بقلم رئيس التحرير / خالد صادق
لأنه صاحب القرار الأول والأخير وكعادته دائما فاجأنا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بإقالة اثني عشر محافظا من محافظي الضف28ة, دون ان يحدد أسباب اقالتهم, فقد عودنا دائما ألا يناقشه احد في قراراته, وانه صاحب الرأي الأول والأخير, وليس دفاعا عن المحافظين او شعورا انهم لا يستحقون الإقالة, بل بالعكس ما حدث لهم اشفى صدورنا لانهم كانوا يعملون لصالحهم, ويكتسبون حتى اذا ما جاءتهم تلك اللحظة بإقالتهم من مناصبهم يكونون قد حققوا اكبر المكاسب والإنجازات الشخصية, فجلهم عسكريون وتربوا في أحضان دايتون وفي كنف التنسيق الأمني والتجارة مع الاحتلال, لكن محمود عباس أراد ان يوجه هذه الصفعة لهم لأسباب عدة , منها انه شعر ان كل من حوله بدأ يتحدث عن مرحلة ما بعد محمود عباس, وكأن الرجل فقد السيطرة تاما على الأمور واكتسب هؤلاء المحافظين ثقة الاستمرار في مواقعهم على اعتبار ان رئيس السلطة ضعيف ولا يقوى على اتخاذ أي قرارات تدخله في بوابة المناكفات معهم, ثانيا انه اتهم أمريكيا واسرائيليا انه فقد السيطرة على المدن في الضفة, وانه لم يعد يتحكم بالميدان فاراد ان يثبت لهم انه لا زال الامر الناهي والزعيم المطاع, ثالثا انه أراد ان يكمل صورة اجتماع العلمين عندما جمع جل الفصائل الفلسطينية حوله, وسوق نفسه انه من يقود المرحلة ويحدد السياسات ويمثل الجميع, ورأي في تغيير المحافظين خطوة متقدمة للبدء في حقبة التغيير والتبديل في المواقع لأنه يريد ولاءات اكبر وايمان اكثر بسياسته, واشعار الجميع انه الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه, وقد ظهر هذا عندما اجتمع مع قادة الأجهزة الأمنية في الضفة, ووبخهم على أدائهم الضعيف في قمع المقاومة والشعب الفلسطيني, وعدم قدرتهم على التحكم في الميدان,. فإقالة عدد من المحافظين هو خطوة أولى لاقالات وتغييرات قادمة في شتى المجالات دون استبعاد لإقالة رؤساء أجهزة امنية يتهمهم بالتقصير وعدم القدرة على قمع الشعب والمقاومة، محمود عباس قال لمن ينتظر موته ان اباه عاش 103 أعوام وانه لن يموت الان, ومن يستعد لمرحلة ما بعد عباس عليه ان ينتظر طويلا, وبدأ يمارس سطوته ويظهر قوته على من حوله ممن ينتظرون موته.
على المقلب الاخر أجمعت فصائل فلسطينية، وممثلون عن المجتمع المدني، ووجهاء ومخاتير، أمس الإثنين، على ضرورة إجراء انتخابات الهيئة المحلية في قطاع غزة. جاء ذلك في أعقاب اجتماع وطني تشاوري دعت لحركة «حماس» للتباحث حول إمكانية إجراء تلك الانتخابات. وأكد بيان ختامي، على أهمية وضرورة إجراء الانتخابات، حفظًا لحق الشعب الفلسطيني في اختيار من يمثله, والحقيقة ان قطاع غزة وفي ظل الحصار المفروض عليه والذي يدخل عامه السابع عشر, غير مؤهل بتاتا لإجراء انتخابات محلية, فمن يتولى البلديات مثلا يحتاج الى خطط تطوير ومشاريع ضخمة واموال باهظة, وهذا الامر ليس سهلا, ومن يشغل موقعا عليه ان يأتي بالأموال لتمويل مشاريع البناء والتطوير, والا فانه سيسقط تماما على المستوى الشعبي, وسيمثل هذا بالنسبة له ولحزبه الذي ينتمي اليه انتكاسة شعبية ستؤثر عليه وحزبه في أي انتخابات قادمة, لذلك علينا ان نعترف ان الانتخابات المحلية ملهاة, وتحتاج الى مواصفات خاصة, فلا يمكن ان يقود البلديات الا من يدير شؤون قطاع غزة في ظل هذا الحصار الذي نعيشه منذ زمن, والذي فاقم من ازماتنا المعيشية والحياتية ودمر البنية التحتية تدميرا كاملا في قطاع غزة, فمن يدير قطاع غزة هو الوحيد القادر على تدبير الحد الأدنى من الأموال لتمويل المشاريع التطويرية والبنى التحتية, والا فعلينا ان نفطر في خصخصة البلديات وادارتها من رجال اعمال وهذا سيمثل عبئاً إضافياً على المواطن الفلسطيني الذي يعاني الفقر والبطالة وقلة الدخل, فمجرد تركيب عدادات ذكية لتغذية البيوت بالكهرباء, وجدنا كل هذا الغضب والحراك في الشارع الغزي, فما بالكم لو اضيفت اليها أعباء مالية أخرى تقع على عاتق المواطن في ظل هذه الأوضاع المعيشية الصعبة, فالحديث عن انتخابات محلية يمثل قفزة في الهواء لن نجني من ورائها شيئا, لأنه ليس هناك أي فصيل فلسطيني يمكن ان يتحمل أعباء إدارة البلديات في القطاع, فإدارة البلديات محرقة والناس لن ترحم الذي يفشل في تخفيف الأعباء عنهم, او من يفرض عليهم أعباء مالية, فمعنى ان تدير احدى البلديات أي عليك ان تسعى إلى تحسين الأوضاع وتخفيف الأعباء عنهم.
يجب ان نعترف ان لجوء المتنفذين للبحث عن حلول لا يأتي الا بعد تفاقم الازمات وتشعبها, وليس من باب الاريحية والقدرة على العطاء, اقالة المحافظين على يد الرئيس التسعيني محمود عباس تأتي في محاولة منه لأنها الحديث عن حقبة ما بعد محمود عباس التي تتحدث فيها «إسرائيل» والإدارة الامريكية ودول اقليمية والطامحون ممن هم حوله, والذين ينتظرون لحظة الخلاص منهم, ففاجأهم انه لا زال في ريعان شبابه, وانه الرجل الأقوى والذي ينبعث كالصبح من وسط الظلام ولن يغيب نجمه او تأفل شمسه ابدا, والدعوة للانتخابات البلدية تأتي في ظل زيادة الحمل والاعباء الملقاة على لجنة متابعة العمل الحكومي, التي ارهقتها الميزانيات واموال التشغيل, وارادت اشراك الفصائل في حمل المسؤولية معها, لكن الفصائل لا تملك الحلول, فكلها تعاني من سوء أوضاعها المالية, ولن تستطيع ان تخدم الشعب في ظل هذا الواقع الصعب, نحن لا نتحدث عن وقف الحوارات والبحث عن حلول لإجراء الانتخابات المحلية, لكن علينا ان نعترف ان خياراتنا محدودة, وان المسلك الذي نمضي به مفروض علينا فرضا, وليس لنا أي خيار لأننا لا نملك اية مسالك أخرى فاحملوا حملكم الثقيل.
التعليقات : 0