غزة/ معتز شاهين:
تنطلق قمة شرم الشيخ في مصر وسط تطلعات كبيرة لتثبيت وقف الحرب المدمرة على غزة، لكنها تقف على مفترق طرق بين الطموح السياسي والتشكيك الواقعي. تتصاعد المخاوف من أن تتحول هذه المبادرة الدولية إلى مجرد حدث دبلوماسي استعراضي يفتقر إلى أدوات التنفيذ والتأثير الفعلي.
وعلى الرغم من الزخم غير المسبوق الذي تحظى به القمة، بمشاركة أكثر من 20 زعيمًا دوليًا من بينهم ترامب، وماكرون، وستارمر، إلا أن غياب الفصائل الفلسطينية الرئيسية عن طاولة المفاوضات يثير تساؤلات جوهرية حول جدوى مخرجات المؤتمر وقدرته على تحويل الطموحات السياسية إلى خطوات عملية على الأرض.
وأجمع مختصان في الشأن السياسي، في حديثين منفصلين مع صحيفة "الاستقلال" أمس الأحد، على أن قمة شرم الشيخ قد تشكّل "فرصة حاسمة" لوضع حد للمأساة الإنسانية المتواصلة في غزة، إلا أنهما حذّرا من غياب التمثيل الفلسطيني الفاعل عن طاولة النقاشات، مؤكدَين أن "لا حل يمكن فرضه دون مشاركة ممثلي الأرض والشعب".
وتستضيف مصر، اليوم الاثنين، قمة دولية في مدينة شرم الشيخ، بمشاركة أكثر من 20 من قادة وزعماء العالم، بهدف وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق شامل لإنهاء الحرب في قطاع غزة. وتأتي القمة بدعوة من جانب مصر والولايات المتحدة، التي تسعى إلى إطلاق المرحلة التالية من خطتها للسلام، بما يشمل التوصل لاتفاق نهائي لوقف إطلاق النار، ووضع ترتيبات ما بعد الحرب في القطاع، لا سيما ما يتعلق بالحكم والأمن وإعادة الإعمار.
ومن المقرر أن يصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى مصر ظهر الاثنين بعد زيارة لكيان الاحتلال، يلقي خلالها خطابًا أمام الكنيست ويجتمع بعائلات الأسرى الإسرائيليين الذين سيُطلق سراحهم من جانب حركات المقاومة في غزة، قبل أن يشارك في مراسم التوقيع الرسمية على اتفاق وقف إطلاق النار، برفقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وعدد من قادة الدول الضامنة للاتفاق.
وشهدت الساعات الماضية تأكيدات متتالية من عدد كبير من القادة على حضورهم القمة، بمن فيهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، بالإضافة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، وآخرون.
مؤتمر بلا ضمانات
الكاتب والمحلل السياسي د. سعيد أبو رحمة يرى أن قمة شرم الشيخ تمثل محاولة جديدة لمأسسة وقف الحرب على غزة، والسير نحو تسوية سياسية برعاية مصرية وأمريكية، لكنها تبقى رهينة الإرادة السياسية وآليات التنفيذ.
وأوضح أبو رحمة خلال حديثه مع "الاستقلال" أمس الأحد، أن أي اتفاق يخرج من القمة سيكون ذا قيمة إنسانية إذا تضمن وقفًا فعليًا لإطلاق النار، وتحرير الرهائن، وفتح المعابر، لكنه حذر من أن تتحول القمة إلى مجرد "استعراض دبلوماسي يستهلك الوقت الإعلامي دون نتائج ملموسة".
وأكد أن نجاح القمة لن يُقاس بالتوقيع على الاتفاقات، بل بمدى القدرة على تنفيذها فعليًا على الأرض، خاصة بوجود آليات رقابة دولية وإقليمية تُلزم الاحتلال بالامتثال.
وحول دلالة الحضور الدولي المكثف، بما يشمل قادة كبار مثل ترامب، ماكرون وستارمر، أشار أبو رحمة إلى أن ذلك "يعكس عودة القضية الفلسطينية إلى أولويات بعض العواصم الغربية والعربية"، لكنه نبه إلى أن "الحضور وحده لا يكفي لقياس الجدية، بل يجب مراقبة الخطوات الفعلية والضمانات العملية للتنفيذ".
كما شدد على أن غياب الفصائل الفلسطينية الفاعلة عن طاولة القمة يُضعف فرص نجاح أي اتفاق، مؤكدًا أن "لا حل يمكن أن يُفرض دون مشاركة ممثلي الأرض والشعب"، لا سيما في ظل تأكيد إعلان نيويورك على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وحذر أبو رحمة من أن تتحول القمة إلى غطاء دولي وعربي لتمرير خطة ترامب كأمر واقع، مؤكدًا أن "اختزال القرار الفلسطيني وتجاوزه يقوّض فرص الحل العادل، ويحوّل الفلسطينيين إلى طرف تابع بدلًا من أن يكونوا أصحاب القرار".
عقبات محتملة
من جهتها ترى الكاتبة والمحللة السياسية د. رهام عودة أن نتائج مؤتمر شرم الشيخ الذي يُعقد اليوم الاثنين في مصر ستكون في الأغلب توصيات دولية عامة لوقف الحرب على غزة، مع التركيز على خطة إعادة الإعمار وإشراك السلطة الفلسطينية في المرحلة التالية، مشيرة إلى أن المؤتمر قد يضع الأساس لما يشبه "الوصاية الدولية على القطاع".
وقالت عودة لـ"الاستقلال" إن مخرجات القمة "لن تكون قرارات مُلزمة، بل مجرد توصيات تركّز على دعوة المانحين الدوليين للمساهمة في إعادة الإعمار، وربما الدعوة لنشر قوات دولية في القطاع"، لافتة إلى أن الجو العام يشير إلى ترتيب ما يُعرف بـ"اليوم التالي للحرب"، بعيدًا عن إشراك الأطراف الفلسطينية الفاعلة.
وأَضافت عودة أن الحضور الدولي الرفيع، الذي يضم أكثر من 20 زعيمًا من بينهم ترامب، وماكرون وستارمر، يعكس محاولة لإضفاء شرعية دولية على ما يُوصف بأنه تقدم في المرحلة الأولى من المفاوضات. كما يحمل هذا الحضور رسائل واضحة بدعم الرؤية الأمريكية، وتحديدًا خطة ترامب التي تروج لإدارة دولية في غزة تشرف على إعادة الإعمار، مع تهميش واضح لحركة حماس واستبعادها من أي دور في المرحلة المقبلة.
واعتبرت أن تغييب المقاومة الفلسطينية، إلى جانب تغييب "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، يكشف عن رغبة في تفادي أي حساسيات سياسية قد تعيق التوافق الدولي، لكنها حذّرت من أن "فرض سياسة الأمر الواقع دون موافقة المقاومة سيؤدي إلى عقبات في تنفيذ أي اتفاق"، مضيفة أن "هناك حديثًا عن عقد مؤتمر فلسطيني داخلي لاحقًا، لبحث توصيات الدول المانحة، على أن يكون القرار وطنيًا وجماعيًا".
وفيما يخص مخاوف تحويل خطة ترامب إلى أمر واقع بغطاء عربي ودولي، قالت د. عودة إن "الخطة تبدو بمثابة مرحلة انتقالية مؤقتة للتخلص من تداعيات الحرب، وليست حلًا سياسيًا نهائيًا"، مضيفة: "لن يكون هناك بديل عن إجراء انتخابات فلسطينية شاملة، وتشكيل حكومة وطنية موحدة تدير الضفة والقطاع معًا".
التعليقات : 0