غزة / معتز شاهين:
أثارت الخطة الأميركية–الدولية لإدارة قطاع غزة موجة من الانتقادات والتحذيرات السياسية، وسط مخاوف من أن تؤدي إلى تعزيز الانقسام بين غزة والضفة، وفرض وصاية دولية طويلة الأمد على القطاع. فالخطة تواجه انتقادات حادّة بسبب تجاهلها لإرادة الفلسطينيين ومصير الحكومة القائمة، ما يهدد بتحويلها من مبادرة لإعادة الإعمار والإدارة الفعّالة إلى نموذج من "الاحتلال الناعم" يفرض قراراته من الخارج.
ويرى محلّلون تحدّثوا لصحيفة "الاستقلال" أن تجاهل الخطة للإرادة الفلسطينية ولواقع السلطة القائمة قد يحوّلها من مشروع لإعادة الإعمار وبسط الإدارة إلى صيغة جديدة من "الإدارة المفروضة" التي تُدار من خارج الحدود.
ويحذّر الخبراء من أنّ التركيز على نزع سلاح المقاومة بالقوة وإقامة إدارة بلا مشاركة فلسطينية فاعلة قد يفتح الباب أمام جولة توتر جديدة،
وتوقّع مسؤول عربي ودبلوماسي غربي الإعلانَ، بحلول نهاية العام الجاري، عن هيئة دولية مكلّفة بإدارة قطاع غزة ضمن المرحلة المقبلة من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم برعاية أميركية.
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار، فإن هذه السلطة — التي ستُعرَف باسم "مجلس السلام" ويرأسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب — ستتولى الإشراف على إعادة إعمار غزة بموجب تفويض من الأمم المتحدة مدته عامان قابل للتجديد.
وذكر المسؤول العربي والدبلوماسي الغربي لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، متحدثَين شريطة عدم الكشف عن هويتيهما لكونهما غير مخوّلين بالحديث في هذا الشأن، أن الهيئة ستضم نحو اثني عشر قائدًا آخرين من الشرق الأوسط والغرب.
كما أشارا إلى أنه سيتم الإعلان أيضًا عن لجنة من التكنوقراط الفلسطينيين لتولي تسيير الشؤون الإدارية اليومية لغزة في مرحلة ما بعد الحرب.
وقال الدبلوماسي الغربي إن الإعلان عن هذه اللجنة سيتم، على الأرجح، خلال لقاء يجمع بين ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في وقت لاحق من هذا الشهر.
"جسم غريب"
وحذّر الكاتب والمحلل السياسي د. حسام فاروق من أن الخطة الأميركية لإدارة قطاع غزة، التي يسعى الرئيس السابق دونالد ترامب لتنفيذها قبل عيد الميلاد، تواجه عقبات جوهرية قد تحول دون نجاحها وتزيد من معاناة الفلسطينيين.
وأشار فاروق، لـ"الاستقلال" أمس الأحد، إلى أن أبرز العقبات تكمن في شرط نزع سلاح حركة حماس، معتبرًا أن هذا الشرط يشكّل "لغمًا" قد يؤدي إلى فشل الخطة وإعادة الحرب والدمار إلى القطاع.
وأضاف أن حماس لم تقدّم أي موقف رسمي يوافق على نزع السلاح، ما يجعل أي خطوة أميركية قائمة على هذا الشرط محفوفة بالمخاطر.
وتابع فاروق أن خطة ترامب تعتمد على تشكيل مجلس سلام عالمي برئاسته، ومجلس تنفيذي بقيادة توني بلير، إلى جانب حكومة فلسطينية تكنوقراط غير فصائلية؛ لضمان إدارة القطاع مؤقتًا، مع وجود جدول زمني واضح بإشراف الأمم المتحدة وقوى دولية وعربية ضامنة.
وأكد أن المشاركة الفلسطينية الكاملة والفاعلة تمثّل شرطًا حاسمًا لإنجاح الخطة، مشيرًا إلى أن أي تجاهل لهذه المشاركة سيحوّل الخطة إلى "جسم غريب" يفتقر للمصداقية، ويخاطر بتحويل غزة إلى كيان تحت وصاية دولية، ما يفاقم الانقسام الداخلي ويعقّد جهود إعادة الإعمار.
ولفت المحلّل إلى أن تجاوز العقبات المرتبطة بنزع السلاح والمشاركة الفلسطينية سيكون العامل الرئيسي لتحقيق استقرار حقيقي في غزة، محذرًا من أن أي محاولة لتجاوز هذه المعادلة قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني والسياسي في القطاع.
إخفاق متوقع
من جهتها، اعتبرت الكاتبة والمحللة السياسية د. رهام عودة أن الخطة الأميركية–الدولية المقترحة تبدو "غير قابلة للتطبيق عمليًا"، محذّرة من أنها ستواجه "عقبات كبيرة" على المستويين الأمني والإداري، وقد تؤدي إلى مزيد من الانقسام السياسي داخل الساحة الفلسطينية.
وأوضحت عودة، لـ "الاستقلال"، أن الخطة ترتكز على تجريد غزة من السلاح، وهو أمر لن تعارضه حماس فقط، بل فصائل فلسطينية أخرى؛ ما يجعل "عودة التصعيد الإسرائيلي احتمالًا قائمًا بقوة". وأضافت أن أي محاولة لنزع السلاح بالقوة قد تُشعل مواجهة جديدة بين الفصائل والقوات الدولية أو الاحتلال الإسرائيلي.
وانتقدت الخطة لأنها تعيد آلية إدارة تقوم على مجلس دولي ولجنة تكنوقراط دون إشراك السلطة الفلسطينية بشكل واضح، وتتجاهل مصير موظفي حكومة غزة في القطاعات الحيوية، ما قد يخلق صراعًا إداريًا ويُضعف قدرة اللجنة على إدارة شؤون السكان.
وحذّرت عودة من أن الخطة تؤسّس لفصل جغرافي وسياسي بين غزة والضفة، بما يقوّض مشروع الدولة الفلسطينية الموحدة.
وأضافت أن استمرار منظومة حكم خارجية في غزة حتى نهاية 2027 قد يرسّخ وصاية دولية طويلة الأمد، خصوصًا إذا فشلت السلطة الفلسطينية في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لاستلام إدارة القطاع.
وسلّطت الكاتبة السياسية الضوء على مجموعة من المخاطر التي تحملها الخطة، أبرزها تعميق الانقسام الجغرافي والسياسي بين غزة والضفة الغربية، واندلاع صراع إداري بين مجلس السلام الدولي وحكومة حماس الحالية، بما قد يعرقل جهود إعادة الإعمار.
احتلال ناعم
من جهته، اعتبر الكاتب عدنان الصباح أن الخطة الأميركية–الدولية لإدارة غزة لا تهدف إلى إدارة حقيقية، بل تمثل "وصاية واحتلالًا ناعمًا"، حيث تقوم على هيكل متعدد المستويات يشمل مجلس سلام دولي بقيادة ترامب، ومجلسًا تنفيذيًا يقوده توني بلير مع شخصيات أميركية، وحكومة فلسطينية شكلية، وحاكمًا للقطاع قد يكون أميركيًا أو من أصول فلسطينية لإضفاء شرعية رمزية.
أوضح الصباح لـ "الاستقلال"، أن الخطة تتجاهل تمامًا إرادة الفلسطينيين، مما يفقدها أي مشاركة حقيقية من أهل القطاع. ويرى أن هذا التجاهل قد يزيد الانقسام بين غزة والضفة، ويُبعد غزة عن المشروع الوطني، ويتركها تحت تأثير القوى الخارجية دون أي أفق واضح لإقامة دولة فلسطينية.
كما حذّر من أن استمرار تطبيق هذه الخطة قد يؤدي إلى نموذج مفتوح بلا نهاية، حيث تُستخدم الواجهة المدنية لتغطية واقع الاحتلال والسيطرة الأجنبية على القطاع، ما يضع مستقبل السيادة الفلسطينية على المحك.
وأردف الصباح: "هذه الترتيبات، إذا ما نُفّذت، قد تكرّس وصاية دولية طويلة الأمد، وتؤثّر سلبًا على أي جهود لتوحيد النظام السياسي الفلسطيني، كما أنها قد تحدّ من قدرة الفلسطينيين على بناء مؤسساتهم الوطنية والسيطرة على مواردهم وإدارتها بشكل مستقل".
ولفت إلى أن نجاح أي خطة لإدارة غزة يجب أن يقوم على مشاركة فلسطينية كاملة، وعلى احترام إرادة السكان؛ وإلا فإن أي نموذج يُفرض من الخارج سيبقى هشًّا، وسيعزز الانقسامات، ويؤخّر أفق السلام والدولة الفلسطينية.


التعليقات : 0