الآلية الإسرائيلية لإدخال البضائع لغزة: خطوة إنسانية أم سيطرة اقتصادية ؟

الآلية الإسرائيلية لإدخال البضائع لغزة: خطوة إنسانية أم سيطرة اقتصادية ؟
تقارير وحوارات

غزة/دعاء الحطاب:

تشهد أسواق قطاع غزة انتعاشاً ملحوظاً وانخفاضاً بأسعار السلع والمواد الغذائية، عقب تفعيل إسرائيل آلية جديدة لإدخال البضائع للقطاع عبر تجار محليين، بناءً على "معايير محددة وتقييم أمني دقيق" تكون عمليات الدفع من خلالها عبر التحويلات البنكية دون ضخ سيولة نقدية.

 

هذه الآلية أثارت أمال المواطنين في تخفيف قدر مما يعانونه من جوع، في ظل حاجتهم لتطبيقات الدفع الإلكتروني خاصة مع استمرار إغلاق البنوك، ومنع دخول أي كميات من الأموال النقدية، وسط عمولات باهظة يتقاضاها بعض التجار لقاء توفير السيولة، وصلت إلى 53%، ولكنها في الوقت ذاته أثارت شكوكاً حول أهدافها الحقيقية واهمها -وفق مراقبين -تقويض دور المنظمات الإنسانية ومراقبة حركة الأموال في غزة، في وقت يجري الحديث فيه عن إعادة احتلال غزة وتوسيع العملية العسكرية بها.

 

وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية أن الغرض من هذا التوجه هو تقليل الاعتماد على مساعدات المنظمات الدولية، بعد فشل التعاون مع الأمم المتحدة، مشيرة إلى أن عدد الشاحنات سيرتفع إلى 300 شاحنة يومياً، مقارنة بـ200 في السابق.

 

وأعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً، عن المصادقة على آلية جديدة لاستئناف إدخال البضائع والسلع التجارية إلى قطاع غزة، ولكن بشكل جزئي ومقنن عبر عدد محدود من التجار الفلسطينيين المحليين، وتحت رقابة أمنية ومالية مشددة.

 

وتُعد هذه الخطوة الأولى من نوعها منذ الثاني من مارس/آذار الماضي، حينما أغلقت إسرائيل المعابر وفرضت حصاراً كاملاً على القطاع.

 

وقال المتحدث باسم منسق أعمال حكومة الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، إن هذه الخطوة تهدف إلى زيادة حجم المساعدات الإنسانية الموجهة لسكان قطاع غزة، مع تقليل الاعتماد على قنوات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في إيصالها.

 

وأكد المنسق في بيان، أن جميع عمليات الدفع الخاصة بهذه البضائع ستُنفذ عبر تحويلات مصرفية فقط، ضمن منظومة رقابة مالية مشددة تهدف إلى تقييد أي تحويلات "مشبوهة"، وفق قوله.

 

وتأتي هذه الآلية في وقت تسود فيه حالة من الانهيار الإنساني، ونقص السيولة النقدية، وتضخم جنوني في أسعار السلع الأساسية.

 

ومن اللافت أن التجار وأصحاب البسطات بدأوا التعامل بالتطبيقات البنكية، بعد شهور من التراجع ورفض التجار استخدامه، مما أدى إلى انخفاض نسبة عمولة "التكييش" التي كانت قد تجاوزت 53%.

 

الدفع الإلكتروني

المواطن أبو عمر النواس (٤٠ عاما)، من سكان مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، عبر عن ترحيبه وارتياحه الكبير بعودة الأسواق للدفع الإلكتروني، معتبراً أنها تشكل إنقاذاً حقيقياً للغزيين في ظل الأزمات الاقتصادية والمالية المستمرة.

 

وقال النواس خلال حديثه لـ "الاستقلال": "ذقنا الويلات الفترة الماضية بفعل ارتفاع نسبة العمولة لـ 55% مقابل الحصول على سيولة نقدية، وعانينا كثيراً من العملات المهترئة ورفض التعامل بها".

 

ويتابع بغضب:" كنا نضطر لشراء السلع والمواد الغذائية بثلاثة أضعاف سعرها الكاش وربما أكثر، مما أرهقنا اقتصادياً وكبدنا خسائر مادية كبيره جداً"، مضيفاً:" أن التعامل عبر التطبيقات البنكية قد تخفف من معاناتنا".

 

وطالب النواس وزارة الاقتصاد والجهات المختصة بفرض رقابة مشددة على التجار بما يسمح بتخفيف المعاناة الإنسانية المتفاقمة وسط الأوضاع الكارثية التي تجمَّعت فيها كل الظروف ضد المواطن الذي لا يملك من الأمر شيئاً.

 

أمال بواقع أفضل

 

ويأمل الموظف في سلطة رام الله أبو محمود الأسطل، أن يساهم دخول البضائع إلى القطاع وبيعها عبر التطبيق البنكي في تغير الواقع المأساوي الذي يعيشه المواطنون إلى الأفضل، قائلاً:" إن هذه خطوة يحتاج إليها الجميع".

 

ويتابع الأسطل خلال حديثه لـ"الاستقلال": "أن هذه الخطوة جاءت بالوقت المناسب لحل الأزمة المالية التي نعيشها بالقطاع في ظل عدم توفر سيولة نقدية إلا عمولة عالية مُبالغ فيها، مع استمرار إغلاق البنوك الرسمية".

 

وأوضح أنه كان يضطر إلى دفع عمولة تتراوح بين 50-53% شهرياً لتجار السوق السوداء لسحب راتبه عبر التطبيقات البنكية، مضيفاً:" أتقاضى راتب 3000 شيكل شهرياً، ولم يكن يكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية لعائلتي المكونة من سبعة أفراد، بسبب العمولة وارتفاع الأسعار".

 

وأشار إلى أنه أجبر ببعض الأوقات للذهاب إلى مراكز المساعدات الأمريكية، في رحلة محفوفة بالمخاطر نتيجة الاستهداف الاسرائيلي، من أجل محاولة الحصول على طحين أو غذاء يقيه الجوع هو وأسرته. 

 

ويتمنى الأسطل أن يلتزم التجار ببيع البضائع عبر التطبيقات الإلكترونية "بأسعار طبيعية"، خاصةً أنهم دفعوا مقابلها بنكياً بالفعل دون سيولة نقدية.

 

خطوة مهمة ولكن!

المختص بالشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر، يرى أن سماح الاحتلال الإسرائيلي بفرض الدفع الالكتروني بدلاً من الدفع نقداً على التجار الراغبين في إدخال البضائع لقطاع غزة، خطوة مهمة بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني بغزة، رغم أن "اسرائيل" تنظر للأمر من ناحية مختلفة.

 

وكشف أبو قمر خلال حديثه لـ" الاستقلال"، أن الاحتلال الإسرائيلي يسعي من وراء الدفع الالكتروني الى مراقبة حركة الأموال في غزة، والسيطرة على أوجه الصرف بحجة "محاربة غسيل الأموال"، مبيناً أنها إحدى طرق الحرب الاقتصادية على غزة والسيطرة الاقتصادية المطلقة، بالإضافة إلى تقويض دور المؤسسات الإنسانية العاملة في القطاع.

 

ويستشهد أبو قمر بأن معظم دول العالم تشجع الدفع الإلكتروني، لأنه يُبقي حركة الأموال تحت الرقابة، إذ تلجأ جماعات غسيل الأموال إلى التداول النقدي لتجنّب الرقابة البنكية.

 

وأوضح أن الاحتلال عمل على تقليل الكاش في القطاع، من خلال منع دخول السيولة طوال أشهر الحرب، بالإضافة الى تلف كميات كبيرة من العملات الورقية وتحجيم التداول ببعض الفئات دون مبررات اقتصادية واضحة، مما أدى إلى نقص المعروض النقدي بالقطاع إلى ما يقارب 40%.

 

 ونوه الى أن مشاكل الكاش والسيولة تسببت خلال الأشهر الماضية في أزمات اقتصادية واجتماعية كبيرة، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الأسواق بشكل عام، كما خلقت حالة من الشلل شبه التام في الحركة التجارية، ودفعت البعض إلى استغلال الأزمة لتحقيق أرباح غير شرعية، حيث تجاوزت نسبة عمولة "التكييش" 53%.

 

وبين أن استمرار العمل بالدفع الإلكتروني لن يساهم فقط في حل أزمة السيولة، بل سيؤدي أيضا إلى زيادة حجم العمليات التجارية اليومية وتنشيط الأسواق الداخلية وتقليل الاعتماد على العملات النقدية التالفة أو المفقودة، مضيفاً: "هذه الخطوة ستفتح كذلك الباب أمام مشاريع صغيرة ومتوسطة تعتمد كلياً على الدفع الإلكتروني، مما يعزز من فرص التعافي الاقتصادي بقطاع غزة رغم التحديات التي تفرضها الحرب".

 

وأشار إلى أن القطاع يحتاج يومياً إلى أكثر من 600 شاحنة تشمل المساعدات والشاحنات التجارية لتلبية الحد الأدنى من احتياجات 2.4 مليون إنسان، وسط انهيار شبه كامل للبنية التحتية بفعل الحرب والإبادة المستمرة، لافتاً إلى أنه 95% من السكان ليس لديهم قدره شرائية ويعتمدون على المساعدات بشكل كلي.

 

وتلعب الشاحنات التجارية دوراً مهماً في تنويع المعروض من البضائع داخل الأسواق، وهو ما بدأ يظهر بالفعل مع توفر أصناف غابت لشهور عن الأسواق. وفق ابو قمر.

 

ويأتي الإدخال المحدود للمساعدات والبضائع في ظل اشتداد المجاعة، التي تعصف بأكثر من مليوني فلسطيني في غزة منذ 5 أشهر على إغلاق "إسرائيل" المحكم لمعابر القطاع.

 

ولم يتجاوز ما تم إدخاله حتى الآن 14% من الحصة المفترضة، حيث يمنع الاحتلال إدخال نحو 6,600 شاحنة إغاثية، ويواصل إغلاق المعابر وتقويض عمل المؤسسات الإنسانية، وهو ما تسبب بتعرض معظم الشاحنات للسرقة.

التعليقات : 0

إضافة تعليق