متابعة/ الاستقلال
بعد عامين من تدمير إسرائيل وجرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة، طرح دونالد ترامب اقتراحًا من عشرين نقطة، رُوّج له على أنه طريق للسلام. سارع القادة العرب والمسلمين إلى منح موافقتهم غير المشروطة. أما بنيامين نتنياهو، الذي وقف إلى جانب ترامب، فلم يُقدّم سوى تأييد "مشروط"، مليء بالتحذيرات لدرجة أنه أفرغ الخطة من محتواها قبل أن يجفّ حبرها.
وكما كان متوقعًا، رحّبت الإدارة الأمريكية ووسائل الإعلام الأمريكية المُوجّهة بقبول إسرائيل المزعوم، دون أي مراجعة نقدية لشروط نتنياهو المُعوِّقة. لقد رأينا هذا السيناريو من قبل. ففي العام 2003، حين قدّم جورج دبليو بوش "خارطة الطريق"، صرخت عناوين وسائل الإعلام حول قبول أرييل شارون. لكن ما لم يُنشر على نطاق واسع هو أن شارون وحكومته قد أرفقوا 14 تحفظًا حرفت الخطة عن مسارها.
هذا النمط واضح لا لبس فيه. في كل ما يُسمى بمقترح سلام، تضمن إسرائيل مكاسب فورية وملموسة، مثل الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل بموجب اتفاق أوسلو، مقابل وعدٍ بسيط بالاعتراف بفلسطين في وقتٍ ما في المستقبل "المنظور". بعد أكثر من ثلاثة عقود، لم يتحقق هذا المستقبل قط.
في مقالي المنشور في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، حذّرتُ من أن نتنياهو سيحقن "بذرةً سامةً لتقويض خطة ترامب من الداخل". لم يطل الأمر. وكما ذكر موقع أكسيوس، استشاط القادة العرب غضبًا حين أعاد نتنياهو صياغة بنودٍ حاسمة، لا سيما تلك المتعلقة بشروط وجدول انسحاب إسرائيل من غزة.
فيما يلي بعضٌ من تلك البذور السامة:
إطلاق سراح الأسرى مقابل الانسحاب
وعد البند الثالث من مقترح ترامب بما يلي: "إذا وافق الطرفان على هذا الاقتراح... ستنسحب القوات الإسرائيلية إلى الخط المتفق عليه استعدادًا لإطلاق سراح الأسرى".
رد نتنياهو: "ستحتفظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية، بما في ذلك محيط أمني، في المستقبل المنظور... والخطوة الأولى ستكون انسحابًا متواضعًا".
ستكون فائدة إسرائيل فورية: عودة جميع الأسرى. في المقابل، يُوعد الفلسطينيون بـ"انسحاب متواضع" إلى خط غير محدد، مع احتفاظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية، وهي ثغرة تسمح لإسرائيل بالعودة إلى غزة متى شاءت.
الهيئة الحاكمة لقطاع غزة
تصوّر البند التاسع من مقترح ترامب إنشاء هيئة دولية لإدارة إعادة تنمية غزة إلى حين إصلاح السلطة الفلسطينية وتمكينها من الحكم. وأوضح نتنياهو موقف إسرائيل:
"ستكون لغزة إدارة مدنية سلمية لا تديرها حماس ولا السلطة الفلسطينية".
منح ترامب إسرائيل الحق في تحديد من يحكم غزة، بينما أخبر الفلسطينيون أنهم غير مستعدين لحكم أنفسهم، ولا حتى من قِبل السلطة الفلسطينية الخاضعة.
أوهام الدولة
اقترح البند 19 من خطة ترامب "مسارًا موثوقًا به نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة" إذا ما طُبقت إصلاحات السلطة الفلسطينية. رفض نتنياهو هذه الفرضية ذاتها: "لا يثق الإسرائيليون بأن السلطة الفلسطينية ستُغير موقفها... لن تُدار غزة من قِبل السلطة الفلسطينية".
ثم أعاد تعريف "إصلاحات" السلطة الفلسطينية بأنها إنهاء الطعون الفلسطينية أمام المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، والاعتراف بإسرائيل "دولة يهودية"، وقبول "إصلاحات أخرى كثيرة".
هذه شروط جديدة لا علاقة لها بالحكم أو الإدارة الفعالة. إنها ذرائع سياسية، مُصممة لتخريب خطة ترامب المكونة من 20 نقطة أو لإلغاء أهمية السلطة الفلسطينية إذا ما "أُصلحت" وفقًا لشروط إسرائيل.
الاحتلال
نصّ البند السادس عشر من خطة ترامب على أن "إسرائيل لن تحتل غزة أو تضمها". وردّ نتنياهو: "إسرائيل... ستبقى في المحيط الأمني في المستقبل المنظور".
الترجمة: ستحتل إسرائيل غزة.
إضافةً إلى الردود الواضحة أعلاه التي تُقوّض خطة ترامب، فإن البند الثامن، وهو توزيع المساعدات بشكل محايد، أكثر دلالةً - إذ يدعو إلى "تقديم المساعدات في قطاع غزة دون تدخل من الطرفين من خلال الأمم المتحدة ووكالاتها، والهلال الأحمر...".
وتُقرّ خطة ترامب، دون قصد، بأن ما يُسمى بمؤسسة غزة الإنسانية لم تكن "محايدة"، بل أداةً تستخدم الغذاء كسلاح ضدّ السكان الأسرى.
وقف ترامب صامتًا بينما كان نتنياهو ينهش خطته، دون أيّ اعتراض، مُغدقًا عليه المديح باعتباره "محاربًا". تُقدّم الخطة لإسرائيل كل شيء مُسبقًا، في حين يحصل الفلسطينيون على وعود مشروطة، وجداول زمنية غامضة في المستقبل "المنظور". حتى هذا، وفقًا لنتنياهو، مشروطٌ بالامتثال الفلسطيني و"حسن السلوك".
هذه ليست حيلةً جديدة. ففي العام 2003، انهارت خارطة الطريق التي وضعها بوش بسبب تحفظات إسرائيل الأربعة عشر. والآن، تواجه خطة ترامب المصير نفسه لأن بنيتها متطابقة: تحصل إسرائيل على منافعها فورًا، بينما يُترك الفلسطينيون بوعودٍ جوفاء. مع ذلك، لا بد لي من الاعتراف بأن نتنياهو كان كريمًا، إذ لم يعرض سوى أربعة شروط، وهي كافية، مع ذلك، لدفن خطة ترامب في غياهب النسيان.
إذا تجرأ الفلسطينيون على طلب توضيحات أو وضع شروطٍ خاصة بهم، فإن وسائل الإعلام الأمريكية الموجهة ستُصنفهم فورًا على أنهم "رافضون"، بينما تُتجاهل شروط إسرائيل الشاملة بأدب.
بغض النظر عن رد فعل الفلسطينيين، فإن خطة ترامب المكونة من 20 نقطة ستنضم إلى "خارطة الطريق" التي وضعها بوش. لم تكن أيٌّ من الخطتين يومًا ما تتعلق بالعدالة أو المصالحة. منحت خريطة الطريق شارون غطاءً لتسريع توسيع المستوطنات اليهودية وبناء جدار الفصل العنصري على الأراضي الفلسطينية المسلوبة. واليوم، تُستخدم خطة ترامب كغطاء للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، بينما لا تقدم للفلسطينيين سوى وعود غامضة.
------------------
العنوان الأصلي: Trump’s Plan: Instant Rewards for Israel, Vague Promises for Palestinians
الكاتب: Jamal Kanj*
المصدر: Counter Punch
التاريخ: 2 تشرين الأول/أكتوبر 2025
*جمال كنج هو مؤلف كتاب "أطفال الكارثة: رحلة من مخيم للاجئين الفلسطينيين إلى أمريكا" وكتب أخرى. يكتب بشكل متكرر عن قضايا العالم العربي في صحف محلية ودولية مختلفة.
التعليقات : 0