"الجدوى المفقودة".. خلافات القيادة الإسرائيلية تفضح مأزق الحرب على غزة

تقارير وحوارات

غزة / معتز شاهين:
في الوقت الذي تتواصل فيه آلة الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، يتكشف صراع داخلي جديد داخل أروقة صنع القرار في تل أبيب. فقد برز خلاف حاد بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وبعض القيادات العسكرية والسياسية، وعلى رأسهم رئيس الاركان إيال زامير ، حول مستقبل العملية العسكرية في القطاع. وبينما يتمسك نتنياهو بخطاب "الحسم الكامل"، يرى معارضوه أن استمرار الحرب بلا أفق سياسي أو إستراتيجية خروج قد يجرّ إسرائيل إلى مأزق طويل الأمد يهدد استقرارها الداخلي وعلاقاتها الخارجية. هذا الانقسام يعكس حجم التصدع داخل المؤسسة الإسرائيلية في ظل ضغوط دولية متزايدة وميدان ملتهب لا يهدأ.
ويرى محللون أن حالة "الارتباك والانقسام" داخل كيان الاحتلال لا تعكس فقط أزمة داخلية، بل ترتبط أيضًا بمتغيرات دولية ومواقف خارجية قد تعجّل بتغيرات مفصلية في مسار الحرب ومآلاتها.
ويُوضح المحللون، في أحاديث منفصلة مع صحيفة "الاستقلال"، أن التصريحات الأمريكية التي تصدر بين الحين والآخر، ورغم طابعها العلني المتحفظ، تنطوي على رسائل ضمنية تهدف إلى الدفع نحو تهدئة محسوبة، خاصة في ظل تنامي الضغوط الدولية وتزايد الإحراج الذي تتعرض له الإدارة الأمريكية نتيجة استمرار العدوان.
وصعّد رئيس أركان جيش الاحتلال، إيال زامير، تحذيراته من خطة احتلال مدينة غزة، داعيًا نتنياهو إلى قبول وقف إطلاق النار للإفراج عن الأسرى. وأعرب عن قلقه من أن تصعيد العمليات العسكرية قد يُعرّض حياة الأسرى المتبقين للخطر المحدق.
ويوم الاثنين، صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن الحرب في قطاع غزة "قد تنتهي خلال الأسابيع القليلة المقبلة"، دون أن يوضح الآليات أو الأطراف الضالعة في أي اتفاق محتمل.
وأشار، خلال لقاء في المكتب البيضاوي مع الرئيس الكوري الجنوبي، إلى تواصله "المكثف" مع بنيامين نتنياهو، مؤكدًا أنه حثه على ضرورة إنهاء الحرب "قريبًا".
وفي ظل هذا الواقع المتأزم، تحاول حكومة الاحتلال عرقلة أي مسار سياسي من خلال مهاجمة الدورين المصري والقطري في الوساطة، متهمةً إياهما بالانحياز لحماس، وفق القناة 12 العبرية، ويأتي هذا التصعيد تمهيدًا للبحث عن وسيط بديل يمنح نتنياهو مزيدًا من الوقت لتنفيذ خطته في غزة، القائمة على التدمير والتهجير القسري.
كسب للوقت
يرى الكاتب والمحلل السياسي د. سعيد أبو رحمة أن كيان الاحتلال يعيش حالة من "الارتباك والتباين العميق" في التقديرات السياسية والعسكرية بشأن استمرار العملية العسكرية في غزة، في ظل ضغوط أمريكية متزايدة ومساعٍ لإعادة رسم خارطة الوساطة الإقليمية.
وفي حديثه لـ"الاستقلال"، علّق أبو رحمة على الخلاف القائم بين رئيس الأركان أيال زامير ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، واعتبره مؤشرًا على انقسام فعلي داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
وأوضح أن "المؤسسة العسكرية تُدرك حدود القوة وتسعى إلى تسوية، في مقابل إصرار نتنياهو على المضي في الحرب لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، خاصة مع احتمال اقتراب الانتخابات".
وأضاف أن نتنياهو قد يُحمّل رئيس الأركان مسؤولية أي فشل عسكري في غزة، مستبعدًا تحمّل المسؤولية شخصيًا، مشيرًا إلى أن "استخدام القيادات الأمنية ككبش فداء للهروب من الفشل" هو نهج متكرر في التاريخ السياسي الإسرائيلي.
وفيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي من المقترح الأخير الذي نقله الوسطاء، أوضح أن عدم رد "إسرائيل" حتى الآن يندرج ضمن "حرب نفسية" تهدف إلى كسب الوقت بانتظار تغيّرات ميدانية أو سياسية قد تعزز موقفها التفاوضي.
وأكد أن هذا الصمت لا يعني الحياد، بل يشكّل موقفًا تفاوضيًا مقصودًا ضمن استراتيجية الضغط على المقاومة والوسطاء الإقليميين.
مناورة تفاوضية
يرى المختص في الشأن الإسرائيلي د. عدنان الأفندي أن التوتر المتصاعد بين رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ورئيس الأركان أيال زامير بشأن خطة "احتلال غزة" يعكس شرخًا عميقًا في منظومة القرار السياسي والعسكري داخل كيان الاحتلال.
وأوضح الأفندي، لـ"الاستقلال"، أن نتنياهو يتعامل مع هذا الملف بمنظور المصلحة الشخصية، ساعيًا إلى إطالة أمد الحرب للبقاء في الحكم، وتجنّب الملاحقة القضائية في قضايا الفساد التي تلاحقه.
وأشار إلى أن زامير عبّر صراحة عن رفضه لاجتياح مدينة غزة، معتبرًا أن جيش الاحتلال يفتقر للإمكانيات البشرية واللوجستية الكافية لتنفيذ هذه الخطوة، داعيًا إلى قبول الصفقة المطروحة على الطاولة، في إشارة إلى صفقة تبادل الأسرى. في المقابل، يواصل نتنياهو تجاهل هذه الدعوات، متمسكًا بخيار التصعيد العسكري.
وفي تعليقه على تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن "الحرب على غزة قد تنتهي خلال أسبوعين"، رأى الأفندي أن هذا التصريح ينطوي على رسالة ضغط واضحة لإسرائيل، لدفعها نحو التهدئة والقبول بصفقة جزئية، خاصة في ظل تصاعد حملات التضامن الدولي مع غزة وتزايد الحرج السياسي للإدارة الأمريكية.
واعتبر أن رفض "إسرائيل" للمقترح المصري القطري الأخير يُعد جزءًا من مناورة تفاوضية تهدف إلى إبقاء جميع السيناريوهات مفتوحة، بما في ذلك اجتياح غزة أو القبول بصفقة جزئية لاحقًا، دون الإضرار بالعلاقة مع واشنطن.
وفي ما يخص مسار المفاوضات، أشار الأفندي إلى وجود توجه إسرائيلي لنقل الوساطة إلى طرف جديد مثل الإمارات أو دول أوروبية، كخطوة للتهرب من المبادرة المصرية التي تحظى بقبول دولي وفلسطيني.
لكنه استبعد إمكانية إقصاء الدور المصري بالكامل، مؤكدًا أن القاهرة ستبقى طرفًا محوريًا في أي اتفاق، انطلاقًا من مصالحها الأمنية والاستراتيجية.

التعليقات : 0

إضافة تعليق