غزة/ دعاء الحطاب:
في ظل قلة المساحات وعدم وجود أماكن بديلة يمكن اللجوء إليها، اعتقد المواطن أبو غازي نصار أن العودة إلى منزله المدمر والمتهالك، سيكون أفضل حالاً من خيمة قد تغرق مع أول زخة مطر أو تتطاير مع قوة الرياح.
فمع دخول اتفاق وقف إطلاق النار بأكتوبر الماضي، سارع «أبو غازي» لاستصلاح الطابق الأرضي من منزله المدمر، وتغطيته في النايلون والشوادر استعدادا لاستقبال فصل الشتاء، و الاحتماء بداخله من المطر والبرد القارس، لكنه لم يتوقع أن منخفضا جوياً واحداً قد يقلب حياته رأساً على عقب.
ففي صبيحة الجمعة الماضية، ودع «أبو غازي» عائلته وتوجهه للسوق لاقتناء بعض الطعام والمستلزمات، لتكن الفاجعة بعودته أن « المنزل قد انهار تماماً على رؤوس أبنائه» من شدة الأمطار والرياح العاتية.
«أبو غازي « الذي حافظ على أبنائه على مدار عامين من الإبادة الجماعية، يقف اليوم عاجزاً عن حمايتهم من تداعيات المنخفض الجوي، الذي تسبب بإنهيار منزله واستشهاد فلذة كبده غازي (15 عاما)، و ريحانة قلبه لينا (18 عاما). بحسب قوله.
وخلال حرب الإبادة الجماعية، تعرض منزل عائلة «ابو غازي» لقصف إسرائيلي تسبب بتدمير الطابق العلوي، وأحدث أضراراً جسيمة بالأساسات والأعمدة التي ظهرت عليها آثار التصدع والانحناء، إلا أنها باتت الملجأ الوحيد للعائلة في ظل عدم توفر مكان بديل يأويهم من برداً لا يرحم.
مأساة عائلة «ابو غازي نصار» يتقاسمها 12 عائلة انهارت منازلهم المتصدعة بفعل قوة المنخفض الجوي الذي ضرب قطاع غزة والمنطقة منذ الأربعاء الماضي.
ولا تزال ألاف العائلات الفلسطينية التي تقيم في مساكن آيلة للسقوط تواجه خيارات قاسية، إذ يعرضها بقاؤها في هذه المنازل لأخطار على حياتها، كما أن انتقالها إلى الحياة في خيام النزوح يعني مواجهة البرد والأمطار في خيام ضعيفة لا تحمي من يقيم فيها.
وكان المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل قد أعلن، الجمعة الماضية، أن المنخفض الجوي الذي تعرض له القطاع تسبب في كارثة إنسانية، و أسفر عن استشهاد 14 مواطناً بينهم 3 أطفال، في المخيمات والمنازل الآيلة للسقوط التي تساقطت أجزاء منها.
« الموت لحقنا»
بقلب مثقل بالرحيل، يقول أبو غازي لـ»الاستقلال»:» عشنا في الخيام فصول المعاناة لأكثر من عام ونصف، تجمدنا من البرد و غرقنا بالمطر مرارا وتكرارا، وعشنا فيها جحيم الصيف، ناهيك عن الأمراض والذل والإهانة، فلم نعد نحتمل».
ويتابع بحسرة:» مع وقف إطلاق النار بغزة اكتوبر الماضي، وجدنا المنزل في حالة سيئة لكن نستطيع العيش به، استصلحنا الطابق الأرضي وعشنا فيه طوال الفترة الماضية دون الشعور بأي خطر، لكن الموت لحقنا»، مستدركاً:» لم نتوقع انهيار المنزل بلمح البصر وبسبب الأمطار ، ظننا أنه سيبقي صامدا كما صمد بوجه الغارات الإسرائيلية».
ويتابع بألم:» وين بدنا نروح، لا الخيام حمتنا من البرد والمطر، ولا بقايا المنازل أوتنا، نفسنا نعيش بكرامة و بمكان ما فيه خوف ولا مخاطر».
ونهى حديثه قائلا: «المواطن بغزة لا خيارات له ولا بدائل تتوفر سوى اللجوء للخيمة التى غرقت ، أو الذهاب الى ما تبقي من منازل آلية لسقوط في معظمها، و مأساتنا قد تتكرر في ظل تخاذل وعجز العالم والمجتمع الدولي عن إنهاء معاناة».
خطر بكل مكان
وفي أحد المنازل المتصدعة بمخيم البريج وسط قطاع غزة، تجلس المواطنة أم ياسر جبر (47 عاما) على كرسي بلاستيك، وعيناها تراقبان أطفالها الصغار وهم يركضون و يلهون بين الجدران المتهالكة دون أن يدركوا مخاطر الأمر، خشية تعرضهم لأي أذي.
وتقول جبر خلال حديثه لـ «الاستقلال»:» الحياة هنا صعبة جدا، كأني أسكن بالشارع عندما تهطل الأمطار، السقف كله منهار، والجدران متصدعة، والحمد الله».
وتتابع بألم يعتصر قلبها:» المنخفض الماضي، مع شدة المطر تساقط الرمل وبعض الحجارة علينا، أجبرنا على الخروج من المنزل فجراً، وضعنا قطعة نايلون علينا وبقينا جالسين على جانب الطريق حتى الصباح».
وأضافت : «أعلم أن حياتنا بخطر، لكننا لم نجد مكاناً أخر نذهب إلية بعد تدمير منزلنا خلال الحرب، واهتراء خيمتنا و تمزقها من كثرة التنقل والاستخدام».
وأشارت إلى أنها لا تمتلك ثمن شراء خيمة جديدة لا تغرق بالمطر وتصمد أمام قوة الرياح، حيث يتراوح سعر الخيمة ما بين ( 500 - 2000 شيكل) حسب نوعها وجودتها.
ونوهت إلى أن بعضهم نصحها بالتوجه إلى مساكن بديلة فوجدتها أيضا متصدعة، وليست أفضل حالا من المنزل الذي نعيش فيه حاليا، واصفة الوضع بأنه “مأساوي”.
وتساءلت بمرارة « وين نروح»؟ إن بقينا في منازلنا الآيلة للسقوط فهناك خطر على حياتنا، وإن ذهبنا للخيام فهناك أيضا مخاطر”، مستدركة:» الموت يلاحقنا في كل مكان، فمن نجا من القصف، سيموت إما بالبرد أو انهيار المنازل».
وطالبت المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي بالعمل على توفير منازل متنقلة (كرافانات) لسكان القطاع بأسرع وقت ممكن، وإعادة بناء المساكن المدمرة حتى يعود سكانها إليها.
كارثة إنسانية
وقال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن المنخفض الجوي الذي ضرب قطاع غزة خلال الأيام الثلاثة الماضية شكّل كارثة إنسانية مركّبة، في ظل الواقع الإنساني الصعب الذي يعيشه مئات الآلاف من الفلسطينيين في أعقاب الإبادة الإسرائيلية.
و أضاف الثوابتة في مؤتمر صحافي، السبت الماضي، إن 11 فلسطينياً استشهدوا وانتشلت جثامينهم، فيما يتم البحث عن أحد المفقودين، وذلك نتيجة انهيار عدة بنايات قصفها الاحتلال سابقاً وتأثّرت بالمنخفض الجوي وظروف المناخ.
وأوضح أن الطواقم الحكومية رصدت انهيار 13 منزلاً على الأقل في محافظات قطاع غزة، حيث إن هذه المنازل تعرضت للقصف من الاحتلال، مشيراً إلى انجراف وغرق أكثر من 27 ألف خيمة من خيام النازحين، وما يزيد عن 53 ألف خيمة بين ضرر كلي و جزئي.
ولفت الثوابتة إلى أن الطواقم الحكومية رصدت تضرراً مباشراً لأكثر من ربع مليون نازح، من أصل نحو مليون ونصف المليون يعيشون في خيام ومراكز إيواء بدائية لا توفر الحد الأدنى من الحماية، مبيناً أنه تم تقدير الخسائر المباشرة الأولية بنحو أربعة ملايين دولار أميركي.
وأشار إلى تضرر قطاع البنية التحتية والطرق، بما يشمل انجراف مئات الشوارع الترابية والطرق المؤقتة داخل القطاع، وتعطّل حركة النقل والمواصلات وصعوبة وصول سيارات الإسعاف والدفاع المدني، وتضرر شبكات صرف صحي بدائية أُنشئت اضطرارياً، وغرق مداخل مدارس ومراكز تعليمية تُستخدم مراكز إيواء، وتلف معدات خدمية مساندة داخل هذه المراكز.
وبين الثوابتة أن قطاع المياه والصرف الصحي تضرر هو الآخر حيث تعطّلت خطوط نقل المياه المؤقتة، ما تسبب في اختلاط المياه النظيفة بمياه الأمطار والطين، وانهيار حفر امتصاص مؤقتة في عشرات التجمعات المركزية المكتظة بالنازحين، وارتفاع مخاطر التلوث وانتشار الأمراض.
كما تضررت عشرات النقاط الطبية المتنقلة في مراكز النزوح والإيواء، وفُقدت أدوية، ومستلزمات طبية وإسعاف أولي، فضلاً عن صعوبة وصول الطواقم الطبية للمناطق المتضررة.
وشدد المتحدث على أن تفاقم هذه الخسائر لا يمكن فصله عن سياسات الاحتلال غير الإنسانية، التي تمنع إدخال 300 ألف خيمة وبيت متنقل وكرفان، وتعيق إنشاء ملاجئ آمنة، وتغلق المعابر أمام مواد الإغاثة والطوارئ، وهو ما يُشكّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، ويعرّض المدنيين، وخاصة النساء والأطفال وكبار السن، لمخاطر جسيمة يمكن تفاديها.
وطالب المكتب الحكومي المجتمع الدولي، بالتحرّك الجاد والفوري والعاجل للضغط على الاحتلال من أجل فتح المعابر دون قيد أو شرط، والسماح بإدخال مواد الإيواء، والخيام، والبيوت المتنقلة، والكرفانات، ومستلزمات الطوارئ، وفق ما نصّ عليه البروتوكول الإنساني وبنود اتفاق وقف إطلاق النار.


التعليقات : 0