منذ ما يقرب من عامين، يخوض الجيش الإسرائيلي حربا مفتوحة في قطاع غزة بلا نصر ولا أفق، حيث بدأت العملية تحت شعار "تدمير حركة حماس" و"إعادة المختطفين"، لتتحول اليوم إلى أطول حملة استنزاف في تاريخ الجيش الإسرائيلي، وأكثرها كلفة ميدانيا ومعنويا.
وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن المجلس السياسي الأمني المصغر "الكابينت" قد وافق صباح الجمعة 8 أغسطس/آب على اقتراح للتحضير للسيطرة على كامل قطاع غزة.
وجاء المقترح -الذي قلص إلى السيطرة على مدينة غزة فقط- بعد انتهاء حملة "عربات جدعون" من دون تحقيق اختراق في أهدافها المعلنة، وسط تزايد حالات انتحار الجنود، وارتفاع أصوات نخبة أمنية إسرائيلية واسعة تطالب بوقف فوري للحرب وإعادة المختطفين.
معركة من دون حسم
في 18 مارس/آذار 2025، أطلق جيش الاحتلال حملة برية موسعة تحت اسم "عربات جدعون"، ضمن الحرب المستمرة منذ ما يقارب العامين على غزة.
وقال المراسل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت، يؤاف زيتون، في 6 أغسطس/آب الجاري، إن الجيش تعرض لانتقادات لموافقته على خوض عملية عسكرية برية أصبحت بلا جدوى في الأشهر الأخيرة، من دون الاقتراب من هزيمة حماس أو تحرير المحتجزين، ومع استمرار استنزاف قواته.
ونقل زيتون عن قائد سرية برتبة رائد احتياط في الهندسة القتالية -التي تنتمي إلى لواء مدرع نظامي عملت حتى وقت قريب في أحياء الشجاعية والزيتون"- أنه أرسل رسالة داخلية في الأيام الأخيرة مع انتقادات حادة لأداء القوات ومهامها في القطاع.
وجاء في الرسالة "إن عمل فرقة بأكملها بلواء واحد فقط أمرٌ غير منطقي من أي منطق عملياتي، والنتيجة على الأرض: قوات تتحرك من دون سياق، من دون استمرارية، ومن دون هدف واضح. ويشعر الجنود بهذا الشعور جيدا، ليس فقط من خلال العبء الزائد، بل أيضا من خلال الشعور بالتخلي التام".
وأضاف أن "هناك غياب للهدف ومفهوم قتالي ضعيف، والشعور السائد على الأرض هو أن الجيش ليس هنا لتحقيق النصر، بل لتسجيل النصر للإعلام والسياسة"، مشيرا إلى أن حماس وفصائل المقاومة "أدركوا ضعفنا ببساطة: فالقيادة غائبة، وكتيبة الدفاع الجوي تترنح، والمناورات عبثية، والردود مرتبكة، وحماس تدرك الفرص وتستغلها، فهي لا تتهاون، بل تهاجم وتقترب وتضرب".
وفي 3 أغسطس/آب وجه 80 مسؤولا أمنيا -بينهم رؤساء سابقون في الموساد والشاباك ورؤساء أركان- تحذيرا شديد اللهجة للحكومة والجمهور ومنظومة الأمن، وجاء في بيانهم "حرب بلا هدف سياسي ستقود إلى الهزيمة، والحرب الحالية هي حرب تضليل"، بحسب موقع "والا".
وأشار المسؤولون إلى أن عملية عربات جدعون لم تُحقق تقريبا أي تقدم، "وأننا دفعنا ثمنا باهظا من الضحايا والقتلى، وإنجازاتنا محدودة، والأضرار الدولية جسيمة".
وأضافوا أن قضية الأسرى لم تشهد أي تقدم، وأن الحرب لم تعد من أجل إعادتهم، بل أصبحت تُقاد نحو أهداف مسيانية (عقيدة المخلّص اليهودية) ومتطرفة.
وقال البيان "لدينا الآن حكومة جرّتها الجماعات المسيانية نحو مسار غير عقلاني.. المشكلة أن هذه الأقلية هي التي تتحكم بالسياسة".
استنزاف القدرات والدافعية
وبعدما يقرب من عامين على اندلاع الحرب المستمرة في قطاع غزة، تواجه منظومة الأمن الإسرائيلية أزمة عميقة ومتعددة الأبعاد، فقد أدى طول الحرب على غزة إلى تآكل حاد في القدرات العسكرية، وتأثر الاقتصاد، وتعميق الانقسامات الاجتماعية، مع تفاقم الوضع الإستراتيجي وغياب أفق سياسي واضح للحل.
كما تُظهر الحرب المستمرة على غزة واقع أزمة شاملة تشمل نقصا حادا في الموارد البشرية والمعدات، وارتفاعا متزايدا في الضغوط النفسية والجسدية بين القوات، إذ تراجعت الروح المعنوية للجنود والدافعية القتالية بشكل واضح، والتقارير التي نشرتها وسائل الإعلام العبرية والتي تحدثت مع الجنود تشير إلى حالة من الإرهاق والاستنزاف الشديد.
ونقل المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، رونين برجمان، في 8 أغسطس/آب الجاري، عن اجتماعات داخلية للجيش الإسرائيلي، حيث تم إطلاع القادة على الوضع المزري لقوات الجيش، والتي تشير البيانات إلى أنها تشهد معدل استنزاف مرتفع للغاية، سواء في قوات الاحتياط أو في القوات النظامية.
وأضاف برجمان "أدت الحرب الطويلة إلى فرض إدارة اقتصاد الذخيرة وقطع الغيار، والمتفجرات ومعدات الدبابات وناقلات الجند المدرعة، بما في ذلك الذخيرة التي تراجعت مخزوناتها في الحرب مع إيران، وسط خشية داخل الجيش من أن المقاطعة المتزايدة في أنحاء العالم قد تضر بالجيش الإسرائيلي في جميع الأمور المتعلقة بشراء الأسلحة والمواد الخام الأساسية للإنتاج المحلي للمعدات العسكرية".
التعليقات : 0