إجماع فلسطيني على عدم جدواها الإنساني

خطة المساعدات الأمريكية.. انهيار وفشل منذ يومها الأول

خطة المساعدات الأمريكية.. انهيار وفشل منذ يومها الأول
تقارير وحوارات

غزة / أحمد حمدي:
أجمعت جهات وشخصيات فلسطينية على أن فشل آلية المساعدات الجديدة كانت حتمية ومتوقعة، وأنها لم تكن سوى رهان خاسر من الولايات المتحدة والاحتلال على مشروعية الخطة المرفوضة دوليًا.

وأشارت تلك الجهات إلى أن الخطة كانت تفتقد للواقعية ومنعزلة عن حاجات الناس ومبادئ الكرامة الإنسانية والوطنية.

ومنذ منذ اللحظة الأولى للإعلان عن الخطة الأمريكية المشبوهة لتوزيع المساعدات عبر ما سُمي "منظمة غزة الإنسانية" لتوزيع المساعدات، لم يُقابل تأسيسها بالترحيب بقدر ما قوبل بارتياب واسع وتشكيك في جديتها، وأبعادها الإغاثية والإنسانية.

و خلال عصر يوم الثلاثاء الماضي، اقتحم آلاف الفلسطينيين المدنيين مركز "توزيع المساعدات" الذي أنشأه الاحتلال في رفح جنوبي القطاع، ما أدى لانسحاب طواقم المنظمة المسؤولة عن عملية التوزيع، وسط إطلاق نارٍ في المكان.

بدوره، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن عملية توزيع المساعدات فشلت فشلاً ذريعًا في أول أيام تنفيذ الخطة الإسرائيلية المرفوضة دوليًا.

كما رفض المكتب في بيان أصدره الثلاثاء الماضي، أيّ مشروع يعتمد على ما وصفها بالمناطق العازلة أو "الممرات الإنسانية" تحت إشراف الاحتلال، متهمًا إياه بتجويع المواطنين وقتلهم وإبادتهم.

واعتبر المكتب أن إقامة "غيتوهات عازلة" لتوزيع مساعدات محدودة وسط خطر الموت والرصاص والجوع، لا يعكس نية حقيقية للقضاء على المجاعة، إنما خطوة تُجسّد هندسة سياسية ممنهجة لإدامة التجويع وتفكيك المجتمع الفلسطيني، وفرض مسارات إنسانية مُسيّسة تخدم مشروع الاحتلال الأمني والعسكري.

كما طالب المكتب الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتحرك الفوري والفعّال لإيقاف هذه الجريمة، وضرورة فتح المعابر بشكل عاجل ودون قيود، وتمكين المنظمات الإنسانية من أداء مهامها، بعيداً عن تدخل الاحتلال وأجنداته.

وخلال اليوم الأول من التوزيع، استشهد 3 فلسطينيين وأصيب العشرات بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي، نتيجة سوء التنظيم واستمرار الفوضى طيلة فترة التوزيع.
قفزة خطيرة

بدوره، أكد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، صلاح عبد العاطي، أن حالة الفوضى التي رافقت عملية التوزيع يعيد بالذاكرة إلى ما حذرت منه الهيئة، وباقي مكونات المجتمع الفلسطيني والمنظمات الدولية، باعتبار هذه الخطة تتجاوز المبادئ والمعايير الإنسانية وقواعد القانون الدولي وتمثل "عسكرة للمساعدات الإنسانية".

وقال عبد العاطي في حديث لـ"الاستقلال": "هذه الخطة بمثابة قفزة خطيرة في تهميش المؤسسات الأممية وخاصة وكالة الغوث الدولية وحظر عملها في قطاع غزة، عبر تكريس إدارة ميدانية ذات طابع أمني وهي فشلت لأنها لا تراعي حاجات المواطنين ومبادئ الحيادية".
وأضاف عبد العاطي، "أن الخطة لم تراعِ حاجات المواطنين ومبادئ الحيادية والوصول إلى محتاجي المساعدات، وأجبرتهم على التوجه لمناطق بعيدة في إطار تكريس عمليات النزوح القسري والتغيير الديمغرافي والجغرافي".
كما اعتبر الحقوقي الفلسطيني أن الخطة تمثل استكمالاً لجريمة الإبادة الجماعية من خلال توظيف سلاح التجويع والمساعدات الإنسانية.
عبد العاطي حذّر أيضًا من مغبة التعاون مع الشركة الأمريكية من قبل أي من الشركات المحلية باعتبار ذلك شراكة في جريمة عسكرة المساعدات والإبادة الجماعية وموافقة على توظيف سلاح التجويع وفقًا لمخططات الاحتلال، مطالبًا بضرورة تمكين المنظمات الدولية من حرية العمل بعيدًا عن تدخلات الاحتلال وضمان تدفق المساعدات الإنسانية للسكان في القطاع المحاصر.

استخدام الجوع كسلاح

من جانبه، أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن فشل الآلية الجديدة في توزيع المساعدات يعكس سوء إدارة الوضع الإنساني، ويُجسّد استمرار "إسرائيل" في استخدام الجوع سلاحًا للإبادة الجماعية ضد السكان المدنيين، من خلال فرض سياسات تجويع منهجية تهدف إلى إذلال المجتمع الفلسطيني وإخضاعه بالكامل.
وأشار المرصد في بيان له أن الاحتلال تعمّد إذلال المدنيين عبر احتجازهم بين الأسلاك الشائكة، في حين فشلت الشركة التي تدير العملية في توفير الحد الأدنى من الظروف الملائمة لاستيعاب عشرات آلاف الأشخاص الذين توافدوا إلى المكان على أمل الحصول على ما يسد رمقهم بعد أكثر من شهرين من الحصار الكامل.
ولفت المرصد إلى أن الآف المدنيين اضطروا للسير كيلومترات طويلة نحو نقطة توزيع وحيدة، صُممت بشكل مهين، حيث أُجبروا على دخول ممرات ضيقة مسيّجة، والخروج من ممر مماثل بعد استلام طرد غذائي محدود، في مشهد يتنافى تمامًا مع كرامة الإنسان وأبسط المعايير الإنسانية.
كما ذكر المرصد أنّ عملية التوزيع افتقرت لأي عملية تنظيم، كما أن الشركة الأميركية والقوات التي تحرس المكان فشلت في إدارة الموقف، ما استدعى تدخل قوات الاحتلال عبر الطيران و إطلاق النار في محيط الجموع، ما أدى إلى وقوع إصابات، بعضها نتيجة التدافع.
وبيّن المرصد أن سياسة الفوضى في اليوم الأول للتوزيع يؤكّد مجددًا على ما حذر منه سابقًا، في أن الآلية الإسرائيلية صُمّمت بوضوح كأداة للسيطرة القهرية على السكان المدنيين، مؤكدًا أن هذه الآلية لا تفي بأي من متطلبات الإغاثة المحايدة والفعّالة، بل تُستخدم وسيلة لإخضاع المجتمع الفلسطيني عبر التحكم المنهجي في مقومات بقائه الأساسية.

ولفت المرصد في بيانه، إلى فريقه الميداني رصد حالة من الفوضى العارمة والانهيار التنظيمي الكامل، في ظل غياب أي آلية توزيع عادلة أو محترمة للكرامة الإنسانية، مشيرًا إلى أن عملية التوزيع شهدت احتجاز المواطنين في مجموعات داخل ممرات مسيّجة وتحت رقابة أمنية مشددة، وسط اكتظاظ شديد وظروف غير إنسانية.

كما ذكر المرصد أنّ موقع التوزيع افتقر كليًا إلى البنية التحتية التي تستوعب أعداد المحتاجين، ولم تعتمد عملية التوزيع أي ضوابط واضحة، ما فاقم المعاناة وعمّق الإذلال الجماعي بشكل مقصود.

ودعا المرصد جميع الدول للعمل فورًا على استعادة الوصول الإنساني ورفع الحصار وضمان إنشاء ممرات إنسانية آمنة بإشراف الأمم المتحدة، ومراقبين دوليين مستقلين للتحقق من ضمان وصول الغذاء والدواء والوقود لكامل أرجاء القطاع.
فشل المخططات
من جهتها، أكدت الهيئة العليا لشؤون العشائر في قطاع غزة أن فشل الآلية الإسرائيلية – الأمريكية لتوزيع المساعدات في القطاع، جاء نتيجة استبعاد المؤسسات الدولية العاملة في المجال الإنساني، واستبدالها بشركات أمنية.
وقال رئيس الهيئة حسني المغني، في بيان، إن العشائر والعائلات الفلسطينية تصدّت لمحاولات الشركة الأمريكية تنفيذ مخططها من خلال استغلال السكان، مضيفًا أن الفلسطينيين وقفوا كالصخر في وجه مؤامرة هندسة التجويع الإسرائيلية.
وتابع المغني قائلاً: "إن الآلية كانت تهدف إلى هندسة تجويع شعبنا الفلسطيني عبر الإذلال والاستهداف، وقد انتهت إلى حالة فوضى تعد نتيجة طبيعية لعملية الاستهداف والتجويع، والمحاولات الخبيثة التي تحاول الآلية تحقيقها من خلالها تهجير المواطنين".
وأشار المغني إلى أن فشل الخطة كان متوقعًا، لأنها استبعدت المنظومة الدولية العاملة في القطاع الإنساني منذ ما يزيد عن سبعة عقود، وأعادت إلى الأذهان تجربة شركات بلاك ووتر التي عذبت الشعب العراقي تحت عناوين الحرية والغذاء محاولة تكرار التجربة بصورة مهينة في غزة.
واعتبر المغني أن الشعب الفلسطيني الذي تعرض للتجويع والتنكيل والقتل والتهجير، يقف اليوم صخرة صلبة أمام آلية الجوع وهندسة التجويع في غزة، ويزيل اللثام عن الوجه الحقيقي لآلية الموت والتجويع في القطاع المحاصر.
أما حركة حماس فاعتبرت أن مشاهد اندفاع الآلاف لمركز توزيع المساعدات وما رافقها من إطلاق الرصاص على المواطنين، يمثل فشلاً هذه لهذه الآلية المشبوهة.
وقالت الحركة في بيان، إنّ الآلية تحوّلت إلى فخّ يُعرّض حياة المدنيين للخطر، ويُستغل لفرض السيطرة الأمنية على قطاع غزة تحت غطاء المساعدات.
وأشارت إلى أن الخطة صُمّمت خصيصًا لتهميش دور الأمم المتحدة ووكالاتها، وتهدف إلى تكريس أهداف الاحتلال السياسية والعسكرية، والسيطرة على الأفراد لا إلى مساعدتهم، مما يُعدّ خرقًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي.
كما طالبت الحركة المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، والدول العربية والإسلامية، إلى التحرّك العاجل لوقف هذا المخطط الخطير، والضغط لإلزام الاحتلال بفتح المعابر، وتمكين إدخال المساعدات عبر الأمم المتحدة ومؤسساتها الإنسانية المعتمدة دوليًا.

 

التعليقات : 0

إضافة تعليق