رمضان في غزة.. قلوبٌ حزينة وزينة وفوانيس غائبة

رمضان في غزة.. قلوبٌ حزينة وزينة وفوانيس غائبة
تقارير وحوارات

غزة/ دعاء الحطاب:

"اضاءات بأجمل الألوان، نجوم وأهله نحاسية مُتدلية من الأسقف، أحبال زينة ورقية ممتدة بين الأزقة والشوارع، فوانيس تصدح بأغنية رمضان الشهيرة "حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو" ، هدايا وألعاب مصفوفة أمام أبواب المحالات، واكتظاظ الناس حولها"، جميعها مظاهرٍ وبضائع اختفت من أسواق قطاع غزة المُدمرة، بعد تعرضه لحرب الإبادة الاسرائيلية في السابع من أكتوبر عام 2023م.

 

ففي كُل عام، ومع بدء العد التنازلي لحلول شهر رمضان، كانت أسواق غزة ومحالها التجارية تتزين بأجمل الفوانيس وأحبال الزينة المميزة والاضاءات الملونة ابتهاجاً واحتفالاً بالشهر المبارك، إلا أن هذا العام كان مختلفاً تماماً، فحجم المأساة التي يعيشها سكان القطاع أنستهم كافة أشكال الفرح وحالت دون الاحتفال بقدومه.

 

وفي حصيلة مروعة تكشف حجم الدمار غير المسبوق الذي خلفته الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة خلال 470 يوماً، وثّقها المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة خسائر أولية تجاوزت 38 مليار دولار، في عملية تدمير ممنهج طالت كل مناحي الحياة.

 

وتشير الأرقام إلى أن قوات الاحتلال ألقت نحو 100 ألف طن من المتفجرات على القطاع، مما أدى إلى تدمير نحو 90% من بنيته التحتية، وفي قطاع الإسكان تضررت نحو 440 ألف وحدة سكنية بشكل كلي أو جزئي، مما جعلها غير صالحة للسكن.

 

وطال الدمار البنية التحتية للخدمات الأساسية، حيث دُمر 330 ألف متر طولي من شبكات المياه، وأكثر من 650 ألف متر طولي من شبكات الصرف الصحي، ونحو 2.8 مليون متر طولي من شبكات الطرق والشوارع، إضافة إلى 3700 كيلومتر طولي من شبكات الكهرباء.

 

وفي أكثر الإحصائيات إيلاما، خلفت الحرب نحو 39 ألف طفل يتيم بعد أن أباد الاحتلال نحو 7 آلاف عائلة بالكامل، في مشهد يعكس حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها سكان قطاع غزة.

فوانيس حزينة

استيقظت أم جمال طه صباح اليوم الأول لرمضان على صوت أطفالها الثلاثة مطالبين إياها بإحضار والدهم إلى الخيمة كي يجلب لهم "فوانيس رمضان" الذي اعتاد على إحضارها لهم كُل عام.

 

بكت" أم جمال" كثيراً لأنها تُدرك استحال تنفيذ طلب أبنائها، فزوجها ارتقي شهيداً قبل يومٍ واحد فقط من وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

 

وبعد ثوانٍ قليلة بدأ الأطفال بالبكاء الشديد لغياب والدهم، وفقدانهم الأجواء الرمضانية المميزة التى كان يصنعها لهم كُل عام. وفق قولها لـ" الاستقلال".

 

وأضافت بعيونٍ تملئها الدموع:" اعتاد زوجي على شراء ثلاثة الفوانيس قبيل حلول شهر رمضان وتوزيعها على أطفالنا، وتزين المنزل بهلال رمضان والستائر المضيئة وأحبال الزينة الورقية، أما اليوم فلا أب موجود، ولا فوانيس ولا زينة ولا منزل".

 

 "أم جمال" لم تستطع الصمود طويلاً أمام حزن أطفالها، فقامت بشراء ثلاثة فوانيس وتعليق حبل زينة ورقية بزاوية الخيمة، لعلها تمنح أطفالها بعضاً من السعادة.

 

وتتابع بألم:" حاولت التغلب على ألم الفراق، بشراء الفوانيس والزينة لأطفالي ، لكن للأسف لم تمنحهم الكثير من السعادة، فسعادتهم كانت تكمن بوجود والدهم".

زينة غائبة

فيما تُعبر المواطنة أم قاسم النمروطي عن حسرتها قائلة: "رمضان هذا العام حزين، لم نشعر بأجوائه و فرحة قدومه، أطفالنا وكبارنا مكلومون ومظلومون جميعهم فقدوا أحبابا وأصحابا وأقارب لهم، لا زينة ولا فوانيس".

 

وتُضيف خلال حديثها لـ" الاستقلال" :" سابقاً كنا نشعر بأجواء رمضان قبل قدومه بشهر أو شهرين، فالأسواق كانت تعج بالزينة والفوانيس والالعاب، ادوات المنزل والبضائع الخاصة برمضان كالتمور والعصائر والمحلات والقطايف، جميعها كانت تمنحنا الفرحة والسعادة".

 

وتتابع بابتسامة حزينة:" كان الجميع مهتمون بالتحضير لاستقبال رمضان وتعليق الزينة وشراء الفوانيس، وتغير شراشف السفرة، لكن للأسف اليوم تبدلت الأحوال وغابت الزينة بسبب ويلات الحرب اللعينة التي نعيشها منذ أكثر من 15 شهراً".

 

وأوضحت أن أهالي غزة باتوا منشغلون بهمومهم، فالبعض يبحث عن أبنائهم المفقودين تحت الأنقاض، والبعض الأخر يحاول إزالة ركام بيته واستصلاح مكاناً للعيش به، وآخرون يحاربون الموت في الخيام، الكثيرين يبكون على شهدائهم ومعتقليهم وجرحاهم، إضافة إلى رحلة البحث المُستمر عن الطعام والشراب في ظل ارتفاع الأسعار وشح المياه.

لا مكان للفرح

وداخل سوق النصيرات الشعبي، وضع البائع ابراهيم سالم بعض الفوانيس القديمة وأحبال الزينة الورقية على " بسطة" صغير أمام محله التجاري الذي كان مخصصاً لبيع الهدايا والالعاب والزينة الرمضانية، قبل تدميره من قبل طائرات الاحتلال الاسرائيلي منتصف العام الماضي.

 

ويقول سالم خلال حديثه لـ"الاستقلال":" القلوب لم يعد فيها أي مكان للفرح، الكل مكلوم ومجروح"، مستدركاً " أن حجم المأساة التي يعيشها سكان غزة بسبب حرب الإبادة التى استنزفت كل شيء، أنستهم كل أشكال الفرح وحالت دون الاحتفال لقدوم شهر رمضان والاستعداد ".

 

وأضاف وعلامات البؤس تبدو واضحة على وجهه:" الناس في هذا الوقت يبحثون عن الطعام والماء فقط، كيف سيفكرون في زينة رمضان والاحتفالات بالشهر؟".

 

ويتابع سالم وهو ينظر إلى البسطة: " هذه الفوانيس والزينة قديمة كتير استخراجها من تحت ركام المحل، وضعتها على البسيطة قبل رمضان بيومين وحتى اللحظة لم أبيع منها سوى أربعة فوانيس والقليل من أحبال الزينة رغم أن سعرها لم يتغير" منوهاً إلى أن سعر الفانوس  10 شواكل، فيما يبلغ ثمن حبل الزينة شيكل واحد.

 

وأوضح أن التجار في الأعوام السابقة كانوا يستوردون  كميات كبيرة جدا من الزينة الرمضانية بأنواعها وأسعارها المختلفة قبل حلول رمضان بشهرين تقريباً، لكن الظروف الحالية منعتهم من ذلك.

 

وأشار إلى أنه كان يُجهز محله كل عام بما يقارب 50ألف شيكل، وينفذ ما لديه من بضائع خلال الأسبوع الأول من عرضها بالمحل، لكن اليوم كمية الزينة بالاسواق  قليلة جداً ولا أحد يشتري.

التعليقات : 0

إضافة تعليق