غزة/ معتز شاهين:
في ظل تصاعد خروقات الاحتلال الإسرائيلي لاتفاق التهدئة في غزة، تتزايد التحذيرات بشأن مستقبل الهدنة المهددة بالانهيار. إذ يرى مختصون في الشأن الإسرائيلي أن ما يجري ليس مجرد تجاوزات ميدانية، بل يمثل محاولة ممنهجة لإفشال أي مسار لوقف إطلاق النار، يقودها رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لخدمة حساباته الداخلية.
وأجمع مراقبون في أحاديث منفصلة لصحيفة "الاستقلال" أمس الأحد على أن خروقات الاحتلال ليست طارئة أو عشوائية، بل جزء من سعي نتنياهو للالتفاف على الضغوط الدولية وتجنب الاستحقاقات السياسية والقضائية المحتملة مع توقف الحرب. وأشاروا إلى أنه، رغم تصاعد غضب فصائل المقاومة، فإن العودة إلى القتال يبقى خيارًا مؤجلاً في ظل الظروف الإنسانية الصعبة في غزة.
وشهد قطاع غزة منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار أكثر من 400 خرق، تنوعت بين إطلاق النار والتوغل والقصف وتدمير المنازل. وأسفرت هذه الانتهاكات عن استشهاد أكثر من 340 شخصًا، غالبيتهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى نحو 800 مصاب.
ولم تتوقف الخروقات عند حدود القصف والقتل، بل امتدت، بحسب ما أعلن المكتب الإعلامي الحكومي، إلى توسيع ما يسمى بـ"الخط الأصفر" نحو 300 متر باتجاه منازل المواطنين في شوارع منطقة، الشعف، والنزاز، وبغداد، شرق مدينة غزة، ما أجبر مئات العائلات على النزوح تحت وقع إطلاق النار.
اتفاق مُستهدف
المختص في الشأن الإسرائيلي، د. عدنان الأفندي، اعتبر أن تكرار خرق إسرائيل لبنود اتفاق التهدئة يعكس توجهًا واضحًا لدى حكومة الاحتلال لإفشال أي اتفاق لوقف إطلاق النار. وأوضح أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، اعتاد التملص من الالتزامات، مؤكدًا أن موافقته على الخطة الأمريكية جاءت نتيجة ضغط واشنطن والإنهاك الكبير في صفوف الجيش، وليس عن قناعة بوقف الحرب.
وأشار الأفندي خلال حديثه مع "الاستقلال"، أمس الأحد، إلى أن الاحتلال لم يلتزم بالتهدئة بشكل كامل، إذ ما تزال عملياته العسكرية متواصلة في غزة، معتبرًا أن الخروقات أصبحت أداة إسرائيلية واضحة لإفشال الهدنة لولا التدخل الأمريكي المباشر.
وعن موقف الفصائل الفلسطينية، أوضح الأفندي أن استمرار الخروقات دفع الفصائل إلى التلويح بالانسحاب من الاتفاق، وتحميل الولايات المتحدة والدول الضامنة مسؤولية ذلك. لكنه استبعد لجوء الفصائل إلى استئناف القتال حاليًا، نظرًا للظروف الإنسانية الصعبة في قطاع غزة ورغبتها في تفادي مزيد من المعاناة على السكان.
وأكد أن رغبة نتنياهو والتيارات اليمينية في العودة للحرب ترتبط بحسابات سياسية داخلية، خصوصًا لدى شخصيات مثل بن غفير وسموترتش الذين عارضوا الخطة الأمريكية، لكنه شدد على أن القرار الحاسم بشأن استئناف الحرب بات بيد الولايات المتحدة، التي تبدو حريصة على استمرار الاتفاق.
وفي ما يتعلق بدور الوسطاء، قال الأفندي إن الخروقات الإسرائيلية انعكست سلبيًا على قدرة الأطراف العربية والدولية المشاركة في الوساطة، مؤكدًا أن النفوذ الحقيقي في هذه المرحلة بيد الإدارة الأمريكية وحدها، كونها الجهة القادرة على الضغط الفعلي لمنع إسرائيل من العودة إلى القتال.
اتفاق مهدد
ويرى الكاتب والمحلل السياسي فايز سويطي إن خروقات الاحتلال للتهدئة في غزة ليست جديدة، مؤكدًا أن حكومة الاحتلال تتعمد ذلك منذ بداية وقف إطلاق النار. وأوضح أن نتنياهو يواصل التصعيد لطمأنة قاعدته اليمينية، وللهروب من المحاكمات المرتبطة بالفساد، ومن مساءلته عن إخفاقات الحرب.
وأكد سويطي لـ"الاستقلال" أن استمرار الخروقات قد يدفع الفصائل الفلسطينية إلى الانسحاب من اتفاق التهدئة، لا سيما في ظل تواصل القتل والاعتقال والتهجير، واشتراط إسرائيل إدخال المساعدات مقابل تسليم ما تبقى من جثث جنودها.
ورأى أن انسحاب الفصائل سيعني العودة إلى الحرب، بالتوازي مع تحركات قانونية دولية لرفع قضايا تتعلق بجرائم الاحتلال وتعذيب الأسرى وسرقة أعضاء الشهداء، إضافة إلى حشد الشارع العالمي لمظاهرات واسعة تضغط لصالح غزة.
وحول ارتباط الخروقات بالحسابات السياسية الداخلية في إسرائيل، أشار سويطي إلى أن وقف الحرب يمثل تهديدًا مباشرًا لمستقبل نتنياهو السياسي، لأنه سيعجّل في تشكيل لجنة تحقيق في أحداث 7 أكتوبر، وهو ما قد يؤدي إلى إدانته وعدد من وزراء حكومته بالتقصير، ويفتح الباب أمام مطالبات بانتخابات مبكرة قد تطيح بالحكومة القائمة.
وعن دور الوسطاء، قال المحلل السياسي إن قدرتهم على ردع إسرائيل ما تزال ضعيفة، إلا أن كونهم أطرافًا ضامنة لاتفاق التهدئة يدفعهم لممارسة ضغوط على الولايات المتحدة والأمم المتحدة لتعزيز الرقابة على تطبيق الاتفاق.
وأضاف أن أمام الوسطاء فرصة للمطالبة بتفعيل القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن رقم 242 الداعي إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة.
خروقات الاحتلال للتهدئة مستمرة.. هل يواجه اتفاق غزة خطر الانهيار؟
تقارير وحوارات


التعليقات : 0