غزة/ دعاء الحطاب:
تتعمد قوات الاحتلال الإسرائيلي قتل الصحفيين الفلسطينيين ومنع التغطية الإعلامية المستقلة، في محاولة منها لطمس الحقائق والتغطية على جرائمها، وحجب الصوت والصورة القادمة من قطاع غزة وغيرها من المناطق داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فأكثر ما يعانيه الاحتلال هو "التسونامي السياسي" الناجم عن التغطية الإعلامية الصحيفة من قطاع غزة، والتي أدت خلال الأيام الماضية إلى توليد رأي عالمي مناويء لـ"اسرائيل" وجرائم الإبادة الجماعية والتجويع الممنهج وسائر الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها بحق المدنيين و الأبرياء في القطاع. بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية.
واغتال جيش الاحتلال الإسرائيلي مساء الأحد 10 أغسطس/آب 2025 الصحفيين أنس الشريف ومحمد قريقع و4 آخرين، بعدما استهدف خيمة للصحفيين قرب مستشفى الشفاء بغزة، ليرتفع عدد شهداء الصحفيين الذين استشهدوا خلال حرب الإبادة الجماعية المستمرة إلى 237 صحفياً وصحفية.
وكشف الصحفي والمخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية شكلت خلية هدفها إضفاء الشرعية على عمليات استهداف واغتيال جيش الاحتلال الصحفيين في قطاع غزة، مما يعكس حجم الانتقام الذي يرافق عقلية المحتل ضد الإعلاميين وخشيته الحقيقية من دورهم في كشف الحقائق.
وكتب يوفال الصحفي في موقع "972" الإسرائيلي في تدوينة على منصة إكس أن مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية شكلت بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 فريق يُسمى "خلية إضفاء الشرعية" هدفها جمع معلومات من شأنها أن تساعد في "إضفاء الشرعية" على عمليات الجيش في غزة.
وأضاف أن المهمة الرئيسية لهذه الخلية هي العثور على الصحفيين الغزيين الذين يمكن تصويرهم إعلاميا على أنهم عملاء سريون لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
إسكات الصوت الصحفي
المختص بالشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد، أكد أن استهداف مراسلي الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع وزملائهما لم يكن مجرد امتداد لسلسلة طويلة من الانتهاكات بحق الصحفيين، بل خطوة محسوبة في إطار استراتيجية أوسع تهدف إلى إسكات الصوت الصحفي وتغيب الكاميرات التي وثّقت المأساة في غزة، وتهيئة المشهد لمجازر بلا شهود.
وقال أبو عواد لـ "الاستقلال":" إن اغتيال الاحتلال لأنس ومحمد، محاولة إعدام متعمدة بعد شهرين من التحريض المتواصل التي حاولت فيه تهيئة الرأي العام لاستقبال نبأ ارتقائهما"، موضحاً أن هذا الاستهداف يعكس حجم الانتقام الذي يرافق عقلية المحتل ضد الإعلاميين، وخشيته الحقيقية من دورهم.
وأضاف: "أن إسرائيل قتلتهم لأنها تدرك جيدا بأنها ستفلت من العقاب، وأنها ستكون بمأمن وحماية دولية وغربية، ولن ينكر عليها أحد ما ترتكبه من جرائم".
ويعتقد أن" إسرائيل" تستهدف الصحفيين، بسبب ما هو قادم في غزة، موضحًا أنها معنية بتقليل وجود الصورة بغزة، وقناة "الجزيرة" بالنسبة لها نصف والعالم نصف آخر فيما يتعلق بالتغطية الإعلامية، وهي الأكثر تأثيراً وحضوراً.
"وبالتالي فإن هذه القضية مزعجة لها، وتحاول ردع من يأتي بعد الشريف، ومن بعده وكل من يحاول كشف جرائمه، بإرسال رسالة مفادها "أنه لم يسمح للصحفيين بنقل الحقيقة ، ولن يسمح لأي عين بتوثيق واقع الاحتلال ومآسي غزة". وفق عواد.
ويرى المختص أن ما تفعله "إسرائيل" ليس سياسة رادعة بالصورة المطلقة، بل سياسة انتقامية بحته، مذكراً بما قاله الحاخام "إلياهو مالي" بأنه "يجب قتل كل من يتواجد في قطاع غزة من صغير وكبير، وأي جندي لا يقتلهم يعتبر خائن ويجب ملاحقته".
وأكد أن " اسرائيل" رغم وحشيتها غير المسبوقة باستهداف الصحافيين، لن تنجح في إسكات الصوت الفلسطيني الحر أو في طمس الحقيقة، قائلاً:" هي اغتالت اسماعيل الغول وجاء انس الشريف بصورة أقوى، ومن قبل اغتالت شرين أبو عاقلة وزادرت التغطية للجزيرة في الضفة، واغتالوا أكثر من 200 صحفي والتغطية مازالت مستمرة".
جريمة متكاملة الأركان
وبدوره، أكد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)، د. صلاح عبد العاطي، أن عملية اغتيال وتصفية الصحفيين جريمة حرب متكاملة الأركان وفقًا لأحكام القانون الدولي الإنساني، ولا سيما المادة (79) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، التي تكفل حماية خاصة للصحفيين أثناء النزاعات المسلحة، كما تشكل انتهاكاً جسيماً لقرار مجلس الأمن القاضي بحماية الصحفيين اثناء النزاعات.
وأوضح عبد العاطي لـ"الاستقلال"، أن الاحتلال يتعمد استهداف الصحفيين بغزة بهدف منع توثيق جرائمه أو نقلها إلى الجهات الدولية، وخاصة محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
وأشار إلى أن الصحفيين أنس الشريف ومحمد قريقع وزملائهما، كانوا قد تعرضوا في السابق لحملات تحريض وتهديدات مباشرة بالقتل من قبل قوات الاحتلال، بسبب دورهم في توثيق وفضح جرائم الإبادة الجماعية، والتجويع الممنهج، وسائر الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق المدنيين في القطاع.
وأضاف أنه و باستشهاد هؤلاء، يرتفع عدد الصحفيين الذين قتلوا خلال حرب الإبادة الجماعية المستمرة إلى 237 صحفياً وصحفية، مما يؤكد إصرار الاحتلال على استهداف الشهود ومنع التغطية الإعلامية المستقلة، في محاولة لطمس الحقائق، والتغطية على جرائمها، بما في ذلك جريمة إعادة احتلال قطاع غزة الوشيكة.
وطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة، بتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية في وقف الجرائم الإسرائيلية، وتفعيل آليات الحماية الدولية للمدنيين والصحفيين بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
ودعا الدول الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف إلى الوفاء بالتزاماتها، وممارسة ولايتها القضائية لملاحقة مرتكبي هذه جريمة، باعتبارها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
كما حث المحكمة الجنائية الدولية على تسريع إجراءات التحقيق والملاحقة القضائية بحق المسؤولين السياسيين والعسكريين في دولة الاحتلال، الذين أصدروا الأوامر أو شاركوا في استهداف الصحفيين.
وشدد على ضرورة توفير حماية دولية عاجلة للصحفيين ووسائل الإعلام في غزة، وتمكينهم من أداء واجبهم المهني في تغطية الأحداث ونقل الحقائق للعالم.
رسالة دموية
ومن جانبه، اتهم الصحفي الفلسطيني محمد القيق، الاحتلال "الإسرائيلي"، بإرسال "رسالة دموية" للإعلام الغربي من خلال اغتيال صحفيين بارزين في قطاع غزة، وذلك بعد ساعات قليلة من مؤتمر لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أعلن فيه استعداده لاستقبال وسائل إعلام غربية في القطاع.
وقال القيق في حديث صحفي، إن هذا الاغتيال جاء بعد تصريحات نتنياهو التي تباهى فيها بفتح المجال أمام الإعلام الغربي، مضيفًا "بعد ساعات فقط من المؤتمر، تم استهداف صحفيين مشهورين، في رسالة واضحة: إذا دخلتم غزة لنقل الحقيقة، فالموت بانتظاركم".
وأوضح أن الرسالة تحمل أبعادًا متعددة، أولها تحذير الإعلام الغربي من دخول غزة، وثانيها معاقبة كل من ينقل الرواية الفلسطينية، معتبرًا أن من يعارض الاحتلال يُصنّف فورًا كـ"معادٍ لإسرائيل"، ما يجعله عرضة للملاحقة.
وأشار القيق إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار مسعى نتنياهو للتأثير على معادلة الرواية الإعلامية، بعد أن خصص مؤتمره الصحفي للحديث عن ما أسماه "أكاذيب حماس"، مضيفًا أن الوقائع أثبتت أنها "أكاذيب نتنياهو".
التعليقات : 0