غزة/ معتز شاهين:
يواصل الاحتلال الإسرائيلي خرق الهدنة في قطاع غزة بشكلٍ واضح ومتكرر، غير آبهٍ بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة إقليمية ودولية، إذ كثّف في الآونة الأخيرة استهدافه للمركبات وتنفيذ عمليات اغتيال بحق مقاومين داخل القطاع، في خروقات باتت تتجاوز الطابع الفردي لتأخذ طابعًا ممنهجًا.
وتثير هذه الخروقات تساؤلات حول حقيقة نوايا الاحتلال، الذي يبدو أنه لم يلتزم فعليًا بروح التهدئة، بل يسعى إلى إدارتها وفق مقاسه الأمني، من خلال عمليات اغتيال محسوبة لا تصل حتى الآن إلى مستوى حرب شاملة، لكنها تبقي الأجواء على حافة الانفجار.
في المقابل، تلتزم فصائل المقاومة الفلسطينية بسياسة ضبط النفس، متجنبة الانجرار إلى ردود فعل قد يستثمرها الاحتلال ذريعة للعودة إلى حرب واسعة، في وقت تشير فيه تقديرات سياسية إلى أن إسرائيل تحاول جرّ المقاومة إلى مواجهة جديدة تعيد خلط الأوراق، وتمنحها مبررًا للهروب من أزماتها الداخلية والإخفاقات التي مُنيت بها خلال الحرب الأخيرة.
ويرى مراقبون أن سياسة الاغتيالات تأتي ضمن محاولة إسرائيلية لفرض “معادلة أمنية” جديدة في غزة، قوامها استباحة الدم الفلسطيني تحت سقف التهدئة، في ظل صمت دولي لافت، وازدواجية واضحة في المعايير، حيث تُدان أي خطوة فلسطينية على الفور، بينما تُبرَّر الخروقات الإسرائيلية تحت عناوين فضفاضة مثل “الدفاع عن النفس”.
ولفت هؤلاء في احاديث منفصلة مع صحيفة «الاستقلال»، أمس الاحد، إلى أن ضبط النفس الذي تمارسه المقاومة لا يعكس ضعفًا، بل خيارًا استراتيجيًا يهدف إلى إفشال مخطط الاحتلال بإعادة إشعال حرب إبادة جديدة، خاصة في ظل متغيرات إقليمية وضغوط دولية تجعل من الصعب على إسرائيل تحمّل تبعات تصعيد واسع في المرحلة الحالية.
وأعلن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب يسرائيل كاتس، مساء السبت، في بيان مشترك، اغتيال القيادي البارز في حركة حماس، رائد سعد، بغارة جوية استهدفته أثناء قيادته مركبة مدنية غرب مدينة غزة. وأسفرت الغارة عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين آخرين وإصابة عدد من الأشخاص.
ووفقًا للتقرير الإحصائي لوزارة الصحة، منذ إعلان وقف إطلاق النار في 11 أكتوبر 2025، بلغ إجمالي الشهداء 391، وإجمالي الإصابات 1063، فيما تم انتشال 632 جثمانًا.
سياسة ممنهجة
واعتبر الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي، د. عدنان الأفندي، استمرار الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ عمليات اغتيال واستهدافات داخل قطاع غزة، رغم وجود اتفاق وقف إطلاق النار، يعكس سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى إدارة المواجهة مع غزة بطريقة أقل ضجيجًا، وليس إنهاء الحرب فعليًا.
وأوضح الأفندي، في حديث مع «الاستقلال»، أن الاحتلال لم يتعامل يومًا مع الاتفاق الأخير على أنه وقف كامل للحرب، بل كمرحلة لإعادة تنظيم أدواته العسكرية والسياسية، مشيرًا إلى أن إسرائيل اعتادت خرق الاتفاقات السابقة ولم تلتزم بأي تفاهمات أُبرمت في السنوات الماضية.
وبين أن هذه الخروقات ليست حوادث عابرة، بل تمثل سياسة مدروسة لإفراغ اتفاق وقف إطلاق النار من مضمونه، لافتًا إلى أن التهدئة فُرضت على الاحتلال بضغط من الإدارة الأمريكية، ما دفعه للرهان على رد فعل فصائل المقاومة بهدف تحميلها مسؤولية فشل الاتفاق وإنهائه في حال ردّت على الاستهدافات.
وفي ما يتعلق بموقف المقاومة، أشار الأفندي إلى أن فصائل المقاومة الفلسطينية تتعمد ضبط النفس في هذه المرحلة، إدراكًا منها لمساعي الاحتلال جرّ قطاع غزة مجددًا نحو حرب شاملة.
وأكد أن هذا الخيار الاستراتيجي من قبل المقاومة يهدف إلى إفشال مخطط الاحتلال، ومنع منحه الذريعة التي يسعى إليها لاستئناف عدوان واسع، مشيرًا إلى أن استمرار ضبط النفس يمنح الفصائل فرصة لإعادة ترتيب الوضع الداخلي، والتعافي، وإعادة بناء البنية التحتية، بما يعزز قدرتها على الصمود في حال فُرضت عليها مواجهة جديدة.
تهدئة خادعة
ولم يتفاجأ المحلل السياسي أ. عدنان الصباح باستمرار الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ عمليات اغتيال واستهدافات داخل قطاع غزة، رغم وجود اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدًا أن الهدف من الخطة الأمريكية لم يكن يومًا وقف الحرب على الفلسطينيين أو إنهاء العدوان على المقاومة.
وأوضح الصباح، لـ»الاستقلال»، أن وقف إطلاق النار جاء مطلبًا فلسطينيًا لوقف المقتلة والعدوان، بينما قبل به الاحتلال لأسباب تتعلق باستعادة أسراه والخروج من أزمته العسكرية والسياسية وتخفيف خسائره وعزلته الدولية.
وأشار إلى أن الاحتلال، رغم موافقته على وقف إطلاق النار، أبقى بيده الأدوات التي اعتاد استخدامها في تجارب سابقة، كما في لبنان وسوريا، عبر مواصلة الاستهدافات والاغتيالات وإطلاق النار المتقطع في أماكن محددة وبأهداف محسوبة.
وأضاف الصباح أن الاحتلال يسعى إلى مواصلة الحرب دون مجازر مباشرة، عبر أدوات إنهاك بطيئة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الضفة الغربية تشهد مسارًا موازيًا.
وحذّر من أن غياب الرد المنظّم قد يمنح الاحتلال فرصة لتحقيق أهدافه، مؤكدًا أن ضبط النفس الذي تلتزم به الفصائل لا يعني تخاذلًا أو تنازلًا، بل يندرج ضمن هدفها الأساسي المتمثل في وقف المقتلة والعدوان البشع على الشعب الفلسطيني.
وتابع المحلل: «الرد المطلوب يجب أن يكون موحدًا واستراتيجيًا، ضمن رؤية سياسية واضحة وفعل متواصل، بعيدًا عن الانجرار لشروط الاحتلال أو الولايات المتحدة أو أوروبا»، مؤكدًا أن المواجهة لا تقتصر على البعد العسكري، بل تشمل الأدوات السياسية والأممية، شرط توفر وحدة وطنية فلسطينية، وبرنامج سياسي موحد، وقيادة واحدة قادرة على تحويل الإنجازات إلى ضغط حقيقي يعمّق عزلة الاحتلال على المستوى الدولي.


التعليقات : 0