إصلاحها أصبح مهنة

"الولاعة" بغزة .. عندما تحرق قلوب الغزيين بنار الغياب

تقارير وحوارات

غزة/ دعاء الحطاب:

أزمات متلاحقة يعاني منها المواطن في قطاع غزة جراء استمرار حرب الإبادة الاسرائيلية للشهر الثامن عشر على التوالي، فمن أزمة نفاد غاز الطهي إلى ارتفاع أسعار الحطب، وصولاً لاختفاء أبسط الأدوات كأعواد الثقاب والولاعات التي باتت جُزءاً من "اقتصاد البقاء" بالقطاع.

بعد ما كانت أداة بسيطة لا تتجاوز قيمتها بضعة شواكل، أصبحت اليوم سلعة نادرة، وتحول غيابها وفقدان نار تحرق قلوب المواطنين في قطاع ، فقد ارتفع سعرها إلى 50 شيكلًا (نحو 12 دولارًا)، بعدما منعت قوات الاحتلال إدخالها منذ 2 مارس 2025، ضمن سياسة العقاب الجماعي.

فمنذ أكتوبر 2023، تفرض قوات الاحتلال الإسرائيلي حصارًا شاملًا على قطاع غزة، مانعة إدخال المواد الأساسية، ومهددة حياة نحو 2.4 مليون إنسان يعيشون تحت قصف دائم وانعدام مقومات الحياة.

وبحسب تقارير منظمات الإغاثة، يعتمد أكثر من 85% من السكان على الحطب لإشعال النار، بعد نفاد غاز الطهي وانقطاع إمداداته بالكامل.

"الولاعة زمن الحرب"

"الولاعة قد تعني وجبة طعام ساخنة لأطفالي، فنحن نعيش على التفاصيل الصغيرة جدًا"، بهذه الكلمات اختصرت المواطنة أم خالد حمد معاناتها مع تلف ولاعاتها القديمة وعدم قدرتها على شراء واحدة جديدة لارتفاع سعرها في السوق .

بابتسامة خافتة ممزوجة بالمرارة، تضيف لـ"الاستقلال" : "حتى الولاعة صار لها قيمة بزمن الحرب، فبدونها لا نستطيع إشعال موقد النار ولا طهي الطعام، ولا حتى تسخين الماء أو إعداد كوب شاي بسيط."

وتكمل :" يومياً نحتاج إلى إشعال النار لطهي الطعام أو تسخين الماء، ولا نملك ولاعة واحدة، نضطر لطلبها من الجيران، نشعل بها شعلة نار ثم نعيدها، وقلوبنا تخفق خوفًا من أن تتعطل فلا بديل لها".

أم خالد، كغيرها من آلاف العائلات، أصبحت تحسب لكل شعلة نار حسابًا، في زمن اختلطت فيه كرامة العيش بأبسط أدوات البقاء، قائلة:" حتى الأشياء البسيطة التي كانت يومًا في متناول اليد، باتت اليوم مصدر قلق ومعاناة."

وتشير إلى أنه في كل مرة يضطرون فيها لاستلاف الولاعة، تذوب وجوهم خجلًا من الجيران، لكونهم يدركون ن فقدانها سيكون خسارة فادحة للطرفين ،لافتة إلى أن سعر الولاعة وصل لـ 50 شيكل.


"شريان حياة"

ووسط حالة النزوح والمعاناة التي يعيشها بمنطقة المواصي الساحلية غرب مدينة خانيونس جنوب القطاع، تحدث المواطن أبو إبراهيم مهدي، النازح من مدينة رفح، عن جانب جديد من أوجه الأزمة، قائلاً: "الأزمات لا تعد ولا تحصى، انعدام غاز الطهي أجبرنا على العودة لاستخدام النار التقليدية، وأصبح وجود الولاعة في كل منزل أمرًا لا غنى عنه".

ويتابع مهدي لـ" الاستقلال:" الولاعات بطبيعتها سلع مستهلكة قصيرة العمر، ومع كثرة الاستعمال تتعرض للأعطال بشكل مستمر"، مُستدركاً:" لكن في السابق حينما كانت تعطل الولاعات، كنا نستبدلها بسهولة بأسعار زهيدة، أما الآن فقد اختفت من الأسواق تمامًا".

ويضيف:" بعد تلف ولاعتي بحثت طويلًا في الأسواق عن واحدة جديدة بأي سعر، لكن الفرصة الوحيدة التي وجدتها كانت ولاعة مستخدمة اشتريتها بـ 30 شيقل، رغم أن سعرها قبل الحصار لم يكن يتجاوز نصف شيقل فقط!، والأدهى من ذلك أنها تعطلت بعد فترة قصيرة واضطررت لصيانتها مقابل 15 شيقل".

ويبين إن اصلاح الولاعات أصبحت مهنة في غزة بسبب عدم وجودها في الأسواق ،الامر الذي دفع الكثير من المواطنين على إصلاح القديمة منها حتى يوفر عليه عبء ارتفاع أسعارها ، موضحاً أن الولاعة لم تعد مجرد أداة عابره، بل تحولت إلى شريان حياة حقيقي في هذه الظروف القاسية.


مهنة اضطرارية

وفي منتصف سوق خان يونس، وعلى إحدى البسطات الصغيرة، ينهمك الشاب "فارس السطري" بصيانة الولاعات المُعطلة، فقد وجدها مهنة اضطرارية جديدة يستطيع من خلالها كسب قوت يومه.

ويقول السطري خلال لـ" الاستقلال":" أقوم بجمع الولاعات المعطوبة وأستخدام قطعها لتصليح الولاعات الخاصة بالمواطنين في ظل اختفائها من الأسواق".

ويضيف:" بالأصل الولاعات مصممة لتكون سلعة استهلاكية وليست قابلة للصيانه، لكن قلة المواد وشح البضائع أجبر الناس على اصلاحها بأي وسيلة متاحة".

ومع ندرة قطع الغيار، يضطر "السطري" إلى تفكيك الولاعات القديمة لأخذ ما يصلح منها من أجزاء، مما أدى لارتفاع تكلفة الصيانة. بحسب قوله.

ويشير إلى أنه يُصلح ما بين 20 إلى 30 ولاعة يومياً، مقابل 5 شواكل للواحدة، وترتفع التكلفة إلى 15 شيكلًا إذا استُبدلت أجزاء منها.

وأوضح أن الوضع بغزة يتدهور يومًا بعد يوم، وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فقد نفقد قريبًا القدرة حتى على إصلاح الولاعات، لأننا ببساطة لن نجد ولاعات قديمة نأخذ منها قطعاً."

التعليقات : 0

إضافة تعليق