الذين استغلوا حاجتها لاستلام مبلغ مالي حوله لها زوجها الذي يعمل مدرسا في دولة الكويت.
وأكدت عودة في حديثها لـ “الاستقلال» أن أحد السماسرة طلب منها عمولة 25% على النقود الجديدة مقابل 18% على العمولة المهترئة والتالفة.
وأشارت إلى رفضها عملية المساومة التي عرضها عليها الصراف، مؤكدة حاجة أبنائها للمبلغ الذي سيتم اقتصاصه.
وفي محاولة لإيجاد حلول بديلة عن «الكاش» أطلقت سلطة النقد الفلسطينية في 11مايو/أيار الماضي خدمة الدفع إلكترونيا باستخدام التطبيقات البنكية والمحافظ الإلكترونية والبطاقات البنكية.
كما أوجدت حلا لمشكلة انعدام خدمة الانترنت بإتاحة إمكانية استخدام أنظمة الاتصالات المتحولة.
لكن الانترنت ليست المشكلة الوحيدة أمام التعاملات المالية اليومية للفلسطينيين في غزة، فالمواطنة «عودة» أكدت افتقادها متجراً واحداً يقبل المعاملات الإلكترونية، خاصة بعد أن تحول البيع والشراء في غزة إلى «بسطات» في المخيمات والأسواق بديلا عن المحلات.
أقل الأضرار
ومن شمال غزة لجنوبه لم يكن حال موظف السلطة الفلسطينية محمود عبد المجيد أفضل حالا عن سابقته، فهو الآخر لا يستطيع استلام راتبه الشهري بسبب اغلاق البنوك بفعل قصفها وعدم توفر السيولة النقدية في الصرافات.
واضطر الموظف عبد المجيد حسب ما أكده لـ «الاستقلال» إلى العمل على «بسطة لبيع المواد الغذائية» واللجوء بعض الأحيان لاستدانة الأموال لتلبية حاجته وأبنائه اليومية من الطعام والشراب، عدا عن دفعه الإيجار الشهري للمسكن الذي يقطنون به بعد نزوحهم لمخيم البريج وسط القطاع.
ورأى أن عمله على «البسطة» أفضل حلا وأقلها ضررا من الاستعانة بالصرافين والتجار وأصحاب «الكاش» لتحصيلهم عمولة كبيرة ترهق جيوبهم كموظفين.
ومع استمرار الحرب في قطاع غزة وعدم دخول سيولة مالية جديدة للقطاع لأكثر من عام، تمزقت الأوراق المالية وصدئت العملات المعدنية، وبالتالي يرفض العديد من البائعين والتجار استلام هذه الأموال مما يمثل عبئاً على المواطنين الذين يعانون بالفعل من صعوبة توفير الأموال اللازمة للمعيشة في ظل ارتفاع أسعار معظم السلع الأساسية.
حتى أبسط الطلبات لا يمكن شراؤها بالنقود المهترئة، حاول المسن أبو محمد شاهين، أن يشتري الخضار لعائلته ومعها ورقة من فئة 100 شيكل، وكذلك 30 شيكلا من فئة العشرة شواكل لكن البائع لم يقبل أياً منهما فاضُطر للرحيل دون شراء حاجتها.
وقال: «إن نقص السيولة وعدم دخول أو خروج الأموال من قطاع غزة أدى إلى أزمة يواجهها كل مواطن بالقطاع».
وتابع: «عندما نذهب للشراء بعملات ممزقة، يتم خصم جزء من المبلغ، في ظل حاجتنا لكل قرش نتيجة الحرب وآثارها».
انعكاسات مالية خطيرة
المختص الاقتصادي محمد أبو جياب رأى أن أزمة السيولة النقدية في القطاع تعد نتيجة طبيعية للحرب الإسرائيلية المتواصلة لأكثر من عام، ونتيجة توقف الدورة المالية والاقتصادية بشكل كامل.
وقال أبو جياب خلال حديثه لـ «لاستقلال»:» إن الحركة التجارية لم تعد قائمة بشكلها الطبيعي، والقطاع التجاري والصناعي لم يعودا يعملان، كما النظام المصرفي معطل بشكل كامل، والدورة المالية لم تكتمل كما كانت قبل الحرب».
وأضاف: « أن عمليات إيداع السيولة النقدية في البنوك توقفت من قبل العملاء، فأصحاب البسطات العشوائية والتجار المستجدين في الأسواق هم من يملكون السيولة النقدية ويعملون على بيعها كسلعة، ولا يودعونها في البنوك وبالتالي خروجها من المصارف دون رجعة».
وأشار إلى أن منع استبدال الأوراق النقدية والمعدنية التالفة، كذلك توقف الدورة المالية الخارجية، جميعها أسباب خلقت أزمة في «الكاش» وشح في السوق المالية والبنوك والنظام المصرفي ما دفع البعض ممكن يمتلكون السيولة للاتجار بالمال.
ولفت إلى الانعكاسات الخطيرة لهذه الأزمة المالية بعد فشل محاولات سلطة النقد لإدخال السيولة إلى قطاع غزة نتيجة عدم قدرة المواطنين على الاستفادة من أموالهم المودعة في البنوك في ظل أوضاع اقتصادية صعبة للغاية.
وتقدّر دورة الحياة التجارية في قطاع غزة بنحو 3 مليارات دولار سنوياً، يتم تقسيمها على أيام العام، ما يجعل الخسائر المالية المباشرة للعدوان الجاري لا تقل عن 10 ملايين دولار يومياً، دون احتساب الأضرار والفرص الضائعة، وفقاً لتقديرات غير رسمية.
ووفق تقديرات مؤسسات المجتمع المدني في القطاع، بلغ معدل الفقر قبل الحرب 64%، وهو أكثر بمرتين منه في الضفة الغربية، كما أن 33.8% من السكان يعيشون تحت خط الفقر المدقع، في الوقت الذي تعاني فيه 57% من الأسر الفلسطينية من انعدام الأمن الغذائي، أي ما يقارب 6 من كل 10 عائلات في القطاع.
التعليقات : 0