بقلم / اسيا العتروس
هناك حلقة مفقودة في حادثة مقتل ثلاثة جنود "اسرائيليين" على الحدود مع مصر… لا نريد استباق الاحداث ولكن قناعتنا انه ليس هناك اسرار بشأن ما حدث وانه لا يمكن للاحتلال "الاسرائيلي" ان يحظى بالأرض والامان والسلام الى ما لا نهاية وان التطبيع السياسي والعسكري لا يقود بالضرورة الى التطبيع الشعبي وهذا ما اكدته رحلة التطبيع الطويلة منذ أكثر من اربعة عقود..
رغم مرور أكثر من ثمان وأربعين ساعة على الحادثة التي سجلت صباح السبت الماضي على الحدود بين مصر والكيان (الصهيوني) لا يزال الغموض والتعتيم والتناقض سيد المشهد، ولا تزال تفاصيل الحادثة أو العملية غائبة عن مختلف وسائل الاعلام المصرية التي توقفت عند البيان الرسمي لما حدث مؤكدة وفاة ثلاثة جنود "اسرائيليين" واصابة اثنين اخرين الى جانب وفاة جندي مصري خلال مواجهات اثناء ملاحقة مهربين وما رافق ذلك ايضا من اتصالات بين وزيري الدفاع المصري ونظيره "الاسرائيلي" لتقديم التعازي وربما محاولة تطويق تداعيات ما حدث تجنبا للتصعيد او لاي ردود فعل غير محسوبة…
الامر الذي تجاوزته السلطات "الاسرائيلية" الرسمية التي عقدت اجتماعا امنيا عاجلا ودعت السلطات المصرية الى تحقيق مشترك… كما شدّد الجانب "الاسرائيلي" على لسان رئيس الأركان هيرزي هاليفي ووزير “الحرب “ يوآف غالانت على أهمّية التعاون والعلاقات مع مصر. وفي بيان، تطرق غالانت إلى فحوى المحادثات الهاتفية التي أجراها مع نظيره المصري محمد زكي والتي قال إنهما أكدا خلالها على “أهمية العلاقات” بين الجانبين. أما زكي الذي قدم تعازيه “في ضحايا الحادث” فأكد على “التنسيق المشترك لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلا”. الى هنا تنتهي تقريبا المواقف الرسمية التي تتناقض مع الموقف الشعبي..
الجيش المصري من جانبه قال في بيان إن “عنصر أمن” كان يطارد مهرّبي مخدرات اخترق الحدود بين (الجانبين) ما تسبب في “تبادل لإطلاق النار” قُتل على إثره. وهو ما يفتح المجال ايضا لاحتمال ان يكون الجندي المصري استنفر دفاعا عن التراب المصري عندما استشعر انتهاكا للحدود المصرية من جانب قوات الاحتلال المرابضة على الجانب الاخر من الحدود…
المثير في الحادثة ارتبط بردود الافعال المصرية الشعبية على المواقع الاجتماعية والتي استحضرت مباشرة بعد العملية سلسلة الحوادث السابقة منذ توقيع اتفاق السلام "كامب دايفيد" بين مصر و"اسرائيل" في 1979 وابرزها حادثة رأس برقة سنة 1985 التي ارتبطت باسم الجندي المصري سليمان خاطر الذي اطلق الرصاص على سبعة جنود "اسرائيليين" على الحدود بين مصر والكيان "الاسرائيلي" وقد تم القبض عليه ومحاكمته، ليعلن لاحقا انتحاره في سجنه بما اثار ولا يزال يثير أكثر من نقطة استفهام بشأن حقيقة انتحاره من عدمه.. وقد غزا اسم سليمان خاطر اول أمس مختلف المواقع الاجتماعية التي تحدثت عن بطل انتقم لكرامة مصر وجيشها…
طبعا سيكون من السذاجة توقع نشر الحقيقة كاملة بشأن ما حدث نهاية الاسبوع الماضي ومن غير المتوقع نشر الفيديوهات التي وثقت الحادثة.. وقد وجب الاشارة الى أن في توقيت العملية التي تأتي بالتزامن مع الذكرى السنوية للنكسة في الخامس من جوان 1967 وما تلاها من انكسارات وخيبات وهزائم يرجح سيناريو رفض الجندي الشاب اقدام الجنود "الاسرائيليين" على تجاوز الحدود المصرية في اهانة لسيادة بلاده وهو المكلف بحماية امن وسيادة وحدود بلاده مما اثار حفيظته..
لا نريد الانسياق وراء التخمينات لا سيما وان السلطات المصرية اعلنت تعاونها في التحقيق ولكن الاكيد وهنا لا يتعلق الامر بمجرد انطباعات ولكن بحقائق ما انفكت الاحداث تؤكدها وهي أن خيار التطبيع الذي اتخذ شكلا سياسيا رسميا منذ معاهدة كامب دايفيد للسلام وبرغم ما يتوفر للكيان "الاسرائيلي" من قوة عسكرية ومن تفوق بري وبحري وجوي في هذا المجال على مختلف دول المنطقة مجتمعة، وبرغم اللقاءات البروتوكولية المتكررة بين الدول المطبعة، فقد فشلت في فرض التطبيع الشعبي ولم تكسب ورقة العبور عندما يتعلق الامر بالعلاقات مع الشعوب المعنية وبالفضاءات الثقافية والاعلامية والرياضية والتربوية التي ظلت موصده امام "اسرائيل" لسبب بسيط لا تريد لا تل ابيب ولا القوى الاقليمية والدولية المتحالفة معها الاقرار به… و هو ما يعني أيضا أن هذا التطبيع الذي فرضته لعبة المصالح الاستراتيجية على الدول المعنية لعدة اعتبارات أهمها هشاشة وتفكك واختراق المشهد العربي الموبوء الذي منح "اسرائيل" فرصة الهيمنة على المشهد ومواصلة العربدة ودوس الشرعية الدولية والعدالة الدولية بنعالها… وهذا أيضا ما يقودنا الى القول وأن التطبيع الحاصل مهما طال أمده لن يمنح كيان الاحتلال أكثر من الصبغة الرسمية ضمن الدوائر الرسمية وعدا ذلك فان الموقف الشعبي لمختلف الشعوب بما في ذلك في الدول المطبعة سترفض هذا التطبيع بكل الطرق المتاحة طالما استمر انكار حقوق الشعب الفلسطيني على ارضه في الحرية والسيادة والكرامة …
لا شك ان دور الراي العام "الاسرائيلي" متى أدرك هذه الحقائق يمكن ان يغير الكثير باتجاه المعادلة المفقودة وتغيير الوقائع للحد من النزيف المستمر والرضوخ لأحكام العدالة الدولية المغيبة.. وعدا ذلك سيكون من السذاجة والاوهام الاعتقاد ان سلطة الاحتلال الظالم يمكن ان تحظى بكل شيء دون أي تنازل وان تفوز بالأرض والامن والسلام الى ما لا نهاية، وسيتعين عليها قبل تحقيق هذا الهدف القضاء على كل شعوب المنطقة وابادتها على بكرة ابيها (وهذا طبعا حلم مستحيل) والاكيد انه طالما بقي طفل او شبل واحد على حد قول الزعيم عرفات منهم على قيد الحياة لن تهنأ "اسرائيل" بالأمان وستدفع حتما في كل مرة ثمن جنون الاحتلال وجرائمه وانتهاكاته التي لا تسقط بالتقادم.
التعليقات : 0