بقلم رئيس التحرير / خالد صادق
جمعني لقاء حواري بالأمس مع نخبة من الكتاب والمحللين السياسيين نظمه مركز حوار للدراسات, وكان السيد هاني المصري هو المتحدث الرئيسي في اللقاء, وتم الحديث عن الأوضاع في الضفة الغربية, والأوضاع في قطاع غزة, وملف الحوار الداخلي الفلسطيني الذي دعا اليه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس, المزمع اجراؤه نهاية الشهر في القاهرة , والانتخابات الداخلية الفلسطينية, وفشل مسار التسوية ووصوله الى طريق مسدود, وغياب اية حلول ممكنة من خلال ما يسمى بمسار السلام, وتقييم التجربة النضالية لشعبنا الفلسطيني وفصائل المقاومة وتحديدا في جنين التي خاضت معركتها الأخيرة في وجه الاحتلال, وتباين الفعل المقاوم في مناطق الضفة, الأمر الذي يسمح لإسرائيل بتمرير مخططاتها في الضفة, وتنفيذ مشروعها التوسعي الاستيطاني, والحقيقة ان كل الملفات التي تم طرحها للنقاش سواء ملف حوار القاهرة المزمع, او ملف الانتخابات, او مسار التسوية انتهت كلها الى محصلة واحدة وهى «صفر» كبير, وكان هناك اجماع على ان نتائج حوار القاهرة محسومة مسبقا بالفشل, لأن كل ما يسبقها من اعتقالات على يد السلطة, وحصار للمقاومة وتضييق الخناق عليها, والإصرار على تجريمها ومنع أي فعل شعبي حتى ولو كان سلميا, لأن السلطة محكومة باتفاقيات لا يمكنها ان تتخلص منها, حتى وان كانت إسرائيل تحللت من كل الالتزامات تجاه السلطة, لكن السلطة هي الطرف الأضعف الذي يمكن الضغط عليه دائما, والزامه بالتقيد بقيود الاتفاقيات التي وقعت عليها, ولا تملك السلطة أي خيار اخر سوى خيار التسوية وهى تدرك ان مبرر وجودها هو مدى التنسيق والتعاون الأمني مع الاحتلال, واكثر من ذلك فإسرائيل باتت تتحدث اليوم عن شراكة امنية مع السلطة وليس مجرد تعاون امني, وان دورها الوظيفي الموكل اليها من الاحتلال هو حفظ امن إسرائيل ووأد الفعل المقاوم الفلسطيني, وتمكين «إسرائيل» من تنفيذ مشروعها الاستعماري التوسعي في الضفة, وهى تتحدث عن دور مشابه تماما لدور جيش لحد الجنوبي العميل, ولكن بلباس فلسطيني رسمي, وهذا من شأنه ان ينسف كل الجهود الممكنة لجسر الفجوة بين السلطة والفصائل بالحوار.
السيد هاني المصري قال ان الانتخابات تبنى على قدر من التوافق والاهداف بين مشروع التسوية والمشروع المقاوم, وانا لا أرى ما يمكن البناء عليه في «المشروعين» لانهما متناقضان تماما كل منهما يسير في اتجاه مضاد للآخر, لذلك المطلوب أولا تغيير المسار وإقناع السلطة انها تسير في مسار خاطئ نهايته الحتمية المزيد من الفشل, فالقواسم المشتركة يجب ان تبنى على أسس وقواعد متينة مستمدة من ثوابت شعبنا الفلسطيني وقائمة على خيار المقاومة كخيار استراتيجي لا بديل عنه, وحق مكفول وفق القوانين الدولية, لان الحقوق لا تمنح انما تنتزع انتزاعا, فأي نجاح للحوار الفلسطيني الداخلي يتطلب تغيراً في القناعات والمفاهيم, وتحولا جذرياً في سلوك السلطة, فشعبنا الفلسطيني لم يقدم كل هذه التضحيات, لأجل تحسين أوضاعه المعيشية, وانعاش اقتصاده المدمر بفعل سطوة إسرائيل وعنجهيتها والسماح لها وفق الاتفاقيات الموقعة مع السلطة على الحاق الاقتصاد الفلسطيني بها, وتوقيع السلطة على اتفاقية باريس الاقتصادية الكارثية التي بموجبها فإن إسرائيل تتحكم في أدق تفاصيل الحياة الاقتصادية الفلسطينية من خلال سيطرتها المطلقة على الموانئ والمعابر، وربط الموافقات الاقتصادية بالبعد الأمني، وضمن الغلاف الجمركي الموحد, ووضعت الاتفاقية قيودا مشددة على حركة الصادرات والواردات باشتراط عدم تعامل الاقتصاد الفلسطيني مع دول لا تقيم علاقات سياسية أو تجارية مع إسرائيل أو في حالة حرب معها, وباتت عائدات الضرائب سببا في أزمات السلطة المالية المتكررة، فضلا عن استخدام إسرائيل أموال الإيرادات الجمركية التي تحصلها نيابة عن السلطة «كورقة ضغط وابتزاز سياسي»، وتعمد إلى حجزها وعدم تحويلها لخزينة السلطة رغم أنها تحصلها في مقابل 3% كرسوم تحصيل وإدارة, علينا ان ندرك ان مسار التسوية الهزلي الذي تسلكه السلطة والذي لا ترى بديلا عنه, هو سبب كل الازمات التي يعاني منها شعبنا, ازمة الانقسام, وأزمة الحوار الفلسطيني الداخلي, وأزمة الأوضاع المعيشية التي يعيشها شعبنا.
حوارات النخبة من الكتاب والمحللين السياسيين غالبا ما تنتهي بحالة جدل وتباين في الآراء واختلاف في المواقف وطريقة حل الازمات, وكما قال احد المتداخلين ان هذه تبقى حالة صحية, لأنها في النهاية قد توصلنا الى حلول رغم تباعد المسافات, لكن حتى نكون واقعيين فالمتحاورون يتناقشون بقناعات فكرية مسبقة, سواء مستقاة من انتماء حزبي, او توجه يميني او يساري او ليبرالي او غيره, وفي النهاية تبقى الحلول غائبة, وما خلص اليه الحوار انه يجب ان يتم تشكيل جبهة وطنية تضم اكبر عدد ممكن من الفصائل الفلسطينية والقوى المجتمعية تقوم على أساس تبني قضايا شعبنا الفلسطيني والتمسك بثوابته والحفاظ على تاريخه النضالي, لمواجهة استفراد جهة بعينها بالقرار الفلسطيني دون الدخول في مناكفة سياسية مع السلطة الفلسطينية وتؤسس لشراكة وطنية حقيقية من اجل خلق قوة سياسية فاعلة ومؤثرة على الأرض تستطيع صنع القرار, وتضم الكل الفلسطيني, اما ان نبقى في هذا المربع من الخلاف والتباين في المواقف, فهذا يعني ان المحصلة ستبقى واحدة ونتيجتها الحتمية وحصادها الدائم «صفر كبير» فهل يمكننا ان نخرج من هذه الحالة لواقع افضل؟!, هل من مجيب؟!.
التعليقات : 0