غزة/ احمد حمدي:
على الرغم من إعلان التهدئة بين المقاومة الفلسطينية في غزة والاحتلال الإسرائيلي، فإن مشاهد التصعيد الإسرائيلي لم تغب طويلًا على الأرض، فاستمرار الخروقات المتكررة التي تنفذها آلة القتل الإسرائيلي عبر الاغتيالات والتوغلات والاستهدافات المتلاحقة تطرح تساؤلات حول نوايا الاحتلال الحقيقية من ترسيخ سياسة خرق الاتفاق ثم العودة له مجددًا، في مسعى نحو فرض أمر واقع جديد يقوم على سياسة اللاحرب واللاسلم للتملص من استحقاقات وقف الحرب والعودة للهدوء الدائم.
كانت طائرات الاحتلال شنت الثلاثاء الماضي سلسلة غارات عنيفة على أنحاء متفرقة من القطاع، أسفرت حسب وزارة الصحة عن استشهاد 104 فلسطينيين، ومن بين الشهداء 46 طفلًا، و 20 من النساء، مشيرة لوصول 253 إصابة منهم 78 طفلًا و84 من النساء، ويأتي هذا التصعيد بعد ساعات من إعلان الجيش الإسرائيلي استئناف العمل باتفاق وقف إطلاق النار.
وكانت وزارة الصحة في غزة قد أعلنت أن حصيلة الشهداء منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري بلغت 211 شهيدا و597 إصابة، إضافة إلى انتشال جثامين 482 شهيدا قبل بدء الاتفاق.
رسائل عدة
يقول الباحث والمحلل السياسي إبراهيم أبو سبت، "إن خروقات الاحتلال في قطاع غزة تحمل رسائل عدة أهمها فرض السيطرة الأمنية وعبر نتنياهو عن ذلك من خلال فرض قواعد اشتباك جديدة مع القطاع، أي أن الحرب مستمرة، لكن بأشكال جديدة".
وأضاف أبو سبت لـ"الاستقلال"، "أن الاحتلال يتخذ ذرائع واهية للقصف والاغتيال أهمها أن هناك أحداثًا أمنية تستوجب ردًا، وواضح جدًا أنه يستكمل حرب الإبادة وليس مجرد أي رد فعل، وهذا ظاهر في كمية الكثافة النارية وحجم الشهداء والمصابين في كل خرق يتم."
وأشار أبو سبت إلى أن الاحتلال يسعى من وراء الخروقات للضغط على المقاومة للتسريع في تسليم باقي جثث قتلاه، وابتزاز القطاع في ملف إدخال المساعدات والتحكم في عدد الشاحنات ونوعية المساعدات وفتح معبر رفح كشريان حياة لهم.
ولفت الباحث السياسي إلى أن الاحتلال يحاول إدارة الحرب بطريقة أخرى حيث اصطدم بحالة التضامن الدولي القوي مع قطاع غزة وتآكل شرعيته وهو ما دفعه للإعلان عن وقف الحرب إعلاميًا مع إبقائها على الأرض بأشكال مغايرة.
كما نوه إلى الاحتلال يستهدف من تكرار خرق الاتفاق إلى منع تعافي المقاومة سواء على الصعيد البشري أو اللوجستي.
سياسة اللاسلم واللاحرب
بدوره، أكد الباحث والكاتب في الشأن الفلسطيني عماد عودة، أن الاحتلال يكرس من وراء الخروقات لتثبيت سياسة اللاسلم واللاحرب، واستمرار شعور الغزيين بانعدام الأمن حتى في ظل الإعلان عن وقف سياسة الإبادة.
وأوضح عودة لـ"الاستقلال"، أن الاحتلال يريد في المرحلة الحالية تثبيت هدنة هشة تتيح له العودة لسياسة الاغتيالات متى أراد، في ظل صمت دولي وتشجيع أمريكي مُبطن وضعف الضمانات لإيقافه عن تكرار الخروقات.
وتوقع الكاتب الفلسطيني أن تستمر "إسرائيل" لاحقًا في تنفيذ عمليات قصف وقتما شاءت، إذ لا يوجد ضمانات حقيقة تلزمها بالاتفاق، خاصة وأنها تجد الغطاء والمبرر وتسوقه إعلاميًا للعالم.
وأشار إلى أن الاحتلال يجد ارتياحًا في تثبيت الوضع القائم على اعتبار أنه يمثل حالة أفضل من الحرب، عبر تجميع المعلومات الاستخبارية وتحديد أهدافه وتنفيذ اغتيالات بأي ذريعة والأمر كان واضحًا في التصعيد الأخير، وحتى قبل حادثة رفح المشكوك أصلًا في مصداقيتها بحسب رواية الاحتلال.
وأكد عودة في ختام حديثه على أهمية الدور الأمريكي و الوسطاء في منع فرض هذا الواقع، وإلزام الاحتلال في فتح المعابر وإدخال المساعدات والبدء في إزالة الركام وبدء الإعمار وتعافي القطاع مما خلفته ويلات الحرب.
وفي ظل غياب حلول سياسية حقيقية ورفض الاحتلال الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، تبدو خروقات التهدئة جزءًا من استراتيجية أوسع لإبقاء غزة تحت السيطرة وإدامة الحرب، وبين الضغوط الإسرائيلية ومحاولات المقاومة فرض قواعد توازن جديدة، يبقى مستقبل التهدئة مرهونًا بحسابات معقدة قد تنفجر في أي لحظة، وتبقى معها آمال الغزيين معلقة أمام واقع متوتر لا يكاد يهدأ حتى يعصف من جديد


التعليقات : 0