السلوك القويم حل المشكلات لا الشكوى منها

السلوك القويم حل المشكلات لا الشكوى منها
أقلام وآراء

حماد صبح

لا حياة بلا مشكلات، و”خلق الإنسان في كبد ” مثلما ينبئنا كتابنا الحكيم. والسلوك القويم، والصواب الحق هو حل ما يلاقينا من مشكلات في حياتنا، وليس الشكوى منها، وبيان عجزنا عن حلها .سهل أن يشكو الإنسان، وسهل أن يسوغ عجزه، ولكن مرتدات ذلك فادحة الضرر به. ويتمايز الأفراد في مواجهة المشكلات تمايزا منبعه اختلاف شخصياتهم، بل اختلاف مجتمعاتهم معتقداتٍ وثقافة واتجاهات فكرية ونفسي. ونحن _ المسلمين _ عقيدتنا عقيدة أمل واطمئنان إلى عون الله _ تعالى _ لنا في الشدائد المدلهمات. والثقافة العربية قبل الإسلام كانت ثقافة صبر وتحمل وعناد في مقارعة الصعاب، ثقافة أنتجتها حياة الصحراء الفقيرة القاسية. وعزز الإسلام هذه الثقافة حين وضح للعرب أن لهم ربا يعينهم في الشدائد، ويثيبهم على صبرهم في تحملها ثوابا مُجزَلا حسنا ” أم من يجيب المضطر إذا دعاه”، “وبشر الصابرين”. وشعوب كثيرة تتصف بقدرتها وحكمتها في مغالبة المشكلات، واجتراح حلول فعالة لها. والشعب الصيني في طليعة هذه الشعوب. ونقف عنده قليلا.

 

بعد ظهور الصين الحالية في 1949 انطلقت بقوة مكتسحة للعقبات والمشكلات في كل الميادين الصناعية والزراعية والمهنية والاجتماعية والتعليمية. نظر قادتها في حاجتها إلى المواصلات، وقدروا أنهم لو اعتمدوا على السيارات أساسا لاحتاجت البلاد الواسعة المساحات والكثيرة السكان إلى ملايين الملايين من السيارات، وستضطر إلى شراء وقودها من الخارج بملايين الملايين من الدولارات، فحلوا المشكلة بالاتجاه إلى صناعة الدراجات، وحققوا في صناعتها منجزات عظيمة واسعة: خلقوا سوانح عمل لملايين المواطنين في صناعتها، وقفزت هذه الصناعة قفزات واسعة في جودة منتجاتها، وصدرت إلى الخارج، وغدت مصدر دخل كبير للبلاد، وحمت البيئة من التلوث الذي تنتجه عوادم السيارات، وأشاعت المساواة بين المواطنين بركوب وسيلة مواصلات موحدة. وبعد صناعة الدراجات اتجهت إلى صناعة السيارات التي تصدرها إلى العالم. وحل الصينيون مشكلة الأمية حلا سهلا رخيصا.

 

ولما كانت الأمية فاشية في الريف انطلق المعلمون إليه. لم تبنِ الدولة مدارس. ثبتوا لوحات على سيقان الأشجار في الحقو، وجمعوا الفلاحين وعلموها أوليات القراءة والكتابة، وبعد هذه الأوليات المؤسسة لينطلق من شاء الانطلاق في آماد التعلم والمعرفة. ونذكر أنفسنا أن ماوتسي تونج قال لصحفيين عرب زاروا الصين في سبعينات القرن الماضي للاطلاع على تجربتها: ” لديكم عمر بن الخطاب.”، ولو كان حيا اليوم لرأى من لدينا! والمشكلة قد تفتح بابا وسيعا لابتداعات تاريخية تفيد من اصطدم بها ومجتمعه والبشرية. وفي ثقافتنا الإسلامية: “رب منحة في محنة”. تأخرت السفينة التي تأتي من فرنسا برواتب ضباط وجنود الحامية الفرنسية في كندا في مستهل الاستيطان الأوروبي في تلك البلاد، ولم يجد ضباط وجنود الحامية ما يشترون به حاجاتهم . وكانت العملة قطعا ذهبية، فاهتدى قائد الحامية إلى فكرة ! اتفق مع أصحاب المتاجر على كتابة إيصالات ورقية بما يشتريه رجاله منهم حتى تأتي سفينة الرواتب، فيدفع لهم ثمن المشتريات، وكانت الإيصالات بداية ظهور العملة الورقية في العالم . ونحب أن يقرأ هذا المثال الهادي الذين يعقدون البيع في قطاع غزة برفض قطعة عشرة الشواكل المعدنية، وما يعدونه باليا من العملة الورقية . والسلوك القويم أن نواجه المشكلات بهدوء وعزم وثقة في النفس، وقبل ذلك بثقة في أن الله دائما يريد لنا الخير، ودائما يأخذ بيدنا إليه، وفي القول العزيز : ” إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ” تحذير فائق الخطورة من القنوط من رحمته الواسعة السريعة الإتيان إلى الإنسان إن كان من أهل الإيمان والإحسان لا من أهل الكفران ونوازغ الشيطان .

 

ودافع هذه السطور كثرة المشكلات والمصاعب المعقدة التي فجرتها الحرب الإجرامية الإسرائيلية في قطاع غزة . مجموعة بشرية صغيرة في مكان محدود صغير بليت بوحشية عدو قانط أحمق تعينه في وحشيته المتهورة الطائشة أكبر قوة عرفها التاريخ، أميركا، ويتجمد العالم إزاء هذه القوة الظالمة ومستعمرتها الصهيونية عاجزا منشلا إلا من عطوف الكلام الذاهب غبارا بديدا في الجو، وإن كان له عواقب هائلة السوء مستقبلا على المستوطنة . والمشكلات التي تتدفق سيولها هادرة على المجموعة البشرية الفلسطينية الصغيرة متعددة تتوالد توالد البكتيريا في الأجسام المتعفنة، وخلاصتها حرب نار حاقدة عمياء، وحرب أسعار منفلتة العقال تتعدد مسبباتها، وحرب حصار متآزرة متفاعلة مع الحربين، بل كانت تمهيدا قديما مسبقا لهما. وأهل قطاع غزة يصارعون فواعل الحروب الثلاث فرديا وجماعيا، ويوفقون في نواحٍ، ويخفقون في أخرى، وهكذا تواليا . وقدرهم أن يثبتوا في صراعهم، ويطمئنوا إلى أن لهم ربا رحيما عادلا سيرحمهم في محنتهم، وينصفهم من عدوهم الذي حارب الله _ جل قدره _ في هذه الحرب حين قتل الأبرياء الذين عظم الله جرم قتلهم، فجعل قتل النفس البشرية الواحدة البريئة قتلا لكل البشر، وحين هدم بيوت الله التي يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها، فاستوى بهذا الهدم على مرتبة الأظلم بين البشر، واستوى على مرتبة الأحق بأعلى صنوف العذاب والخسران دنيا حاضرة وآخرة منتظرة.

 

وتناهت حقارة عدونا وسفهه وسفالته، ف ” كرم ” مدير شركة هدم بتكليفه بهدم مسجد في رفح! هل في قدرة أحد اليوم الانحطاط إلى هذه الهاوية الأخلاقية المظلمة سواهم؟! وعدونا الضال الفاسق يألم مثلما نألم، بل لعله أعتى ألما لغضاضة روحه التي شاعت أنباؤها متنوعة، ومنها إخفاقه العسكري الكبير أمام أجناد حزب الله المؤمنين الشجعان، وتردي وضعه الاقتصادي مما جعله يفرض حظرا على أخبار هذا التردي، والخلافات الشديدة بين قيادته السياسية وقيادات العسكرية والأمنية، واتساع هجرة مستوطنيه إلى الخارج هجرة لا رجعة بعدها، وحوادث الانتحار بين ضباطه وجنوده، وآخرها انتحار طيار. هل سمع أحد عن انتحار فلسطيني في قطاع غزة؟!إنه الإيمان والثقة بالله الرحيم الرحمن. و”النصر صبر ساعة”، “إن جندنا لهم الغالبون”، “ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا”، وإذا كنا نشكو من سلبيات سلوكية من بعض الناس في الحرب فإن السلوك الإيجابي أكثر . وما في الحال أن السلبيات عادة أقوى جذبا للأنظار والاستنكار لمنافاتها لمألوف القيم الدينية والأعراف الاجتماعية والأخلاقية . بقعة سوداء صغيرة في الثوب الأبيض تعمي الأبصار عن بياضه، وتصبح هي مدار تركيزها . والمجدي أن نعزز الإيجابيات ونئد السلبيات، وهذا الهدف يلزمه قدرا واسعا من التنظيم للأمور بما يعزز السلوك الإيجابي السليم القويم، وينحي السلوك السلبي الذميم لنعبر المضيق الذي يريد عدونا أن يحشرنا فيه .

التعليقات : 0

إضافة تعليق