تمر العلاقات الأوروبية الاسرائيلية بمأزق غير مسبوق، على وقع إصرار رئيس حكومة الاحتلال الاسرائيلي، المضي بحرب الإبادة بغزة، والتي أدت لتشديد حدة المواقف والتهديدات من دول أوروبية، تُعد مفتاحًا في القارة.
ويتفق محللون سياسيون، على أن التهديدات الأوروبية لـ"اسرائيل"، غير مسبوقة، وقد تؤدي إلى تمزق في العلاقات، وإجراءات غير مسبوقة، يكون فيها "نتنياهو" وحكومته، قد هدم صورة لطالما بنتها "إسرائيل" لها في الغرب.
وهددت دولًا أوروبية على رأسها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأيرلندا وإيطاليا والسويد وبلجيكا وأخرى، بقطع العلاقات مع "إسرائيل"، وفرض عقوبات عليها، ووقف اتفاقيات الشراكة معها، بسبب استمرار حرب الابادة على غزة.
واتخذ عدد من هذه الدول إجراءات مبدئية ضد العلاقات مع "إسرائيل"، من استدعاء سفراءها، وقطع اتفاقيات تعاون وبلدية وعلمية، فيما تؤكد أخرى أنها بصدد فرض عقوبات على الكيان.
"صفعة لنتنياهو"
ويقول المختص بالشأن السياسي عادل شديد لوكالة "صفا"، إنه "لا شك بأن التهديدات الأوروبية والغربية بشكل عام غير مسبوقة وتشكل ارتفاع كبير ونقلي في التهديد اللفظي تجاه إسرائيل".
ويستدرك "حتى اللحظة لم يتم ترجمة تلك التهديدات إلى إجراءات وسياسات عملية تدفع إسرائيل بموجبها أثمان كبيرة".
وما لم يتم تنفيذ تلك التعديات لواقع، تبقى الأمور من المكن التأقلم والتعايش والتكيف معها من قبل "إسرائيل"، يقول شديد.
ولكنه يؤكد عدم بقاءها كذلك، مضيفًا "المواقف الأوروبية المتصاعدة في التهديد، شكلت صفعة لنتنياهو، فهو يعتبر إسرائيل جزء من الحضارة الغربية بالمنطقة ويعتبرها امتداد لتلك الدول، ويدعي أنها موجودة للدفاع عن تلك الدول في مواجهة ما يسميه التهديد الارهابي الإسلامي، وبالتالي هذا التهديد الأوروبي يفشل خطاب نتنياهو".
ويرى أن السيناريو القادم هو أنه "ما لم تتوقف الحرب، تبقى الإجراءات الأوروبية في منحى تصاعدي، يكون ذروة سقفه بتقديري مقاطعة المنتجات الاستيطانية وقف مشاريع مع إسرائيل، والاعتراف المتزايد بحل الدولة الفلسطينية الذي يأتي بسياق حل الدولتين".
بداية مأزق
من جانبه، يعتقد المختص بالشأن السياسي والاسرائيلي انطون شلحت، أن العلاقات بين "إسرائيل" ودول الغرب المفتاحية موجودة، ولكنها تمر بأزمة شديدة قد تتفاقم.
ويضيف أن "نتنياهو حتى الآن هو المسؤول عن هذه الأزمة".
ويشير إلى أن انعكاساتها على "إسرائيل" ستجيب عنها الأيام المفتوحة القادمة، لأنه حتى الآن هناك تهديدات بزيادة العقوبات وأخرى بحظر أسلحة، وإذا نفذت هذه التهديدات سيكون الحديث عن بداية مأزق في العلاقات.
ومن وجهة نظره، فإن ما تقوم به أوروبا مهم للغاية، لكنه لا يكفي لاجبار "إسرائيل" على أن تنحو في مسار مناقض للمسار الذي تنحو فيه حتى الآن، والذي يعكس إصرارها على الاستمرار في حرب الابادة، والتدمير الشامل في قطاع غزة.
ويقول شلحت أيضًا "هناك تململ إسرائيلي من الموقف الأوروبي، وهناك خشية بأن يتطور، ومجرد هذا التململ وهذه الخشية يشير إلى أن هذا الموقف الأوروبي مهم للغاية، يمكن أن يصبح أكثر أهمية إذا ما صار في تجاه التصعيد ومممارسة إجراءات حقيقية على أسوشتيد لكي توقف حربها العدوانية".
وفي حال عدم استجابة "نتنياهو" للتهديدات، فإن السيناريو المتوقع هو أن تصعد أوروبا إجراءاتها على كل المستويات السياسي.
ومن ضمن الإجراءات-وفق شلحت- رفع الغطاء عن "نتنياهو"، أو المستوى الاقتصادي كفرض عقوبات وربما حظر بضائع.
كما يمكن أن تتخذ دولًا إجراءات على مستوى العلاقات الأمنية وهو الأكثر دلالة، وفي هذا الجانب يوضح "شلحت"، أن من المعروف أن هذه الحرب أثبتت اعتماد "إسرائيل" كثيرًا على واردات الأسلحة من الولايات المتحدة ومن دول أوروبية، وبحال اتخاذ إجراءات بحظر تصدير أسلحة، فإن هذا يمكن أن يؤثر على مجرى الحرب.
ويستطرد حديثه "لست خبيرًا أمنيًا، لكن هناك اعترافات من خبراء في الشون الأمنية الإسرائيلية، بأن إقدام أوروبا على حظر توريد أسلحة لإسرائيل، يمكن أن يوثر على كل أداء الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب المستمرة منذ أكثر من 600 يوم".
ولذلك يعتقد "شلحت"، بوجود قوية إلى أن "نتنياهو" يحاول أن يحتوي هذه التهديدات، وأن يهرب منها إلى الأمام، من خلال التجاوب الجزئي مع بعض المقترحات التي تتحدث عن صفقة تبادل ووقف إطلاق نار بغزة.
ويتابع "طبعاً مع تمسكه بكل الشروط التي كان يتمسك بها في السابق، والتي كانت السبب الرئيسي في انفجار اتفاقات وقف إطلاق النار بالفترات الماضية".
ويرى أنه في حال استمرار نتنياهو بهذا المسار، فإن السيناريو الأرجح، هو أن تتخذ الدول الأوروبية المعنية بوقف الحرب، إجراءات أشد وأدهى.
ويقول أيضًا "وفي حال اتخاذها أؤكّد أنها يمكن أن توثر في صانع القرار في المؤسسة السياسية الإسرائيلية، لأن هذه الموسسة تخضع للضغوط الخارجية، خصوصاً إذا كانت قادمة من دول لها تاثير مهم في السياسات الإسرائيلية،مثل الولايات المتحدة وأوروبا، سيما أن الأخيرة يدور الحديث فيها عن دول تعتبر دولاً مفتاحية في هذه القارة".
"هدم صورتها بالغرب"
ويجزم المختص بالشأن الإسرائيلي امطناس شحادة، بوجود حالة صدمة داخل "إسرائيل" من الموقف الأوروبي الأخير.
وإذا كان المحللين للإسرائليين في الدوائر الاوربية بحالة صدمة وتفاجئت من هذا الموقف، فكيف بالمستوى السياسي".
ويفيد بأن دولاً مثل فرنسا وإسبانيا إيرلندا وغيرها، كان موقفها مسبقًا معارض لحرب الابادة، ورغم تأثيره إلا أن الموقف الصادم لـ"اسرائيل"، هو موقف ألمانيا والذي شكل نقطة تحول خطيرة في المواقف الأوروبية تجاهها.
ويستطرد "حينما يكون 12% فقط من الألمان مؤيدون لإسرائيل، وحينما تنشر مواقع مثل فوكس نيوز الأمريكي اليميني المتطرف صورًا عن المجاعة بغزة، فهذا كله انعكاس لتغير الموقف تجاهها".
وبرأيه، فإنه "إذا لم يتم استدراك وإزالة الضرر، من هذه المواقف، فقد تصل إلى مرحلة لا يكون فيها قابلية لإصلاح هذه العلاقات".
ويشير إلى أنه إذا ما طفح الكيل الأوروبي من ممارسات "اسرائيل"، فقد يشكل أزمة حقيقية لديها، خاصة وأن المحللين يحذرون "نتنياهو" وحكومته من أنهم يقودون حملة وسياسة لن تؤدي لخسائر بالعلاقات الداخلية واهتزاز صورة الكيان، وإنما في سمعة "إسرائيل" وصورتها في الغرب.
ويرى أن ما بنته "إسرائيل" بسنوات طويلة في الغرب يهدمه "نتنياهو" وحكومته لمصالح حزبية وشخصية ضيقة.
ويتفق مع شلحت وشديد، بالقول إن الأمور قد تذهب لتدهور وإجراءات فعلية، ترتقي عن مستوى التصريحات، وتشمل وقف اتفاقيات وتشكيل "فيتو" ضد استمرار الحرب، وفرض عقوبات بوقف الشراكة الاقتصادية والعلمية وتصدر السلاح، وأخرى قد تتعلق بأشخاص إسرائيليين، وفي محكمة الجنايات الدولية.
ومنذ السابع من أكتوبر عام 2023، ترتكب "إسرائيل" بدعم أمريكي تام، حرب إبادة جماعية بغزة، ارتقى فيها 55 شهيدًا، وأصيب فوق الـ118,610 جريح، بالإضافة لما يزيد عن 14 ألف مفقود تحت الأنقاض
التعليقات : 0