خطة نتنياهو لاحتلال غزة: نية حقيقية أم مناورة سياسية؟

خطة نتنياهو لاحتلال غزة: نية حقيقية أم مناورة سياسية؟
تقارير وحوارات

 

 

غزة/ معتز شاهين:

تتزايد التساؤلات حول جدية الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ تهديداته باحتلال قطاع غزة، خاصة في ظل استمرار العدوان منذ قرابة عامين دون تحقيق أهداف واضحة. قرار "الكابينت" الأخير بالمضي في هذه الخطوة قوبل بتشكيك واسع، ليس فقط من خصوم الاحتلال، بل حتى من داخل مؤسساته الأمنية والعسكرية.

ويعتبر الحديث عن احتلال غزة لا يعكس واقعًا ميدانيًا حقيقيًا، وإنما يأتي في إطار مناورة سياسية تهدف إلى الضغط على المقاومة لانتزاع تنازلات، وإيهام الداخل الإسرائيلي بوجود تقدم. وفق لما يراه مراقبون.

واتفق هؤلاء خلال أحاديث منفصلة مع صحيفة "الاستقلال" أمس الأحد، على أن الاحتلال يواجه عجزًا واضحًا على الأرض، وأن ورقة الأسرى تُستخدم كذريعة لإطالة أمد الحرب وخدمة أهداف سياسية داخلية، خاصة أن وجود الأسرى بأيدي المقاومة يشكل له مبررًا دائمًا لإبقاء الحرب مشتعلة.

وفي الثلاثاء الماضي، اتخذ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قرارًا بالمضي في احتلال غزة، خلال اجتماع مغلق مع وزراء ومسؤولين أمنيين، بانتظار عرضه على "الكابينت" المصغر والمكبر. ويأتي توجه نتنياهو هذا رغم معارضات داخل الجيش للمضي بهذه الخطة، لما قد تشكله من خطورة على حياة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، ولما سيدفعه الجيش من ثمن باهظ على مستوى القدرات، بالإضافة إلى وقوع قتلى وجرحى وأسرى.

 

تكرار الفشل

وصف المحلل السياسي الفلسطيني عدنان الصباح قرار الكابينت الإسرائيلي بالمضي في احتلال قطاع غزة بأنه "إعلام احتفالي سخيف" لا يستند إلى وقائع ميدانية حقيقية، مشددًا على أن الاحتلال عاجز عن فرض سيطرته الكاملة على القطاع رغم مرور نحو عامين من العدوان المتواصل.

وقال الصباح خلال حديثه مع "الاستقلال" أمس الأحد، إن الحديث عن احتلال غزة ليس جديدًا، بل هو جزء من حملة دعائية لإيهام الشارع الإسرائيلي والعالمي بوجود تقدم ميداني. وأوضح أن الاحتلال يسيطر على الجو والبحر وغلاف غزة، لكنه فشل في فرض سيطرة برية حقيقية على الأرض، وهو غير مؤهل أساسًا لحسم المعركة البرية.

ورأى أن فشل العملية العسكرية المعروفة بـ"عربات جدعون" وجّه ضربة معنوية كبيرة لجيش الاحتلال، مؤكّدًا أن المقاومة الفلسطينية لا تزال صامدة ومتماسكة رغم الكوارث التي لحقت بالقطاع.

وحول ملف الجنود الأسرى لدى المقاومة، أكد الصباح أن نتنياهو لا يسعى فعليًا لاستعادتهم، موضحًا أن وجود الأسرى بأيدي المقاومة يمثل له مبررًا دائمًا لإبقاء الحرب مشتعلة، وغطاءً لأهداف استراتيجية تتجاوز غزة.

وعدد من بين هذه الأهداف: تصعيد الوضع في الضفة الغربية، وفرض سيطرة إسرائيلية كاملة عليها، وتأجيج الجبهة مع لبنان، والتأثير على مفاوضات الملف الإيراني، وحتى مواصلة تفتيت سوريا واحتواء اليمن كجزء من حسابات إقليمية أوسع.

وحذّر الصباح من مخطط تهجير قسري منظم نحو جنوب القطاع، معتمِدًا على استخدام الطيران والمدفعية والقصف البحري والمساعدات المؤدلجة لتركيز المدنيين في رقعة جغرافية ضيقة، قائلاً: "يريد الاحتلال تحويل جنوب القطاع إلى قنبلة موقوتة ضد مصر، وضد مستقبل القضية الفلسطينية، وحتى ضد الاستقرار الدولي".

وأوضح أن هذا السيناريو سيمكن الاحتلال من الادعاء بأن كل من تبقى في شمال ووسط القطاع هو من "المقاومة"، مما يفتح الباب أمام ارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين.

وأكد الصباح أن محاولات الاحتلال لفرض السيطرة على غزة فشلت مرارًا منذ عام 1948، بما في ذلك احتلال القطاع في 1967 وحتى انسحابه منه في 2005، معتبرًا أن الواقع الجغرافي والديمغرافي والسياسي لا يسمح للاحتلال بفرض واقع استيطاني أو إداري دائم داخل غزة.

 

ضغط سياسي

وأعتبر الكاتب والمحلل السياسي فايز السويطي أن قرار "الكابينت" الإسرائيلي بالمضي قدمًا نحو احتلال قطاع غزة يأتي في إطار مناورة سياسية هدفها الضغط على المقاومة لانتزاع تنازلات، مؤكدًا أن الخطوة تُقابل بمعارضة شديدة داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية في إسرائيل.

وأوضح السويطي لـ"الاستقلال" أن رفض الاحتلال لمقترحات الوسطاء في قطر ومصر رغم قبول المقاومة بها، يدل على وجود نوايا إسرائيلية تتجاوز ملف الأسرى وتتجه نحو فرض وقائع جديدة على الأرض، وقال: "القرار ليس مرتبطًا فقط بالأسرى، بل يُستخدم كورقة ضغط رغم أن رد المقاومة كان معقولًا بشهادة الوسطاء".

وحول الحديث عن إدارة عسكرية طويلة الأمد في القطاع، أشار السويطي إلى أن ذلك يندرج ضمن مخططات استراتيجية إسرائيلية قديمة تتعلق بالتوسع وفرض السيطرة، مضيفًا أن الاحتلال لطالما أعلن أن حدوده تمتد من النيل إلى الفرات، وأن نتنياهو تحدث سابقًا عن شرق أوسط جديد، بينما قال ترامب إن مساحة إسرائيل صغيرة وإنهم سيحولون غزة إلى ريفيرا أمريكية.

وشدد السويطي على أن هذه المخططات التوسعية تصطدم بصمود الشعب الفلسطيني والمقاومة في غزة، مما يعقّد الحسابات الإسرائيلية ويضعف فرص نجاح أي مشروع احتلالي طويل الأمد.

وفيما يخص إصرار نتنياهو على مواصلة الحرب رغم رفض قادة الأجهزة الأمنية، أرجع السويطي ذلك إلى دوافع شخصية تتعلق بالهروب من المحاكمة والفشل السياسي، قائلًا: "نتنياهو يهدف لإطالة أمد الحرب للبقاء في السلطة، وتجنّب المساءلة على سلسلة الإخفاقات التي لحقت به وبحكومته".

وأكّد أن كل المؤشرات تدل على فشل محتوم في حال مضت إسرائيل في تنفيذ هذا السيناريو، موضحًا أن جيش الاحتلال منهك ويعاني أزمات نفسية، وأن هناك تقديرات بأن احتلال غزة سيستغرق ثلاثة أشهر على الأقل، أما القضاء على المقاومة فقد يحتاج إلى ثلاث سنوات حسب تقييمات الجنرالات.

وأشار السويطي إلى أن السيناريو المرجّح هو التوصل إلى صفقة تنقذ نتنياهو من ورطته، تتضمن ترتيبات لما بعد الحرب قد تشمل تشكيل لجنة لإدارة غزة وإعادة إعمارها بموافقة حركة حماس، حتى وإن لم تشارك فيها بشكل مباشر، وهو ما يعد بديلاً عمليًا عن مغامرة الاحتلال المكلفة والفاشلة.

 

التعليقات : 0

إضافة تعليق