صفقة الأسرى... انتصار الصمود الفلسطيني في وجه العدوان

صفقة الأسرى... انتصار الصمود الفلسطيني في وجه العدوان
تقارير وحوارات

غزة / معتز شاهين:
شكّلت صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي محطةً مفصلية في مسار الصراع، إذ لم تكن ثمرةَ الوساطات الدولية فحسب، بل جاءت تتويجًا لصمود الشعب الفلسطيني وتضحياته المتواصلة.
وفقا لمحللين سياسيين قد مثّلت الصفقة إنجازًا وطنيًا بارزًا أعاد رسم ملامح المشهدين السياسي والعسكري، وأكد قدرة المقاومة على فرض إرادتها وتحقيق مكاسب ملموسة، أبرزها الإفراج عن أسرى المؤبدات، في خطوةٍ عُدّت انتصارًا للثبات الفلسطيني أمام آلة الحرب الإسرائيلية.
وأجمع المحللون في أحاديث منفصلة مع صحيفة "الاستقلال"، أمس الأربعاء، على أن الصفقة كان لها تداعيات كبيرة على جيش الاحتلال، إذ تكبّد خسائر جسيمة في العتاد والجنود، ويواجه انهيارًا في المعنويات إلى جانب أزمة داخلية ومالية خانقة، ما دفع القيادة السياسية الإسرائيلية إلى البحث عن مخرج يحفظ ماء وجهها.
وأفرجت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، يوم الاثنين، عن 20 أسيرًا إسرائيليًا، بينما أطلقت قوات الاحتلال 1716 فلسطينيًا من سكان القطاع عند مجمع ناصر الطبي، إضافة إلى 250 فلسطينيًا محكومًا بالسجن المؤبد، نقلوا إلى الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وإلى الخارج.
فيما، أعلنت وزارة الصحة بغزة أمس الاربعاء، عن استلام 45 جثماناً لشهداء أفرج الاحتلال الإسرائيلي عنهم أمس، بواسطة منظمة الصليب الأحمر الدولية.
وقالت الوزارة، في تصريح مقتضب وصل "الاستقلال"، إن إجمالي عدد جثامين الشهداء المستلمة يرتفع إلى 90 جثماناً، في الوقت ذاته سلمت المقاومة اللجنة الدولية للصليب الأحمر جثامين 8 أسرى إسرائيليين في مدينة غزة، ضمن تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع.
ويأتي هذا ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة والاحتلال، الذي بدأ تنفيذه ظهر يوم الجمعة الماضي. ويستند الاتفاق إلى خطة اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتتضمن مجموعة من البنود الأساسية، أبرزها: وقف الحرب، انسحاب تدريجي لجيش الاحتلال، تبادل الأسرى، وضمان دخول فوري للمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
انتصار الإرادة
أكد الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح أن صفقة تبادل الأسرى الأخيرة جاءت ثمرة مباشرة لصمود المقاومة الفلسطينية وبطولات الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده، إلى جانب التحرك الفاعل للجبهات الإقليمية المساندة، ما دفع الاحتلال إلى القبول بالشروط والجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وأوضح الصباح لـ"الاستقلال"، أمس الأربعاء، أن الاحتلال تكبّد خسائر فادحة خلال الحرب، بينما حافظت المقاومة على ثباتها ورفضها لأيّ تنازل، مستندةً إلى صمود الشعب الفلسطيني، ولا سيّما في غزة والضفة والقدس، وإلى دعم جبهات المقاومة في لبنان واليمن والعراق، فضلًا عن الموقف الإيراني.
وأشار إلى أن الضربات اليمنية المتواصلة شكّلت ضغطًا فعليًا على الاحتلال، ما عجّل برغبته في إنهاء الحرب والبحث عن مخرج من "الورطة التي ورّط نفسه بها"، على حدّ تعبيره.
وأضاف الصباح أن المعركة لم تكن محصورة في الجغرافيا الفلسطينية فقط، بل امتدت إلى “جبهة الكراهية العالمية"، في إشارةٍ إلى تنامي الأصوات الرسمية والشعبية المناهضة للاحتلال في عددٍ من دول أمريكا اللاتينية وأوروبا، مثل كولومبيا والبرازيل وجنوب إفريقيا وإسبانيا وتشيلي، والتي كان لها تأثير مباشر على مستوى الضغط الدولي.
ولفت إلى أن الإفراج عن الأسرى بعد سنواتٍ طويلةٍ من الاعتقال يُمثّل علامة فارقة في تاريخ النضال الفلسطيني، إذ أعاد الأمل إلى عائلاتٍ طال انتظارها لعقود.
وقال:" صحيح أن الأثمان كانت كبيرة، لكن في تاريخ الشعوب لا تتحقق الانتصارات من دون تضحياتٍ جسيمة، ومن يصمد ويثبت على أهدافه يستطيع أن ينتزع حريته."
ورأى الصباح أن الصفقة تُجسّد حقيقة أن تحقيق الإنجازات ليس حلمًا بعيد المنال، بل نتيجة حتمية للإرادة الشعبية والمقاومة، معتبرًا أن "الإفراج عن الأبطال داخل سجون الاحتلال، الذي كان يُعتقد أنه مستحيل، أصبح اليوم حقيقة واقعة."
وتوقف الصباح عند التجربة التفاوضية الفلسطينية، قائلًا:" شعبنا جرّب طريق المفاوضات لسنواتٍ طويلة، وكانت النتيجة تراجعًا مستمرًا، بينما جاءت هذه الصفقة نتيجةً للصمود والتضحية، مؤكداً، أن التاريخ يثبت أن الإنجازات الحقيقية لا تتحقق بالمفاوضات ولا بالدبلوماسية الناعمة، بل بالتضحيات والدماء.
واعتبر المحلل السياسي أن هذه التجربة أعادت التأكيد على أن المقاومة هي الطريق الأجدى لتحقيق الحقوق الوطنية، وأن الشعوب حين تثبت وتتمسك بأهدافها، فإنها قادرة على فرض إرادتها مهما بلغت التحديات، متوقعًا أن تفتح الصفقة مرحلة جديدة في الوعي الوطني، تُرسّخ قناعةً بأن الإرادة أقوى من القوة.
ثمرة صمود
واتفق المحلل السياسي الفلسطيني فايز سويطي مع سابقه في الرأي، بأن صفقة وقف إطلاق النار الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي جاءت ثمرةً مباشرة لصمود الشعب الفلسطيني وتضحيات الشهداء، مؤكدًا أن المقاومة نجحت في فرض إرادتها على الاحتلال، سواء في ميدان القتال أو على طاولة المفاوضات.
وشدد سويطي خلال حديثه مع صحيفة "الاستقلال"، أمس الأربعاء، أن الاحتلال اضطر لقبول شروط المقاومة تحت وطأة الضربات والخسائر الثقيلة التي مُني بها، سواء في الميدان أو على الصعيد الداخلي.
ووصف أداء المقاومة خلال المعركة بأنه “إبداعي ومتوازن”، مشيرًا إلى أنها أدارت المواجهة سياسيًا وعسكريًا باحتراف، وتعاملت مع الضغوط الدولية بذكاء ومرونة، عبر ما سماه "سياسة نعم ولكن"، من دون أن تتنازل عن الثوابت الوطنية، وعلى رأسها التمسك بسلاحها وحقها في إدارة قطاع غزة.
وأشار سويطي إلى أن صفقة تبادل الاسرى أعادت الأمل لعائلات الأسرى الفلسطينيين وأدخلت الفرحة إلى بيوتهم، مرجّحًا وجود تفاهمات غير معلنة تتعلق بأسماء أسرى رفض الاحتلال الإفراج عنهم في هذه المرحلة، وقد تُطرح ملفاتهم في جولات تفاوضية لاحقة.
وتوقف، عند التداعيات العسكرية والنفسية على جيش الاحتلال، مؤكدًا أنه تكبّد خسائر جسيمة في العتاد والجنود، ويعاني من انهيارٍ في المعنويات وأزمةٍ داخليةٍ وماليةٍ خانقة، ما جعل القيادة السياسية الإسرائيلية تبحث عن مخرجٍ يحفظ ماء وجهها.
واعتبر أن صمود الشعب الفلسطيني وتضحيات المقاومين كانت العامل الحاسم في فرض المعادلة الجديدة، مشددًا على أن "الشعب الذي يصمد لا يُهزم، بل ينهض من تحت الركام أكثر قوة وصلابة".
كما رأى سويطي، أن الرواية الفلسطينية تعاظمت مقابل تراجع الرواية الإسرائيلية عالميًا، مشيرًا إلى أن الوعي الدولي بدأ يتبدل لصالح القضية الفلسطينية، خاصة بعد أن انكشفت جرائم الاحتلال أمام الرأي العام في الغرب.
وفي ختام حديثه، شدد المحلل السياسي على أن هذه الصفقة ليست مجرد توقف للقتال، بل نصر سياسي ومعنوي لشعبٍ صامد، ومقدمة لمرحلة جديدة تعزز مكانة المقاومة الفلسطينية وقضية الأسرى على المستويين الإقليمي والدولي، مؤكدًا أن “كل حربٍ يخوضها الشعب الفلسطيني تُقرّبه أكثر من حريته المنشودة”.

التعليقات : 0

إضافة تعليق