جريمة تعرية الجنود الإسرائيليين للنساء الفلسطينيات في الخليل.. نحن ملومون أيضاً

جريمة تعرية الجنود الإسرائيليين للنساء الفلسطينيات في الخليل.. نحن ملومون أيضاً
أقلام وآراء

بقلم / حماد صبح

كشفت الكاتبة اليسارية عميرة هاس في” هآرتس” عن جريمة وحشية بشعة اقترفتها مجندتان إسرائيليتان تمثلت في إجبار خمس نساء فلسطينيات في الخليل على التعري أمام أطفال الأسرة تحت تهديد السلاح وخطر أمر كلب كان برفقتهما بمهاجمتهن إن عصين الأمر الإجباري. وكانت المجندتان ضمن وحدة من 50 جنديا؛ دهمت البيت الساعة الواحدة والنصف ليلا في عمق نوم أفراد العائلة شكاً في وجود سلاح في البيت. ونقلت عميرة كل معلومات الجريمة التي وقعت في 10 يوليو / تموز الفائت من منال الجعبري الباحثة في منظمة بتسليم الإسرائيلية.

 

وفي المقال صور لرعب أطفال العائلة وصرخاتهم المستغيثة، وللقهر والهوان اللذين عصفا بنفوس النساء الخمس وهن يجبرن على التعري والتمشي أمام المجندتين وأمام الأطفال المرعوبين الباكين فوق طاقة تحملهم. 50 جنديا انبثوا في بناية عائلة ممتدة هي عائلة العجلوني في الحي الجنوبي من المدينة كأنهم في مهمة مهاجمة موقع عسكري، لا عائلة من رجال وشبان بلا سلاح وصبيان وأطفال ونساء.

 

وبعد المداهمة المرعبة، اكتشفت العائلة اختفاء كيس صغير يحوي مجوهرات ب 14 ألف دولار كان أحد أبنائها اشتراها لمناسبة زواجه القريب. ودامت مداهمة الرعب وخطر الموت أربع ساعات بدت أطول من زمنها أضعافا مضاعفة. وذهب عدد من رجال العائلة في الصباح إلى مستوطنة” كريات أربع” المقامة في قلب الخليل شاكين فقد المجوهرات، ونفت الشرطة في البداية علمها بالأمر، وبعد حين قصير اتصلت بهم، وأخبرتهم بوجود المجوهرات زاعمة أن الجنود حسبوها رصاصا لوجودها في كيس بلاستيك أسود.

 

وفقدت الأسرة في المداهمة المرعبة 2000   شيكل، ولم تسترجعها حتى الآن. وسبب تأخر الكشف عن هذه الجريمة تفسره الخشية المألوفة لضحاياها من الفضيحة مع أنها مختلفة لكونها قومية البعد، ويجب فيها فضح جنود العدو ولو كانت المقترفتان لها مجندتين، فهما من عداد هذا الجيش، وتؤخذان بجرائمهما مثلما يؤخذ جنوده. والجريمة تؤشر تأشيرا قويا إلى ما لحق بالجيش الإسرائيلي من انفلات ونقص كبير في الانضباط لطول اشتباكاته الميدانية مع الفلسطينيين منذ الانتفاضة الأولى ، ومشاركة جنود  وضباط من مستويات مهنية متدنية في تلك الاشتباكات ، ومن جنسيات مختلفة هاجرت في العقود الأخيرة إلى فلسطين ، ويميزها جهلها بالشخصية والثقافة العربية وما فيها من حساسية هائلة نحو أي مس بكرامة المرأة ، وهو ما حرصت القيادة الإسرائيلية على تنبيه جنودها إليه في السنوات التي تلت إقامة إسرائيل ، وظهر هذا في احتلالها لغزة وسيناء في 1956 ، وفي احتلالها لهما وللضفة والجولان .

 

 ونادرا ما حدث أي مس متعمد بالنساء. والآن يبتعد الجيش عن الانضباط، ويقترب من ثقافة وسلوك العصابات التي أقيم بنيانه عليها والتي اقترفت المجازر في فلسطين، ومنها الاعتداء الجنسي على النساء في القرى والمدن التي طالتها مجازرها. ولتولي بن غفير لوزارة الأمن القومي تأثيره الكبير في انفلات الجيش الإسرائيلي وابتعاده عن الانضباط. ماذا تنتظر من جنود جيش يطلب المسئول عن أمن كيانه الوطني منح وسام لمستوطن قتل فلسطينيا؟! كثيرون من هذا الجيش سيفعلون فعل المستوطن للفوز بالوسام ولو معنويا.

 

ومشاركة المستوطنين للجيش في عملياته في الضفة سبب آخر لابتعاد الجيش عن الانضباط لما في شخصياتهم من نزوع للفوضى والجريمة والسرقة والاستيلاء على ما تصل إليه أيديهم. إسرائيل ترتد في كل شيء إلى عقلية وثقافة العصابات التي بدأ بها وجود مشروعها الاستيطاني في فلسطين، ويحدث ارتدادها في زمن توسع تطبيعها مع كثير من الدول العربية والإسلامية علنا وسرا، والسر أكثر من العلن. الطبيعي أن يوجهها هذا التوسع بعيدا عن عقلية وثقافة العصابات المؤسسة لكيانها، وأن يظهر هذا التوجه في حسن معاملتها للفلسطينيين، وفي البحث عن نهاية عادلة لصراعها معهم.

 

 وتفسر نوعية قيامها باطلا وغصبا وعدوانا هذا الشذوذ. تؤمن عميقا أن لا بقاء  لها إلا إذا تخلصت نهائيا من الفلسطينيين ، وأن وجودهم في وطنهم بأي كيفية مهما ساءت خطر ماحق عليها ، فتمضي في هذا الطريق الذي لا نهاية له سوى الإخفاق الماحق لها ، وتتابع العدوان عليهم بكل وسيلة تستطيعها في الضفة والقدس وغزة والداخل الفلسطيني الذي فتحت عليه أبواب جرائم القتل الجنائية بين أبنائه ، فقتل منهم منذ معركة سيف القدس في مايو 2021 ؛ 378 فردا  انتقاما من وقوفهم مع غزة في تلك المعركة ، والأبعد ، أملا في إضعافهم بتمزيقهم اجتماعيا بصفتهم خطرا عليها تحدثت عنه واتخذت لمواجهته ما تراه مناسبا من الإجراءات حتى قبل معركة سيف القدس؛ مثل قانون القومية الذي سنته الكنيست في 2018. على أننا يجب ألا نكتفي بلوم عدونا على جرائمه، ومنها هذه الجريمة.

 

كلنا ملومون فلسطينيين وعربا ومسلمين على تجرئه في اقترافها. ترى إسرائيل تدني قيمة الإنسان في الدول العربية والمسلمة، وأنه يسجن فيها أو يقتل أو يشرد أو يحرم مصدر رزقه لرأي عادي لم يرق السلطة الحاكمة المتسلطة، ويلحق به من يتحدث عن سجنه أو قتله أو تشريده أو حرمانه. وتسن هذه الدول متتابعة في الوقت الحالي ما تسميه قوانين الجرائم الإليكترونية سحقا لحرية الرأي لكأن ما لديها من القوانين الساحقة السابقة لا يكفي لتأمين أنظمتها مما تعده خطرا عليها. العالم إجمالا في حرية الرأي يتحرك إلى الأمام، وهي ترتد فيها إلى الوراء ارتدادا بعيدا. سيحسب لصالح إسرائيل أن التي كشفت جريمة تعرية الفلسطينيات الخمس صحيفة إسرائيلية، وأنها مع الكاتبة لن تعاقبهما الحكومة الإسرائيلية.

التعليقات : 0

إضافة تعليق