استهداف المستشفى المعمداني.. الاحتلال يقطع آخر أنفاس الحياة شمال غزة

استهداف المستشفى المعمداني.. الاحتلال يقطع آخر أنفاس الحياة شمال غزة
تقارير وحوارات

غزة/ دعاء الحطاب:
في غزة المُدمرة، لم يعد الصراخ يكفي لرواية الوجع، ولم تعد الكلمات توازي حجم الجريمة، فحينما استهدف الاحتلال الاسرائيلي المستشفى الأهلي المعمداني - آخر قلعة طبية تحتض المرضي والجرحى- لم يسقط البناء فحسب ، بل سقطت معه أنفاس تنتظر النجاة ، وأرواحاً كانت تتشبث بالحياة.
" إحنا اليوم بدون مستشفى، وبدون أي خدمة طبية، بأي لحظة ممكن أن نموت حتي وإن كان المرض أو الإصابة طفيفة".. كلماتٍ قالتها الجريحة إيمان العصار (24 عاما) لـ" الاستقلال"، بصوتٍ غلبتها الدموع المكبوتة، لتُلخص جُرحاً مفتوحاً في خاصرة الإنسانية.
وتتلقي "ايمان" العلاج في مستشفى المعمداني عُقب إصابتها بجروح بالغة في البطن وكسور في القدم اليمنى، نتيجة استهداف اسرائيلي لمركز الإيواء المقيمة به قبل ثمانية شهور.
وتُضيف إيمان بحسرة وألم:" الاحتلال يُريد قتلنا بالطرق كافة، يقتلنا بالقصف و الجوع و التعطيش و باستهداف المشافي، يُريد أن يقتل كل ما تبقى فينا"، مُستدركة:" تخيلوا الآن أنا ومئات الجرحى والمرضى بلا مأوي ولا مشفي ولا أي خدمة طبية!! ، جميع المستشفيات الميدانية ممتلئة ونحن بانتظار انشاء مستشفى يحتوينا".
وقصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي، فجر أمس الأحد، مستشفى الأهلي العربي "المعمداني" وسط مدينة غزة، بعدة صواريخ، مما أدى إلى تدمير مباني العمليات الجراحية ومحطة توليد الأكسجين ومبنى الاستقبال والطوارئ، وخروج المستشفى عن الخدمة.
وتسبب قصف المستشفى، التي كانت تؤوي أيضاً مئات النازحين، في فرار جماعي لعشرات المرضى والجرحى بعضهم بحالة حرجة، وباتوا يرقدون في الشوارع المحيطة بالمستشفى وهم في حالة صعبة وخطيرة.
وقال مدير عام وزارة الصحة في غزة د. منير البرش، إن الاحتلال يواصل انتهاك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني بتدمير المنشآت الصحية واستهداف الكوادر الطبية.


وبين البرش في تصريحات صحفية، أن الاحتلال استهداف مستشفى المعمداني "الوحيد الذي يعمل في مدينة غزة".
وأشار إلى المصابون الذي تم إجلاؤهم من المستشفى باتوا ليلتهم في الطرقات بعد استهداف الاحتلال للمستشفى، فيما استشهد أحد المصابين خلال عملية الإجلاء.
وشدد البرش على أن خدمات طبية أساسية مفقودة في القطاع الصحي، وأن أصحاب الأمراض المزمنة يعانون بشدة نتيجة عدم توفر العلاج الخاص بهم.
جريمة إنسانية
وبدوره، اعتبر مدير مجمع الشفاء الطبي بغزة محمد أبو سلمية، أن استهداف "اسرائيل" للمستشفى المعمداني "جريمة انسانية" جديدة تُضاف الى سلسلة الجرائم المرتكبة بحق المنظومة الصحية والمستشفيات بالقطاع، ضمن مسلسل حرب الإبادة المتواصل بحق الشعب الفلسطيني منذ السابع من اكتوبر عام 2023م.
وقال أبو سلمية لـ "الاستقلال":" أن الاحتلال يرتكب المزيد من القتل والاجرام بحق أبناء شعبنا، حيث ارتكب جريمة إنسانية بشعة باستهدافه مستشفى المعمداني الذي يُعد ركيزة العمل الصحي بمدينة غزة وشمالها عُقب خروج مجمع الشفاء عن الخدمة".
وأوضح أن المعمداني كان المستشفى الوحيد الذي يضم غرف عناية مكثفة، غرف عمليات، وقسم طوارئ، وكان في خدمة مئات المرضى والجرحى والطواقم الطبية والمرافقين لحظة الاستهداف، كما يُقدّم خدماته الصحية لأكثر من مليون فلسطيني في محافظتي غزة وشمال غزة، في ظل انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية.

وبين أن الاحتلال باستهدافه المستشفى المعمداني حكم على مئات الجرحى والمرضي بالموت المُحقق، مُضيفاً: "اليوم لن نجد غرف عناية ولا غرف عمليات لمئات الجرحى والمرضي الذين هم بحاجة الى عمليات طارئة، حتى مرضي السرطان والكلي جميعهم في خطر حقيقي بعد خروج المستشفى عن الخدمة".
وأشار الى هناك عشرات الجرحى والمرضي مازالوا مُتكدسين خارج المستشفى ويُعانون الويلات بسب عدم وجود أماكن لاستيعابهم بالمستشفيات الميدانية بغزة.
وناشد المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الانسان ووزارة الصحة العالمية، بالوقوف أمام مسؤولياتهم لضغط على الاحتلال لوقف حرب الابادة على غزة، والعمل على ترميم المنظومة الطبية واقامة المزيد من المستشفيات الميدانية وادخال المستلزمات الطبية وأطباء مختصين بالجراحة والعظام حتى تتمكن من إنقاذ حياة المرضي والجرحى قبل فوات الآوان.
وشدد على ضرورة مُحاسبة "اسرائيل" على جرائمه البشعة بحق المستشفيات والطواقم الطبية باعتبارها محمية موجب القانون الدولي الإنساني، مؤكداً أن افلات المستمر من العقاب والمسائلة يشجعها على ارتكاب المزيد من الجرائم.
ويذكر أن الاحتلال دمّر أكثر من 80 مركزًا صحيًا وأكثر من 140 سيارة إسعاف منذ بدء حرب الإبادة، فيما يواصل تدمير المنظومة الصحية في القطاع بشكل ممنهج.
جريمة مركبة
في حين، أكد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، د. صلاح عبد العاطي، أن قصف طائلات الاحتلال الاسرائيلي لمستشفى المعمداني وتدمير قسم مبنيي الطوارئ والاستقبال ومحطة الأكسجين، وإجبار الطواقم الطبية والمرضي والجرحى على إخلاء المستشفى خلال 18دقيقة فقط، جريمة مُركبة ضد الإنسانية والتاريخ تستوجب المساءلة الفورية.
وأوضح عبد العاطي لـ "الاستقلال"، أن مستشفى الأهلي المعمداني من أوائل المستشفيات التي أنشأتها الكنيسة الارسالية المعمدانية في انجلترا عام ١٨٨٢، وتديره حاليًا الكنيسة الأسقفية في القدس، الأمر الذي جعل استهدافه جريمةً مركبة باستهداف القطاع الصحي بهدف تعميق الابادة الجماعية.
وبين أن استهداف المستشفى يُشكل تهديداً مباشرًا لحياة الجرحى والمرضى، جراء توقف الخدمات الصحية الحيوية، وخاصة عمليات المستشفى، كما يُشكل اعتداءً أحد أقدم المرافق الطبية والتاريخية التي لطالما قدمت الرعاية الصحية لسكان شمال غزة ومدينة غزة، في ظل تدمير وإغلاق ٣٥ مستشفى في المنطقة.
وحذر عبد العاطي من استمرار التخاذل الدولي المٌشين والفاضح عن وقف جرائم استهداف القطاع الصحي وتدمير المستشفيات واخراجها عن الخدمة، في إطار تعميق الأزمات الانسانية بهدف وإبادة السكان وتهجيرهم بجعل غزة منطقة منكوبة غير صالحة للحياة، وخالية من الخدمات الإنسانية والصحية.
وشدد على أن ما يجري بغزة، يؤكد استهتار الاحتلال بحق الفلسطينيين في الحياة والصحة، وتجاهله الصارخ لجميع قواعد القانون الدولي الإنساني، التي وفرت حماية خاصة للمستشفيات والكوادر الطبية والعاملين في المجال الإنساني حمايةً خاصة.
وناشد المجتمع الدولي والأمم المتحدة ودول العالم للتحرك العاجل لوقف جريمة الإبادة الجماعية، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والأدوية والمستلزمات والمعدات الصحية والأطباء والمستشفيات الميدانية وضمان إجلاء الجرحى والمرضى للمستشفيات خارج الأراضي الفلسطينية.
كما طالب بضرورة فرض عقوبات على قوة الاحتلال الإسرائيلي ومحاكمة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحق المستشفى، مع ضمان الحماية الدولية للمدنيين والقطاع الصحي والعاملين فيه.

التعليقات : 0

إضافة تعليق