غزّة تُحرَقُ عن بَكْرَةِ أبيها.. وأئمةُ المساجدِ يتحدثون عن حُرمَةِ الخمر!

غزّة تُحرَقُ عن بَكْرَةِ أبيها.. وأئمةُ المساجدِ يتحدثون عن حُرمَةِ الخمر!
أقلام وآراء

غزّة تُحرَقُ عن بَكْرَةِ أبيها.. وأئمةُ المساجدِ يتحدثون عن حُرمَةِ الخمر!

بقلم/ عدنان نصّار

في الوقت الذي تُدمَّر فيه غزة، وتُحرَق فيه المستشفيات، وتنهش الكلابُ جثث الشهداء والموتى، ويموت فيه الأطفال جوعاً وبرداً وقتلاً، ويُساق الرجال عُراة، والنساء الثكالى يضمِّدن جراح أبنائهن، في الوقت الذي تُجمَع فيه الأشلاء الآدمية، كأنها قطعُ لحمٍ جاءت من كوكب آخر، وسط هذا الإجرام الصهيوني الذي تفوّق على أرذل الصفات الخارجة عن القوانين الآدمية، ينشغل أئمة مساجد وشيوخ السلاطين بخطب الجمعة عن حُرمَة الخمر، وشاربها وبائعها ومشتريها وحاملها، يتحدث الأئمة عن جواز النظر على جسم امرأة عابرة للطريق وهي نصف عارية، ويتحدثون بلُغة الناصح الأمين عن حُرمَة مصافحة المرأة.. يتحدثون عن تربية النشء الصالح، والرفق بالقوارير.!

في الوقت الذي يبتلع فيه الغزاة الأرضَ والإنسان، ويقتلع الشجر والمكان والعنوان، يعتلي أئمة مساجد المنبر ليحدّثونا عن فوائد الزكاة وأجرها، وعن الصيام وثوابه، وعن الحج لـ: "مَنْ استطاعَ إليهِ سبيلًا"، يتحدثون كأنّ أمّة الإسلام ينقصها ثقافة: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن"، ويتناسَوْنَ عن قصد مسبّق – والله أعلم – ما يدور ويحدث من جرائم إبادة في غزة، ويتهيّأون بترتيب مسبّق للحديث عن حُرمَة الخمر، وخطبة مُعدَّة مسبقاً ترشدنا إلى الصواب، ويكأنّ أمّة الإسلام على خطأ.!

عبر التاريخ، كانت منابر المساجد وخُطب الجمعة تُعدُّ واحدة من دروس الثورة على الطُغاة والظلم، ولعلّها كانت خُطبَاً تحرِّك جيوشًا.!

تتماثل الأوجاع في غزة، وتتطابق المشاعر مع حجم الألم بين خلق الله، وربما تتناثر الأحزان العربية والإسلامية في شتات الأرض، لكنها تتوحّد في رفضها المطلَق وشجبها واستنكارها لم يحدث في غزة، في وقت يصرّ المسار السياسي العربي على وجه الخصوص والدولي عموماً على موقف المتفرِّج، وربما الشريك عند بعض الدول في حرب الإبادة على يد الغُزاة.

ينبغي أن تتوجّه الخطب الدينية إلى ما هو أبعد من (الخمر رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه)، فهذا من بديهيات المعرفة عند أصغر مُصلٍّ يرتاد المسجد، ينبغي أن نذهب في الخطب إلى ما هو أبعد من: "ابتلاع ماء مضمضمة الوضوء هل يُفطِر الصائم؟"! غزة تستوجب الحديث عن عمق المعاناة، وعن اتساع الصمت الرسمي العربي والدولي، وغزة تستوجب الحديث في خطب الجمعة عن أطفال يتجمّدون من البرد، وثمّة أطفال يموتون حرقاً وجوعاً على يد الطُغاة.

يُخطئ مَنْ يظن أن "الاحتلال" منتصر، وخائنٌ مَنْ يعتقد أن غزة ستخرج من تاريخها وهُويّتها العربية، ومرتدٌ عن دين الله بكلِّ كتبه السماوية مَنْ يُسهِّل عبور اليأس إلى صدور المتفائلين.

مشاهد حرب الإبادة في غزة، انتقلت من مرحلة القتل إلى الإذلال، وابتكار العدوّ الإسرائيلي لأساليبَ جديدةٍ تنحدر إلى الدُون، وتتساوى مع سقط المتاع، فهم لا يتوانون للحظة عن سعيهم الجبان لمحاولات إذلال الرجال الأحرار في غزة، في وقت عجز فيه اللسان الدولي عن النطق بحقيقة أبشع الممارسات بحقّ البشرية، ممارساتٌ فاقت الفاشية، فإلى أيِّ صنفٍ ينتمون؟!

يُؤلمنا جداً الصمت الدولي الراعي الزائف لحقوق الإنسان، ويصعق وجداننا الصمت العربي الرسمي في زمن ضرورة الفعل والكلام، ويغرس في خواصرنا الخناجر هذا السكون والسكوت على أقذر جرائم الحرب في العصر الحديث، فواشنطن بسلامتها تقود سياسة الاستعباط والكذب، وتنجرُّ خلفها دولٌ قِيلَ لنا إنها "عُظمَى".. فلا حِراكٌ لها غير عبارتها الشهيرة: "لإسرائيل الحقّ في الدفاع عن نفسها"! وهي السارقة للأرض والقاتلة لأصحابها الشرعيّين.

سينتهي العدوان على غزة بلا شك، وسيُخبرُ أطفالُها اللهَ تعالى أنّ صمت العالم هو مَنْ أخافنا، وأنّ ثمة أئمة مساجد انشغلوا بخُطب حُرمَة الخمر، وحكم ابتلاع ماء مضمضة الوضوء.. في زمنٍ يسعى الاحتلال لابتلاع إرثنا وأرضنا وهُويّتنا.

التعليقات : 0

إضافة تعليق