بعد حرمان 15 شهراً

الغزيون يؤدون صلاة التراويح في المساجد بقلوب تغمرها السعادة

الغزيون يؤدون صلاة التراويح في المساجد بقلوب تغمرها السعادة
تقارير وحوارات

غزة/ دعاء الحطاب:

على ضوء انارة خافت يشق الحاج أبو نبيل حماد (64 عاماً) طريقه الى المسجد المُجاور لمنزله بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، مُتلهفاً لأداء صلاة التراويح الأولى بعد حرب الإبادة الإسرائيلية التي استمرت لـ 15شهراً، وسلبت من الغزيين أرواحهم وممتلكاتهم ومساجدهم.

 

ولم يتحمل "حماد" مشاعر الفرح عند دخوله المسجد، فبدأ بذرف الدموع بغزارة واحتضن الأرض ساجداً شكراً لله بأن أعاد فتح المساجد رغم دمارها واحياء صلاة التراويح بعد أن سرق الاحتلال بهجتها العام الماضي.

 

ففي كُل عام، وقبيل شهر رمضان المُبارك، تتزين مساجد القطاع بأجمل الألوان والفوانيس، والمصابيح تنير المآذن ابتهاجاً بشهر الصيام، كما تتنافس المساجد فيما بينها لاستقطاب الأئمة أصحاب الأصوات العذبة، لكن الحرب المسعورة على غزة حرمتهم منها منذ رمضان الماضي.

 

ويحل رمضان على الفلسطينيين بغزة هذا العام وسط مشهد قاتم غير مسبوق من الدمار والمعاناة، بعد الإبادة الإسرائيلية التي حولت القطاع المحاصر إلى "منطقة منكوبة".

عودة الروح للجسد

مرت لحظات انتظار افتتاح بوابة المسجد مساء اليوم الأول برمضان كأنها ساعات، من شدة شوق المُصلين لدخولها والصلاة فيها، بعد حرمان لم يمر مثله في التاريخ. وفق وصفهم.

 

ويقول حماد خلال حديثه لـ "الاستقلال":" لم أعش أقسى من هذه الحرب طوال عمري، فقد بكينا قهراً لحرماننا من سماع صوت الأذان، وصلاة الجماعة، وبالأخص صلاة التراويح والاعتكاف بالمساجد خلال رمضان الماضي".

 

ويتابع:" لم نكن نتخيل يوماً أن ننقطع عن صلاة الجماعة في المسجد، فمنذ صغرنا نرافق آبائنا للصلاة بالصف الأول، فلم نذق حرمان كهذا في التاريخ".

 

وأضاف بابتسامة حزينة:" العودة لصلاة التراويح بالمساجد أشبه بعودة الروح الى الجسد، الا انه هناك غصة كبيرة تحتل قلوبنا بسبب الدمار الكبير وفقدان الاجواء الرمضانية والسكينة والطمأنينة التي كانت في رمضان ما قبل الحرب".

 

وأوضح أن الكثير من كبار السن حرموا من أداء صلاتي الفجر والعشاء في المساجد المتبقية بسبب الظلام الدامس الذي يُخيم على القطاع نتيجة انقطاع التيار الكهربائي منذ بداية الحرب قبل أكثر من 500يوم.

 

ومع أكوام الركام المتكدسة في معظم شوارع محافظات غزة يصعب على كبار السن الوصول إلى المساجد التي اعتادوا التردد عليها، مما تسبب بغصة في قلوبهم. وفق قوله.

"لن يهدم ايماننا"

وفي منطقة تل الهوى غرب مدينة غزة، وبالتحديد داخل خيمة صغيرة مُجاورة لركام مسجد الأمين مُحمد، تزاحمن نسوةٌ وفتيات في صفوفٍ متراصة لأداء صلاة التراويح التي تبعث بقلوبهن السكينة والطمأنينة، ولسان حالهن يقول:" الاحتلال يهدم المساجد لكنه لن يهدم الايمان في قلوبنا".

 

بعيونٍ لامعة من شدة الفرح، تقول سجي اشتيوي(18عاماً):" مشاعر لا توصف من شدة الفرح، والكلمات لا تسعفني للتعبير عن سعادتي، نشكر الله ونحمده"، مشيرةً الى أنها كانت تخشي أن يأتي رمضان دون أن يكون لنا مسجداً نصلي فيه التراويح.

 

وأضافت خلال حديثها لـ "الاستقلال":" شعرت ان صلاة التراويح اليوم كأنها العيد بغزة، فملامح البهجة والفرح ارتسمت على وجوه المُصلين، وبعض الفتيات أحضرن الحلوى وقُمن بتوزيعها على احتفاءً بفتح المسجد واجتماعهن بعد غياب طويل".

 

" زينة المسجد وإضاءته مئذنته بأجمل الألوان، صوت الإمام وتراتيل آيات القرآن، لُعب الأطفال حول المسجد بإشعال المفرقعات واللعاب النارية، أحاديث النساء بين الركعات وتحت أسوار المسجد، وليالي الاعتكاف وروحانياتها"، جميعها ذكرياتٍ تفتقدها "سجي" برمضان هذا العام.

 

وتتابع بغصة: "في مثل هذه الأيام نكون سعداء برمضان، نلعب ونلهو، ونصلي التراويح بالمسجد، لكن الحرب حرمتنا من كل شيء، ودمروا المسجد، والرجال يصلون بالشارع، ونحن نصلي في خيمة صغيرة".

 

وأوضحت أنه "لا شك أن الحال مؤلماً، لكننا أدركنا أن الصلاة لا ترتبط بالمكان، فالإيمان الذي نحمله في قلوبنا، هو الذي يجعلنا نستمر في حياتنا وفي عبادتنا".

القضاء على العبادة

وتقول وزارة الأوقاف بغزة إن تعمد الكيان الإسرائيلي تدمير المساجد تسبب بمحاولة القضاء على أماكن العبادة وتعطيل برامج العبادة الجماعية مثل التراويح، وقيام الليل، والإفطارات الجماعية، التي كانت جزءًا أساسيًا من الأجواء الروحانية الرمضانية.

 

وبحسب مسؤولين بالوزارة، فإن الاحتلال الإسرائيلي قام بتدمير 1109 منها كلياً وجزئياً، من أصل 1244 مسجداً، بنسبة تصل الى 90% خلال حرب الإبادة الجماعية، فيما فاقت خسائر تلك المساجد نحو 1.2 مليار شيكل.

 

ومنذ اللحظة الأولى التي دمر الاحتلال فيها مساجد قطاع غزة، بين المسؤولون أن وزارة الأوقاف شرعت بإقامة أكثر من 400 مصلى، في مخيمات النزوح ومناطق الإيواء في قطاع غزة.

 

ويُشير المسؤولون إلى أن المصليات المؤقتة التي تم إنشاؤها تتكون من شوادر من النايلون أو الخشب، وأقواس الحمامات الزراعية، وهي مكونات بدائية في محاولة لإرجاع بهجة العبادة من جديد.

 

وتبرز مشكلة أخرى هي توفير الطاقة والكهرباء، فتلجأ "الأوقاف" إلى استخدام البطاريات الصغيرة للإضاءة، والسماعات الكبيرة التي تُشحن على الكهرباء لتغطية العجز الحاصل بسبب انقطاع الكهرباء.

 

التعليقات : 0

إضافة تعليق