تحول استراتيجي كبير.. المقاومة الفلسطينية تحيد القوات البرية الإسرائيلية

تحول استراتيجي كبير.. المقاومة الفلسطينية تحيد القوات البرية الإسرائيلية
أقلام وآراء

بقلم / حماد صبح

صدمت إسرائيل صدمة كبرى من نجاح كتيبة جنين في التصدي لهجومها العسكري ب120عربة عسكرية في التاسع عشر من الشهر الحالي، وجرحها 7 جنود، ولعل العدد الحقيقي أكبر، وإعطابها عددا من العربات بينها دبابة الفهد، وإنقاذا للجرحى تدخلت طائرات الأباتشي، فأصاب رجال الكتيبة إحداها في ذيلها.

 

 ووصف الإسرائيليون ما حدث بقتال بين جيشين. وحتى لو كانوا يبالغون في الوصف لإيهام من لا يدركون حقائق الواقع العسكري بين المقاومة وبين جيشهم ففي الوصف الكثير من أثر صدمتهم وخيبتهم مما حدث. وعلى عادتهم، تناثر شرر الجدل بينهم، وتعددت الاقتراحات : هل يبادرون إلى هجوم بري واسع في شمالي الضفة أو يهاجمونها كلها ؟! هل الآمن لهم أن يكتفوا بهجمات موضعية بالقوات البرية ؟! بن غفير وسموتريتش يصيحان مطالبين بهجوم شامل، والمستوى الاستخباري لا يفضل هذا الهجوم، ويتهمهما بالانفعالية والغوغائية والجهل بالشئون العسكرية، ووزير الدفاع جالانت يوافق المستوى الاستخباري رأيه.

 

 وبعد الدرس والنقاش، وأخذا بتجارب قتالية سابقة في غزة مالوا إلى الاعتماد على سلاح الجو، فاغتالوا ثلاثة من كتيبة جنين بطائرة بدون طيار. والمتوقع أن يستمروا في هذا الاتجاه، وبذلك تكون المقاومة حيدت قواتهم البرية خلال سلسلة من الجولات القتالية أكثرها في غزة. وبدأت خطوات التحييد في حرب 2014 حين لبثت القوات البرية 51 يوما في غلاف غزة، هي أيام الحرب، دون أن تجرؤ على دخوله بريا، وتكرر هذا في الجولات القتالية اللاحقة. ومنذ تلك الحرب، أي منذ 9 سنوات، وهي تعتمد على سلاح الجو وحده. والآن تنتقل إلى الاعتماد عليه في الضفة.

 

وهذا تحول استراتيجي كبير في دور القوات البرية الإسرائيلية في المهام القتالية في مواجهة الفلسطينيين، وهو امتداد لتحول دورها في المنطقة بتأثير تغير البيئة السياسية والعسكرية المحيطة بإسرائيل بعد معاهدتي السلام مع مصر والأردن وهدوء الجبهة السورية أو جمودها بالأحرى، وخشيتها من أي هجوم بري ولو محدود على لبنان بعد تجربتها القاسية المخيبة في حرب 2006. ونستطيع التقاط تأثيرات مبكرة نشطت في الحد من دور القوات البرية الإسرائيلية في غزة والضفة، ونجد هذه التأثيرات في الانتفاضة الأولى. في تلك الانتفاضة، دفع الجيش الإسرائيلي إلى غزة بعشرة آلاف جندي على أمل وقف الانتفاضة في بدايتها، وانتشرت تلك القوات في أماكن كثيرة، وكانت تسارع إلى أي مكان يظهر فيه أي حشد للمنتفضين الذين تفاقمت جرأتهم على مواجهتها بالحجارة إلى مستوى السخرية المباشرة بالجنود الإسرائيليين، ومن ذلك صيحاتهم عليهم من قرب: ” بيعه ! بيعه ! ” أي بع سلاحك فلم نعد نخافه. ولم يستعن الجيش بالطيران في تلك الانتفاضة، فلا فاعلية له في مواجهة شبان صغار وصبية يخرجون من زوايا وشوارع ضيقة في المخيمات والمدن، ويفاجئون الجنود بالحجارة، وبما هو أسوأ منها ؛ بالغائط يقذفون وجوههم وملابسهم به.

 

 ومن طرائف هذه الوسيلة أنهم قذفوا جنديا، فصاح بهم أنه درزي، ونصحهم بالانطلاق إلى جنود يهود موجودين في جهة أخرى من المكان. ولما ساء حال القوات البرية، وتفشى عجزها ويأسها عن مواجهة الانتفاضة؛ اجتمعت القيادة العسكرية، وطلبت من المستوى السياسي الانسحاب فورا من غزة. وانفتح بعد ذلك الباب للمفاوضات بين إسرائيل ومنظمة التحرير التي عاقت ذلك الانسحاب الانفرادي الفوري، وقادتنا إلى ما نحن فيه الآن. يباهي نتنياهو مخفيا فجيعته من عجز قواته البرية بأنه غير المعادلة في الضفة مثلما غيرها في غزة باللجوء إلى السلاح الجوي إلا أن هذا تحول استراتيجي كبير صنعته المقاومة الفلسطينية الشجاعة والذكية والمضحية، وله مردوده السلبي العظيم على معنويات وفاعلية القوات البرية، والقوة الجوية محدودة الفاعلية في مواجهة عمليات المقاومة الفردية الأحادية والقليلة الأفراد، وهي لا تستطيع القبض على مقاوم مطلوب مثلما تفعل القوات البرية، ولا تستطيع ملاحقة من يضربون ويسارعون بالاختباء.

 

 وتحتاج لاغتيال المقاومين إلى إخباريات فورية لا يوفرها إلا مخبرون عملاء، وتستطيع المقاومة تلافي هذا الخطر بالوعي الأمني المتمثل في سرية تحركات عناصرها تحركا لا يتجاوز الفرد الواحد، وابتعادهم عن الشهرة الشعبية، واليقظة في تحسس العملاء. المهام عسيرة ومعقدة إنما هذا قدرنا. والمشهود المرصود أن المقاومة في توسع وتعالي جودة أداء، وعدونا في انحسار وتردي أداء، ولكل حال ما بعدها. وليس قليلا أن تحيد هذه المقاومة الجسم الأساسي في الجيش الإسرائيلي، أي القوات البرية. هذا تحول استراتيجي كبير له توابعه الكبيرة على مجمل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إيجابا للفلسطينيين وسلبا للإسرائيليين. والتاريخ يُصنع مرحلة إثر مرحلة منتجا تراكما يصنع الوقائع الكبرى، وكل معضلة في الحياة يصاحبها حلها كتفاً كتفاً، والله _ جل وعز _ يبشرنا أن مع العسر يسرا، وهذا خاص بالمؤمنين.

التعليقات : 0

إضافة تعليق