غزة/ خالد اشتيوي:
أكد الكاتب والمحلل السياسي والعسكري أحمد عبد الرحمن أن المرحلة الثانية من مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة ستكون صعبة ومعقّدة وحسّاسة، ويمكن أن تحمل في طيّاتها العديد من التطورات غير المُتوقّعة، والتي يمكن أن تذهب بالأمور إلى عكس ما يتمنّاه الجميع، لا سيّما من الفلسطينيين الذين يرغبون في استعادة جزء من حياتهم الطبيعية.
وأوضح عبد الرحمن لـ «الاستقلال»، أن حساسية الملفات وحجم القضايا التي تحملها المرحلة الثانية من الصفقة يدفعنا لتوقع حجم الجهد المطلوب للتوصّل إلى اتفاق بشأنها، ويمكن كذلك تصوّر كمّ المعوّقات التي سيضعها الاحتلال الإسرائيلي، كعادته، أمام وصولها إلى مرحلتها اللاحقة، بالإضافة إلى الوقت المطلوب لتنضج وتصبح جاهزة للتنفيذ.
وبدأ سريان الاتفاق في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، ويتكون من 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، يتم في الأولى التفاوض لبدء مرحلة ثانية وثالثة، بوساطة قطرية مصرية أميركية.
ملفات حساسة
وأشار إلى أن في مقدّمة القضايا التي ستتم مناقشتها هويّة الجهة التي ستدير قطاع غزة خلال المرحلة القادمة، والتي تُصرّ «إسرائيل» على أن تكون بعيدة كليّاً من فصائل المقاومة الفلسطينية، وخصوصاً حركة حماس، التي تتولّى مقاليد الحكم في قطاع غزة.
وأضاف: «منذ بداية العدوان كان هدف إيجاد جهة بديلة لحماس على رأس أولويات حكومة الاحتلال، وتم طرح أسماء جهات وشخصيات عديدة، بعضها محسوب على السلطة الفلسطينية في رام الله، والبعض الآخر مرتبط بعلاقات وثيقة مع بعض الأنظمة في المنطقة، وخصوصاً دولاً خليجية بعينها، وكان وما زال يلعب أدواراً حسّاسة وغامضة في الكثير من الملفات المحليّة والإقليمية».
وبين عبد الرحمن أنه على أرض الواقع، وقياساً على ما تم مشاهدته خلال الأسبوعين الأخيرين بعد دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، والذي بدا في بعض تفاصيله مفاجِئاً للكثيرين ولا سيما الكيان الصهيوني؛ إذ يشير الظهور اللافت للمقاومة الفلسطينية إلى أنها ما زالت بكامل قوّتها ولياقتها، ويكاد يكون من شبه المستحيل إيجاد جهة تدير القطاع، بغض النظر عن اسمها، أو توجّهها السياسي، وارتباطاتها الداخلية والخارجية بعيداً منها، أو على أقل تقدير مناوئة لها، أو تحمل أجندات تخالف أجنداتها.
وأردف: البند الثاني، والذي لن يكون أقل صعوبة من سابقه، هو قضية إعادة الإعمار، والتي حسب المؤسسات الأممية والدولية ستحتاج إلى أكثر من ثلاثين عاماً، وستتجاوز تكاليفها الخمسة عشر مليار دولار في حدّها الأدنى، خصوصاً إذا ما عرفنا أن تقييم حجم الضرر الذي أصاب كل نواحي الحياة في قطاع غزة سيحتاج إلى وقت طويل، وإلى هدوء مستدام لتتمكّن الطواقم المختصّة من العمل بسهولة ويسر.
ولفت عبد الرحمن إلى أن ثالث البنود وأصعبها، قياساً على التجربة السابقة، هو المتعلّق بصفقة تبادل الأسرى الشاملة والنهائية، والتي ستُفضي إلى الإعلان عن وقف دائم وشامل لإطلاق النار، في حين ترفض «إسرائيل» حتى الآن الحديث عنه، أو عمّا يتعلّق به من ترتيبات مختلفة.
وتابع: «بما أن المرحلة الأولى من عمليات التبادل لم تكن بتلك السلاسة، وشهدت تعطيلاً وتأخيراً إسرائيليين مقصودين، وكادت لولا تدخّل الوسطاء أن تنهار، خصوصاً في ما تعلّق منها بقضية الأسيرة أربيل يهودا المتدرّبة في قسم الفضاء في «جيش» الاحتلال، والتي كشفت أن العدو لديه جملة من الأولويات يرفض التنازل عنها.
فترة طويلة
وتوقع أن تشهد المرحلة القادمة والتي تشمل الأسرى الإسرائيليين من الجنود والضباط، الذين يتجاوز عددهم الستين أسيراً، وما يقابلهم من الأسرى الفلسطينيين ذوي المحكوميات العالية، وبعض الأسرى من القيادات رفيعة المستوى والذين ترفض «إسرائيل» إطلاق سراح بعضهم، الكثير من الصعوبات، وستحتاج إلى فترة طويلة نسبياً، خصوصاً في ظل عدم رغبة الحكومة الإسرائيلية الحالية في دفع ثمن كبير قد يؤدي إلى تفكّكها وانهيارها، وهذا الأمر يمثّل خطاً أحمر لنتنياهو تحديداً، وهو الذي يعاني الكثير من الأزمات التي يمكن أن تُنهي حياته السياسية.
وبين أن من الصعوبات التي يمكن أن تواجه المفاوضات فيما يتعلّق بهذا البند، على وجه الخصوص، عدد الأسرى العسكريين الأحياء، وبينهم قادة كبار يحملون رتباً رفيعة في «الجيش» الإسرائيلي، إلى جانب ضبّاط استخبارات على درجة عالية من الأهمية، وإمكانية قبول المقاومة بتقديم لائحة تفصيلية حولهم كانت قد رفضت تقديمها سابقاً، والثمن الذي على العدو أن يدفعه مقابل الإفراج عنهم، والكثير من الأمور الأخرى المتعلّقة بهذا الشأن.
فشل «إسرائيلي»
وأكد عبد الرحمن أنه على الرغم من كل تلك الصعوبات، فإن المعطيات المتوفّرة تشير إلى أن هذا الاتفاق سيصمد، ويمكن له أن يتحوّل إلى اتفاق ثابت ومستدام، ليس لأن الإسرائيلي يريد ذلك، وليس لأن الرئيس الأميركي الجديد يدفع باتجاه تبريد بعض الساحات، وعلى رأسها الساحة الفلسطينية، لافتا إلى أن هناك قناعة ترسّخت لدى قادة الاحتلال، وبين النخب العسكرية والسياسية في «الدولة» العبرية بأن حربهم على غزة وما ارتبط بها من جبهات الإسناد قد فشلت، وأن كل الأهداف التي رفعوها منذ بداية العدوان قد سقطت، وأن استمرار هذه الحرب أو استئنافها سيكلّف «إسرائيل» أثماناً أكبر بكثير من تلك التي ستدفعها في حال تم التوصل إلى اتفاق نهائي.
ولفت إلى أنه على الرغم مما تركته هذه الحرب من ندوب هائلة في الجسد الفلسطيني، إلا أنها كشفت هشاشة هذا الكيان وأنه قابل للهزيمة، وأن يده القوية التي كان يضرب بها كل أعدائه قد كُسرت في غزة وبيروت وصنعاء وبغداد وطهران، وأن الزمن الذي كان يخرج فيه قادة الاحتلال للتباهي بإنجازاتهم العسكرية والسياسية قد انتهى إلى غير رجعة، وأن المستقبل الذي ينتظر هذه «الدولة» المارقة هو مستقبل أسود، قد يدفعها إلى مزيد من التراجع، وصولاً إلى التفكّك والانهيار التام في قادم السنوات.
تحضيرات المرحلة الثانية
بدوره، قال المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، أمس الأربعاء، إن الوسطاء يُحضّرون للمرحلة الثانية من مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، مشيرًا إلى أنها من المقرر أن تبدأ في أي يوم.
وعبّر الأنصاري في تصريحات صحفية، عن أمله بأن تؤدي المرحلة الثانية لإعادة البناء والسلام المستدام بالمنطقة.
وكانت حركة حماس قد أعلنت أول أمس، بدء الاتصالات والمفاوضات المتعلقة بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، مؤكدة أنها «معنية ومهتمة في المرحلة الحالية بالإيواء والإغاثة والإعمار للشعب الفلسطيني في قطاع غزة».
فيما أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل سترسل وفداً «على مستوى العمل» إلى الدوحة في نهاية هذا الأسبوع «لمناقشة التفاصيل الفنية المتعلقة» بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن.
وخرج ترامب يأول أمس الثلاثاء بمؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عقب مباحثات ثنائية في البيت الأبيض، قال فيه: «إن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على غزة، وسنقوم بمهمة فيه أيضاً».
التعليقات : 0