لا سلامَ ساخناً أو بارداً مع الشعب العربيِّ لـ"إسرائيل"
بقلم/ حمّاد صبح
لا يكفّ الإسرائيليون رسميين وإعلاميين ومستوطنين، ولا نقول مواطنين، عن التبكِّي والتشكِّي من برودة السلام مع مصر بعد أربعة عقود ونصف من توقيع اتفاقية السلام بين الطرفين، ويلومون على هذه البرودة الرأي العام المصري، وإن كانوا لا يستثنون النظام المصري الرسمي من هذا المَلام وإنْ بأسلوب أخف، ويقترحون اقتراحات نمطية لتسخين العلاقة بين الطرفين، ولُبُّ هذه الاقتراحات تعديل مناهج التعليم في مصر لترسم لـ"إسرائيل" صورة جميلة في نفوس دارسِي هذه المناهج، وتوظيف وسائل الثقافة من إعلام وسينما ومسرح للإسهام في رسم هذه الصورة فإذا الوجه "العكش باللهجة المصرية" لـ"إسرائيل" جميل باسْم يُغري بالاحتضان والتقبيل والقبول النهائي الشامل، ولكن ومثلما يقول المثل المصري: "إيش تعمل الماشطة في الوجه العكش؟!".
على فرَض وجود ماشطة في مصر تقبل المغامرة لتجميل وجه "إسرائيل" الزريّ القبيح، سفير "إسرائيل" السابق في مصر ديفيد جوفرين في كتابه (الشراكة في ظلّ التنافس) الذي عرض زهير أندراوس بعض مضمونه في "رأي اليوم" سار على ذات طريق النمطية الإسرائيلية المتحجِّرة في التبكِّي والتشكِّي من برودة السلام مع مصر، وردّد نفس الاتهام الإسرائيلي التقليدي للشعب المصري، واقترح نفس الاقتراح لتسخين العلاقة بين الطرفين، وفي هذه النمطية الإسرائيلية المتحجِّرة المستهلَكَة لا نرى من الإسرائيليين مَنْ يلوم كيانهم أيَّ مَلامة على نفور الشعب المصري منهم، وهو على كلّ حال نفورٌ عربيٌّ شعبيٌّ شاملٌ حاز أقصى تجلياته الساطعة العميقة في أولمبياد قطر حين نفرَ المواطنون العرب من الإسرائيليين الذين أذِنَت لهم قطر بحضور الأولمبياد العالمي في أراضيها، لم يقبلْ أيُّ مواطن عربي التحدُّث مع وسائل الإعلام الإسرائيلية التي كانت تتحرّق للتحدُّث مع المواطنين العرب لمنح الإسرائيليين صورة مقبولية عربية شعبية يستمتعون بها، وتتطلق أساريرهم حبوراً منها، ويطمئنون إلى أن الشعب العربي غفرَ لهم اغتصابهم فلسطين، ونسِيَ مجازرهم لكثيرين من العرب؛ تلك المجازر التي رافقت عُمرَ كيانهم القصير، والظاهرة الأخرى في هذه النمطية الإسرائيلية المتحجِّرة إلى حدِّ التصلُّد أن أحداً من الإسرائيليين لا يلوم كيانه أيَّ مَلام على النفور الشعبي العربي المتصل والمتصاعد من هذا الكيان في خطٍّ لا انحدارَ فيه، يعرضون أنفسهم ضحايا أبرياء مُحبِّي سلام وتعاون مع المحيط العربي الرسمي والشعبي، ويهجرون كُلياً النظر إلى جرائم كيانهم في حقِّ كلّ العرب والمسلمين، وانبثاقاً من هذا العرض الباطل لا يطلبون من أنفسهم أيَّ إصلاح لمساوئهم ضدّ العرب والمسلمين، وهل يصلح مَنْ يزعم البراءة نفسَه؟!
إنهم دائماً أبرياء في عيون أنفسهم، ودائماً الآخرون مذنبون في حقهم، مثلاً يتجاهلون ما في مناهجهم المدرسية من إساءات للعرب والمسلمين، وأفرطَ جنودهم في الحرب القائمة في كتابة بذاءات تقدح في العرب والمسلمين على جدران البيوت التي دخلوها في قطاع غزة، وكلّ هذا ممّا رُبُّوا عليه، وانغرس متغوراً في نفوسهم، أعلى درجات الحقارة والشعور بالنقص أن تحتقر الآخرين مُعلِياً نفسَكَ عليهم، إنه تحايلٌ على هذه النفس وخداعٌ لها وعواقبه مدمِّرة لك، ماذا كان مصير ألمانيا حين استعلَت بعِرقها الآري على العالَم حتى زعم هتلر أن بلاده أحقّ بنفط الاتحاد السوفيتيّ وقمحِهِ من الاتحاد نفسه؟!
ومن غباء جوفرين في التصاقه بالنمطية الإسرائيلية المتحجِّرة العمياء عن عيوب الذات وقبائحها أنه يطالب بسخونة السلام مع مصر بعد 14 عشر شهراً من حرب كيانه الهائلة الهمجية والإجرام على قطاع غزة ولبنان؛ حربٌ تعالَت إلى ذرا من القتل والتخريب الأعمى الهمجيّ لم تأتِ في بال أحد في العالَم سوى الكيان الإسرائيلي نفسه، وبسط فيها الكيان عروضاً شاهقة العلو في الإفلات من كلّ مألوف في الحرب وفي الأعراف السياسية والدبلوماسية في مسلسلات متلاحقة من الأكاذيب والأخاديع والنفاق والفقدان المطلَق للشرف والأخلاق، والإجماع العالمي مؤتلف مؤتزر على أن هذا الكيان لم يعرضْ لصورته الحقيقية لوحة أقبح وأحقر من اللوحة الكبيرة التي عرضها في هذه الحرب، والإجماع ذاته مستقر واثق بأن هذه الصورة أصدق نذير لاقتراب هذا الكيان الطائش الضال من حفرة نهايته، وأن جرائمه المتهورة في قطاع غزة آية ضعف حقيقي مستعصٍ، ولا دلالة لها على أيّة قوة حقيقية مُجدِية. للحرب الحالية ما بعدها، وأهم ما بعدها هو اختفاء هذا الكيان المختلَق الذي رسّخ في هذه الحرب قناعة المراقبين له، وقناعة الذين يقاسون جرائمه العمياء الفاجرة أنه ولد خطأً وظلماً، ودام حتى الآن خطأً وظلماً، ومَنْ كان هذا حاله لا دوام له، وقبل ذلك لا سلامَ بارداً أو ساخناً له مع الذين نكبوا باختلاقه.
زار بن غفير شاطئ غزة، وقال متشنّجاً: إنه حقّق بزيارته أمنية راودته زمناً، حين احتجّ عضو كنيست على قرار شارون بالهرب من قطاع غزة أمام ضربات المقاومة الفلسطينية سأله شمعون بيريز ساخِراً من احتجاجه الغاضب: "ماذا لك في غزة ؟!"، ونفس السؤال الساخر نُعيده على بن غفير المستوطِن الكردستانيّ الذي لا يملك أخلاقياً شرفَ الانتماء إلى الشعب الكردستانيّ المسلم، ونزيد على السؤال: "وماذا لكَ في سائر فلسطين؟!".
مرّة قال أرييه درعي المستوطِن المغربيّ ووزير الداخلية السابق، إنه يشعر بالأُلفَة مع المواطنين أكثر ممّا يشعر بها مع المستوطنين الآتين من الغرب، فقامت عليه قيامة غاضبة أرغمته على الإقلاع عن مثل هذا الاعتراف.
التعليقات : 0