مع قُرْبِ دخولِ قرارِ الاحتلالِ حيِّزَ التنفيذ

مختصُّون: استعدادُ الأمَم المتّحدة وقْف عمل "أونروا" خطيرٌ ومؤسِفٌ وغيرُ مسبوق

مختصُّون: استعدادُ الأمَم المتّحدة وقْف عمل
تقارير وحوارات

غزة/ سماح المبحوح:

في الوقت الذي يعاني فيه قطاع غزة من إبادة جماعية ومجاعة وتشريد؛ بفعل استمرار حرب الاحتلال الضروس على القطاع منذ ما يقارب من خمسة عشر شهرًا، وزيادة الاستيطان وسلْب الأراضي بالضفة الغربية، تزداد مخاوف اللاجئين من تداعيات وقْف أنشطة عمل "أونروا" في تلك المناطق؛ بسبب قرار كنيست الاحتلال الإسرائيلي. 

 

ومع قُرْب دخول قرار الكنيست الإسرائيلي بحظر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من العمل في الأراضي التي يسيطر عليها الاحتلال حيِّزَ التنفيذ، قال مسؤولون في الأمم المتحدة: "إنهم يستعدون لإغلاق عمليات (الأونروا) في قطاع غزة والضفة الغربية؛ بذريعة أنه بدون التنسيق مع جيش الاحتلال، فإن حياة العمّال في خطر، ولن يتمكّنوا من تقديم المساعدة للفلسطينيّين".

 

 وحذّر المسؤولون من أنه إذا فرضت قوّات الاحتلال الإسرائيلية القوانينَ الجديدة؛ فلن تتمكّن أيّة منظمة أخرى من استبدال "أونروا"، وأن عملياتها الإنسانية الحيوية في غزة سوف تتوقف في وقت تهدِّد فيه المجاعة معظمَ سكان القطاع.

 

وفي أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، صادق الكنيست الإسرائيلي على قانون يحظر أنشطة "أونروا" في الأراضي التي تحتلها، وتقرّرَ حينها أن يدخل الحظر حيِّزَ التنفيذ الشهر الحالي، بعد 90 يوماً على سَنِّ القانون.

 

ولاحقاً، أعلنت الدول الأوروبية الواحدة تلو الأخرى وقْفَ تمويل وكالة "أونروا"، من بينها: السويد وسويسرا وهولندا، في المقابل، زادت قطر وإسبانيا دعمهما للأونروا وصوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة مرّة أخرى لصالح دعمها الوكالة.

 

يُشار إلى استشهاد أكثر من 250 عاملاً بـ"أونروا" في حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة، حسب إحصاءات الأمم المتحدة.

  انصياعٌ لأوامرِ الاحتلال

المحلِّل السياسيّ تيسير محيسن رأى أن استعداد الأمم المتحدة لوقف أنشطة عمل "أونروا" في الضفة الغربية وقطاع غزة، يمثِّل سابقة تاريخية "مؤسِفة"، معتبراً ذلك انصياعاً كاملاً لقرار الاحتلال الإسرائيليّ.

 

وقال محيسن لـ"الاستقلال" إنه: "في الوقت الذي من المفترض فيه أن تكون الأمم المتحدة حامية للقانون الدولي وتشريعاته، من المؤسِف أن تنساق بشكلٍ كاملٍ وتامّ مع قرارات الاحتلال الإسرائيلي، ما يُعتبر سابقة تاريخية غير مقبولة".

 

وأضاف: "من أخلاقيات الأمم المتحدة الأدبية والقانونية والسياسية أن تتراجع عن هذا الابتذال، وأن تبقى طرفاً محايداً ونزيهاً غيرَ مُنصاعٍ لأيّةِ ضغوط وسياسات تمارسها حكومات وأنظمة ديكتاتورية ظالِمة".

 

وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي عمِل منذ سنوات على هدم "أونروا" في سياق هجمته الشرسة لتدمير أعمدة القضية الفلسطينية، مُشدِّداً على أن قضية اللاجئين التي ما زالت قائمة تمثّل عنواناً من عناوين ديمومة القضية الفلسطينية وحيويتها.

 

واستبعد محيسن أن تذهب الأمم المتحدة "للخطيئة" بحقّ قضية عادلة عملت على احتضانها مند عقود، متوقعاً أن تبادر دولٌ إقليمية ودولية للحديث معها؛ لثنيها عن التوجُّه لتنفيذ القرار لانعكاساته الخطيرة وما يمثله من انتهاك صارخ ومَعيب للقانون الدولي الذي تُعنَى بحمايته.

 

ولفت النظر إلى أنه في حال تنفيذ الأمم المتحدة القرار، سيُلقي ذلك بظلاله السلبية على واقع الشعب الفلسطيني الذي يعاني في كل أماكن وجوده من جرائم الاحتلال، خاصة قطاع غزة الذي يعاني منذ أكثر من عام من تدمير مقدّراته كافة، مضيفاً: "في حال وصلت الأمم المتحدة لمستوى الانحدار بقراراتها، فإن الوضع سيكون كارثياً على اللاجئين في مناطق وجودهم كافة بالأراضي المحتلة والشتات".  

مجزرةٌ جديدة

مدير المكتب التنفيذي للّاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية بالضفة الغربية ناصر شرايعة، حذّر من التداعيات الخطيرة لإبداء الأمم المتحدة استعدادها وقْفَ أنشطة "أونروا" في القدس والضفة وقطاع غزة، معتبراً قرار الاحتلال مجزرة جديدة بحقّ اللاجئين.

 

وأكّد شرايعة لـ"الاستقلال" على رفض اللجان الشعبية للقرار؛ لِمَا يمثله من زيادة لمعاناة اللاجئين في تلك المناطق، مشيراً إلى مراسلتهم الدول الأعضاء بالأمم المتحدة والدول المانحة والداعمة لصندوق "أونروا"؛ للضغط على "إسرائيل" لوقف القرار.

 

وشدّد على أن "أونروا" مؤسّسة دولية؛ وُجِدَت من أجل تقديم الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها وإتاحة فرص عمل للّاجئين الذين هُجِّروا من أراضيهم قسرًا، وأن إنهاء عملها يأتي بقرار أممي بعد تحقيق حلمهم بعودتهم لأراضيهم ذاتها التي هُجِّروا منها وتعويضهم عمّا قامت به عصابات المستوطنين.

 

وأوضح أن اللّاجئين في مناطق عمل "أونروا" الخمس بالضفة وغزة والأردن وسوريا ولبنان يعتمدون بشكلٍ أساسٍ على الخدمات المُقدَّمَة لهم، وفي حال إنهاء عملها فإن أوضاعهم المعيشية ستزداد سوءًا، خاصّة في قطاع غزة الذي يعاني من إبادة جماعية وتشريد وتجويع بفعل الحرب الإسرائيلية المستمرة لأكثر من عام.

 

يُشار إلى أنه في نوفمبر (تشرين الثاني) 1948، أسّست الأمم المتحدة منظمةَ "هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين"؛ لتقديم المعونة للّاجئين الفلسطينيين وتنسيق الخدمات التي تُقدَّم لهم من المنظمات غير الحكومية وبعض المنظمات الأممية الأخرى.

 

وبعدها بعامٍ واحد، تأسّست وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى بموجب قرار الجمعية العامة رقم 302، وسُمِّيَت اختصاراً "أونروا" لتكونَ وكالة مخصَّصَة مؤقتة لخدمة الفلسطينيين، على أن تُجدَّد ولايتها كلَّ ثلاث سنوات؛ لغاية إيجاد حلٍّ عادل للقضية الفلسطينية.

 

وبدأت "أونروا" أُولَى عملياتها في الأول من مايو (أيار) 1950، وتولّت مهمات هيئة الإغاثة التي تأسّست من قبل، وتسلّمت سجلات اللاجئين الفلسطينيين من اللجنة الدولية للصليب الأحمر لمساعدة 750 ألف لاجئٍ فلسطينيّ آنذاك، إلّا أنها اليوم وبعد سبعة عقود من نشأتها تخدم 5.9 مليون شخص في جميع أنحاء الشرق الأوسط، يعيش كثيرٌ منهم في مخيمات اللّاجئين في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، كذلك في الأردن ولبنان وسوريا.

التعليقات : 0

إضافة تعليق