غزة/ دعاء الحطاب:
بينما تتواصل حرب الإبادة الجماعية التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، جاء الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في القطاع كخطوة هامة لتوصيف حقيقة ما ترتكبه "اسرائيل" من استخدام التجويع كأداة إبادة وسلاح حرب.
وأعلن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المدعوم من الأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، رسميًا تفشي المجاعة في محافظة غزة.
وقال التصنيف المتكامل إن أكثر من نصف مليون شخص في قطاع غزة يواجهون ظروفًا كارثية، أي المرحلة الخامسة من التصنيف، ومن خصائصها الجوع الشديد والموت والعوز والمستويات الحرجة للغاية من سوء التغذية الحاد.
وذكر أن 1.07 مليون شخص آخر (54% من السكان) يواجهون المرحلة الرابعة وهي مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد "الطارئ"، ويواجه 396 ألفًا (20% من السكان) المرحلة الثالثة وهي مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وأوضح أن عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص الغذاء في قطاع غزة تضاعف 3 مرات، داعيًا إلى وقف المجاعة في قطاع غزة بأي ثمن.
وأضاف أن نحو 132 ألف طفل دون الخامسة سيواجهون خطر الوفاة بسبب سوء التغذية الحاد، محذراً من أن سوء التغذية الحاد سيتفاقم بسرعة في القطاع حتى يونيو/حزيران2026.
ودعا التصنيف المرحلي إلى وقف إطلاق النار بغزة لتنفيذ استجابة إنسانية واسعة لإنقاذ الأرواح.
ويتوقع التصنيف تدهور الأوضاع في غزة في الفترة بين منتصف آب/أغسطس حتى نهاية أيلول/سبتمبر 2025 لتمتد المجاعة إلى دير البلح وخان يونس.
وخلال هذه الفترة يُتوقع أن يواجه نحو ثلث السكان (641 ألف شخص) ظروفا كارثية وهي المرحلة الخامسة للتصنيف. كما يُتوقع أن يستمر تفاقم سوء التغذية الحاد بشكل سريع.
وجاء هذا الاعلان متأخراً بعد أشهر من التحذيرات المتكررة والتقارير الميدانية التي رسمت صورة قاتمة للوضع الإنساني في قطاع غزة، بعدما بلغت معدلات الجوع والموت مستويات كارثية غبر مسبوقة في التاريخ الحديث.
يحمل أبعاداً عدة
المختص بالشأن السياسي عماد أبو عواد، يري أن الإعلان الرسمي عن المجاعة في قطاع غزة يثبت من جديد الأدلة الدامغة بأن "إسرائيل" ترتكب جريمة الإبادة الجماعية بحق أكثر من مليوني إنسان محاصر، واتباعها تلك الإجراءات بطريقة ممنهجة للقضاء على سبل الحياة في غزة.
وأوضح أبو عواد لـ "الاستقلال"، أن الإعلان الأممي يحمل أبعادًا سياسية وقانونية عميقة، فهو بمثابة إدانة ضمنية لسلوك الاحتلال الإسرائيلي المسؤول عن منع وصول الغذاء والدواء للقطاع، ويضع المجتمع الدولي أمام اختبار جديد حول التزامه بمبادئ القانون الدولي الإنساني.
وبين أن أهمية الاعلان تكمن في استدامة إدانة "اسرائيل" والكشف عن صورتها الحقيقة باستخدامها كافة اساليب القوة العسكرية والسياسية بشكل مستمر ضد الفلسطينيين، وانتقال العدوي السياسية بمسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ونوه إلى أن الإعلان في هذا التوقيت يحمل دلالات مهمة، خصوصًا مع تحضير جيش الاحتلال لشن هجوم على مدينة غزة، التي يتركز فيها خطر المجاعة وفق التقرير، ما يشكل إدانة مزدوجة للتجويع والعمليات العسكرية.
وأضاف: "التجويع جريمة حرب لا يمكن الاختلاف عليها، ومع هذا الإعلان أصبح ثبوته واضحًا، ما يفتح الباب أمام ملاحقة قادة الاحتلال سياسيًا وعسكريًا على المستوى الدولي".
وتوقع أن الإعلان سيضاعف الضغط الشعبي العالمي على الحكومات المؤيدة للاحتلال، ما سيدفعها لاتخاذ مواقف أكثر تشددًا استجابةً لمطالب شعوبها، مضيفاً:" نحن نتجه الى تغير دولي كبير باتجاه القضية الفلسطينية عموماً واتجاه غزة خاصة".
شهادة إدانة واضحة
وبدوره، أكد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)، صلاح عبد العاطي، إن إعلان الأمم المتحدة الرسمي لقطاع غزة منطقة مجاعة كارثية، يؤكد حجم الجريمة الممنهجة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين ضمن سياسة حرب الإبادة الجماعية".
وأوضح عبد العاطي لـ" الاستقلال"، أن التقرير الأممي الصادر عن منظمات الأمم المتحدة المختصة (الفاو، اليونيسف، منظمة الصحة العالمية، برنامج الأغذية العالمي، الأونروا، IPC )، والذي أكد أن أكثر من نصف مليون إنسان مهددون بالموت جوعاً، وأن 30% من أطفال القطاع يعانون من سوء تغذية حاد، يُعد شهادة إدانة واضحة تكشف بشاعة الحصار والحرمان الممنهج للغذاء والدواء والوقود، و إمعان الاحتلال في استخدام التجويع كسلاح إبادة جماعية.
وبين أن الإعلان الأممي هو الأول من نوعه بالشرق الأوسط والخامس في التاريخ الحديث، وكان من الممكن تجنبه لو تم فتح المعابر والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية دون عراقيل.
وشدد عبد العاطي على أن "إصرار الاحتلال على إغلاق المعابر وتدمير أنظمة الغذاء ومصادر المياه ومنع وصول المساعدات الإنسانية، إضافة إلى عسكرة المساعدات والاعتداء على المدنيين عند نقاط توزيعها، خلق واقعاً إنسانياً مأساوياً جعل جميع سكان القطاع يعانون بدرجات مختلفة من المجاعة والحرمان".
وأشار إلى أن الاحتلال تعامل مع الضغوط المطالبة الدولية بإنكار واستهتار، ولاحقا سمح بدخول محدود لشاحنات المساعدات، مع بعض عمليات الانزال الجوي غير المؤثرة، لامتصاص غضب المجتمع الدولي و صدمته من بشاعة الكارثة الإنسانية والمجاعة، حيث لم يدخل القطاع في 25 يوماً الأخيرة سوا 2000 شاحنة مساعدات (أي أقل من 15% من الاحتياجات الإنسانية ) مع مواصلة عرقلة دخول الوقود والمستلزمات الطبية وحليب الأطفال والمكملات الغذائية والدواء، مما أدى لانهيار المنظومة الصحية المدمرة والتي تعمل باقل من ربع طاقتها في ظل ارتفاع اعداد الجرحى والمرضى.
كما اتهم الاحتلال بنشر الفوضى وتسليح العصابات التي تنهب المساعدات وتمنع وصولها إلى السكان المتضررين، إضافة إلى عسكرة المساعدات الإنسانية ومنع منظمات الأمم المتحدة وخاصة وكالة الغوث الدولية ومحاولة استبدالها بمؤسسة غزة الإنسانية الامريكية الإسرائيلية الإجرامية والتي تسببت في تكريس المجاعة وقتل وإصابة الالاف من المدنيين المجوعين امام نقاط التوزيع الاربعة التابعة لها.
وطالب عبد العاطي المجتمع الدولي والأمم المتحدة والدول الموقعة على اتفاقيات جنيف واتفاقية منع الإبادة الجماعية، بـ"تحرك دولي حاسم لوقف المجاعة وحرب الإبادة فوراً، وفتح جميع المعابر دون قيود أو ابتزاز، وإدخال الغذاء والدواء والوقود والفرق الطبية لإنقاذ حياة الأطفال والنساء والمرضى".
كما دعا إلى فرض المقاطعة والعقوبات على الاحتلال "الإسرائيلي" ومحاسبة قادته أمام المحكمة الجنائية الدولية، وتفعيل قرار "الاتحاد من أجل السلام" في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في ضوء فشل مجلس الأمن المتكرر بتشكيل قوة حماية دولية للفلسطينيين.
وشدد عبد العاطي بالقول: "إعلان المجاعة من الأمم المتحدة يمثل وصمة عار أخلاقية وقانونية على جبين العالم، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية عاجلة لإنقاذ ما تبقى من حياة قبل فوات الأوان".
كارثة من صنع الاحتلال
ووجهت الأمم المتحدة رسالة مباشرة إلى رئيس حكومة الاحتلال (المطلوب للجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب) بنيامين نتنياهو قائلة: "كفى، وعليك فتح المعابر فورا والسماح بدخول المساعدات إلى غزة".
وأكدت أن المجاعة في غزة "ليست مجاعة محلية، بل مجاعة العالم بأسره"، مشددة على أنها كان يمكن أن تُتفادى لو سُمح للمنظمات الإنسانية بالعمل دون عراقيل.
في غضون ذلك، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن المجاعة في غزة كارثة من صنع الإنسان، مطالبًا الاحتلال الإسرائيلي ضمان توافر الغذاء والإمدادات الطبية لسكان غزة.
وقال غوتيريش، إنه لا يمكن السماح باستمرار الوضع في قطاع غزة دون محاسبة، مشددا على الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار وضمان وصول المساعدات.
ومن جهته، أعلن المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني أن المجاعة في غزة متعمدة، وهي نتيجة مباشرة لحظر "إسرائيل" دخول الغذاء والمواد الأساسية على مدى شهور.
وأضاف لازاريني أن إعلان المجاعة بشكل رسمي في مدينة غزة أمر مقلق للغاية لكنه ليس مفاجئا، مؤكدا أن وقف انتشار المجاعة ممكن عبر وقف إطلاق النار والسماح للمنظمات الإنسانية بأداء عملها.
التعليقات : 0