اللحوم والغاز والفواكه خارج المعابر…

هندسة المجاعة.. الاحتلال يروّج لصورة وهمية عن الوضع الإنساني بغزة

هندسة المجاعة..  الاحتلال يروّج لصورة وهمية عن الوضع الإنساني بغزة
تقارير وحوارات

غزة/ سماح المبحوح:

على الرغم من إعلان الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية حالة المجاعة في قطاع غزة، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول تغيير الرواية ليدّعي زيفاً عدم وجود مجاعة أو أزمة إنسانية في القطاع عبر نشره صورا لإدخال أصناف محددة من المواد الغذائية عبر أعداد قليلة من الشاحنات التجارية والمساعدات، إلا أن منعه إدخال أنواع بعينها من السلع هي مواد أساسية لضمان الحد الأدنى من الأمن الغذائي والمعيشي، كاللحوم البيضاء والحمراء والأسماك والبيض والفواكه والغاز، يكشف أكاذيبه ومحاولته لتجميل صورته أمام العالم.

بالرغم من الحملة التي يشنها الاحتلال الاسرائيلي، لمحاولة تصوير غزة بأنها "شبِعت، ولا يوجد بها مجاعة"، إلا أن منعه إدخال أنواع بعينها من السلع التي يحتاجها الغزيون بشدة، يكشف أكاذيبه، كاللحوم البيضاء والحمراء والأسماك والبيض والفواكه والغاز.

ومؤخرا، أعلنت الأمم المتحدة، رسمياً المجاعة في غزة، وهو أول إعلان من نوعه في الشرق الأوسط، وقال خبراؤها إنّ 500 ألف شخص يواجهون جوعاً كارثياً.

وبعد أشهر من التحذيرات بشأن الوضع الإنساني واستشراء الجوع في القطاع الفلسطيني، أكّد التصنيف المرحلي للأمن الغذائي ومقرّه في روما أنّ محافظة غزة (مدينة غزة وحدها) التي تغطي نحو 20% من قطاع غزة، تشهد مجاعة.

وجاء تحليل المرصد العالمي للجوع بعد أن قالت بريطانيا وكندا وأستراليا والعديد من الدول الأوروبية إن الأزمة الإنسانية في القطاع وصلت إلى "مستويات لا يمكن تصوّرها" بعد ما يقرب من عامين من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وتشكو الأمم المتحدة منذ فترة طويلة من عقبات تواجه إدخال المساعدات الإنسانية وتوزيعها، وعزت تلك العوائق إلى القيود التي تفرضها إسرائيل وانعدام الأمن.

في المقابل، رفضت "إسرائيل"  نتائج تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الذي أعلن المجاعة في غزة، زاعمة أنه يستند إلى "أكاذيب"، وأن لا وجود للمجاعة في القطاع الفلسطيني.

يشار إلى أن هذه هي المرة الخامسة خلال 14 عاماً التي يعلن فيها التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي عن رصد مجاعة في العالم.

والتصنيف المرحلي المتكامل هو مبادرة تشارك فيها 21 منظمة إغاثة ووكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات إقليمية بتمويل من الاتحاد الأوروبي وألمانيا وبريطانيا وكندا.

وأعلن التصنيف من قَبل وجودَ مجاعة في مناطق في الصومال في 2011 وفي جنوب السودان في 2017 و2020 وفي السودان في 2024.

هندسة التجويع

رئيس جمعية النقل الخاص في قطاع غزة ناهض شحيبر أكد أن الاحتلال الاسرائيلي يتعمد سياسة هندسة التجويع في قطاع غزة، ونشر المجاعة بين المواطنين، من خلال رفضه إدخال اللحوم والمجمدات والبيض والغاز، واقتصار الأمر على إدخال عدد قليل من الشاحنات المحملة بكميات محدودة من الخضروات والفواكه والدقيق والمعلبات والبقوليات والوقود.

وأوضح شحيبر لـ"الاستقلال" أن الاحتلال يسمح فقط لـ3 تجار بإدخال الشاحنات التجارية للقطاع، وما زال يرفض حتى الآن اعتماد أسماء 50 تاجر آخرين لإدخال الشاحنات التجارية.

وبين أن الاحتلال يعمل على إدخال الوقود للمؤسسات الدولية والشاحنات التي تنقل المساعدات والبضائع، وكذلك للمستشفيات فقط، بكميات محدودة لا تكفي حاجتهم المطلوبة.

وأرجع ارتفاع أسعار السلع الموجودة بالأسواق المحلية إلى تعمد الاحتلال انتشار الفوضى من خلال تفشي ظاهرة سرقة شاحنات المساعدات، عدا عن تعمده لاقتصار دخول السلع التجارية للقطاع، بعد دفعهم الأموال لجهات تابعة له بحجة التنسيق، مستدركا :" من المفترض أن يتم التنسيق دون جباية أو دفع أي مال لأي جهة كانت، لكن الاحتلال يتعمد ذلك، لرفع قيمة السلع، وعدم تمكين المواطنين كافة من شرائها، بالتالي استمرار التجويع".

وبشأن عدم سماح الاحتلال بإدخال الغاز منذ شهور طويلة، أكد أنهم قدموا طلبات للسفارة الأمريكية والمؤسسات الدولية للتدخل لدى الاحتلال الإسرائيلي لإدخال الغاز، لكن دون جدوى، فجميع الطلبات قوبلت بالرفض، مشيرًا إلى أن ادخال الاحتلال عدد أكبر من المساعدات وشاحنات التجار خلال الأيام الماضية، يأتي لتحسين صورته أمام العالم وتضليل رواية انتشار المجاعة بقطاع غزة، وكذلك يأتي في سياق التبرير للتمهيد من أجل دخول القطاع.

سياسة التقطير والإغراق

بدوره، رأى أحمد أبو قمر الخبير الاقتصادي أن ما يتم إدخاله من شاحنات إلى قطاع غزة لا يتعدى 15% من حاجة السكان بمعدل يومي يقدر بـ80 شاحنة، مشيرا إلى القطاع يحتاج إلى قرابة 700 شاحنة محملة بأصناف مختلفة من الأغذية والمواد الصحية والنظافة وغيرها، لتبلي احتياجه اليومي وتخرجه من عمق المجاعة.

وقال أبو قمر لـ"الاستقلال" إن "إسرائيل" ترفض حتى الآن أي شكل من أشكال ادخال المساعدات بالصورة التي تحفظ كرامة المواطنين، فجزء منهم يعتمدون على سرقة المساعدات، وجزء قليل جدا يستفيد منها من خلال شرائها من الأسواق، ما يحرم البقية من العدالة الاقتصادية".

وأضاف :" الاحتلال يرفض بشكل قاطع التنويع بالأصناف الذي يسمح بدخولها للقطاع كاللحوم والمجمدات والمواد الصحية والمنظفات والغاز، ويتعمد إدخال سلع لا يحتاجها المواطنين بكثرة، كالبقوليات والمعلبات وسلع أخرى بكميات قليلة وبأسعار باهظة تفوق قدرة المواطنين على شرائها كالفواكه والخضروات".

وشدد على أن التنويع بالأصناف والسلع مطلوب، لكن "إسرائيل" تتعمد إبقاء حالة المجاعة دون القضاء عليها، بالتالي تفاقم معاناة المواطنين وانتشار الأمراض، وتكدس السلع بالأسواق لدى الباعة والتجار، لاكتفاء المواطنين بشراء حاجتهم من المعروض منها.

ولفت إلى أن "اسرائيل" تعمل وفق سياسة التقطير من خلال دخول كميات قليلة جدًا من السلع بحيث إبقاء الندرة بالأسواق، وسياسة الإغراق بإدخالها كميات كبيرة من سلع معينة في بعض الأوقات، كإدخاله كميات كبيرة من الدقيق فترة التهدئة ليصل سعره لحوالي 5 شواكل، في حين سمح بإدخال كميات قليلة من الخيام والفواكه والمجمدات تلك الفترة.

وأكد المختص الاقتصادي أن المواطن في قطاع غزة، يعيش حرب اقتصادية كبيرة بالتواري مع الحرب العسكرية، وفق مخططات وأساليب تعمل " اسرائيل" على تكريسها .

وفي وقت سابق،  قالت أكثر من مئة منظمة غير حكومية في رسالة مشتركة إن القواعد الإسرائيلية الجديدة التي تنظم عمل مجموعات المساعدات الأجنبية تستخدم بشكل متزايد لرفض طلباتها لإدخال الإمدادات إلى قطاع غزة.

وجاء في الرسالة: "رفضت القوات الإسرائيلية طلبات عشرات المنظمات غير الحكومية لإدخال إمدادات منقذة للحياة،  وتُركت في مخازن في الأردن ومصر وأسدود محتويات مساعدات إنسانية بقيمة ملايين الدولارات، تشمل طعامًا وأدوية ومياه ومعدات طوارئ.

وبحسب الرسالة التي وقعتها منظمات مثل أوكسفام وأطباء بلا حدود، رُفض 60 طلبًا على الأقل لإدخال المساعدات إلى غزة في شهر يوليو/ تموز وحده.

ومنذ 2 مارس/آذار الماضي، تغلق "إسرائيل" جميع المعابر المؤدية إلى غزة، مانعة دخول أي مساعدات إنسانية، ما أدخل القطاع في حالة مجاعة، رغم تكدس شاحنات الإغاثة على حدوده، والسماح بدخول كميات محدودة لا تلبي الحد الأدنى من احتياجات المجوعين الفلسطينيين.

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ترتكب "إسرائيل" بدعم أمريكي إبادة جماعية في غزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.

التعليقات : 0

إضافة تعليق