حقوقي لـ" الاستقلال": دفن الجثامين بمقابر مجهولة أحد أبشع فصول الإبادة الجماعية في غزة

حقوقي لـ
تقارير وحوارات

غزة/ سماح المبحوح:
رأى رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) د. صلاح عبد العاطي أن التحقيقات التي تم الكشف عنها والتي تتعلق بدفن جثامين الشهداء بمقابر مجهولة، لا يقدّم مجرد مادة صحفية؛ بل يفتح نافذة على أحد أبشع فصول الإبادة الجماعية في غزة، منهم مدنيون خرجوا بحثًا عن كيس طحين، ليُطلق عليهم الرصاص ثم تُدفن جثثهم بالجرافات بلا أسماء ولا وداع.
وشدد عبد العاطي لـ "الاستقلال" أن هذه المشاهد ليست فقط صادمة أخلاقيًا، بل تمسّ جوهر القانون الدولي الإنساني، وتكشف عن نمط ثابت من الجرائم في استهداف المدنيين العزّل، وحرمانهم من الغذاء، والتعامل مع جثثهم بطريقة مهينة، كل ذلك يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة وفق اتفاقية الإبادة لعام 1948
وكشفت شبكة CNN، عبر تحقيق استقصائي موسّع، عن قيام جيش الاحتلال بدفن جثث فلسطينيين في قبور ضحلة وغير معلّمة قرب منطقة معبر زيكيم شمال قطاع غزة، مستخدمًا جرافات عسكرية في عمليات الدفن دون أي إجراءات متعارف عليها في النزاعات المسلحة.
واعتمد التحقيق على مجموعة من المقاطع المصوّرة التي جرى التحقق من مواقعها عبر تقنيات الجيو-تحديد، وأظهرت جرافات عسكرية تتعامل مع جثث فلسطينيين في أرض مفتوحة.
كما استخدمت الشبكة صورًا فضائية توضح نشاط الجرافات وتغيرات التضاريس، في مؤشرات واضحة على عمليات حفر وردم متكررة.
كما نقلت الشبكة عن جندي إسرائيلي سابق أن وحدته دفنت تسعة فلسطينيين “غير مسلحين” في قبور بلا علامات، ومنعت أفرادها من تصوير ما جرى.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قدّم رواية موازية، عزّزت ما ورد في تحقيق CNN، حيث وثّق عمليات إطلاق نار ودفن آلي مشابهة، من بينها حادثة وثّقها مقطع فيديو في مارس/آذار 2024، يظهر رجلين يقتربان من الجنود الإسرائيليين رافعين الأعلام البيضاء في شارع الرشيد، قبل أن يُختفيا خلف الأنقاض، بينما لاحقت جرافة عسكرية أحدهما وقامت لاحقًا بدفن الجثتين في الرمال.
واعتبر المرصد أن هذه الحوادث تشكّل نمطًا متكررًا من نزع الإنسانية المقصود عن أفراد الجماعة، واستخدام الرعب وسيلة لإجبار السكان على النزوح والخضوع، وهو ما يعد — وفق المرصد — مؤشرًا إضافيًا على توفر القصد الخاص لجريمة الإبادة الجماعية.
تحقيق واقعي
وأوضح أن ما تزعمه "إسرائيل" بأنها لا ترتكب جرائم إبادة ينهار اليوم أمام الأدلة الميدانية والتحقيقات الدولية، وما تم الكشف عنه ليس استثناء، بل حلقة في سلسلة طويلة من المجازر التي وثّقتها منظمات الأمم المتحدة، والمحكمة الدولية، وبعثات الإغاثة، والصحافة المستقلة، قائلا:" العالم كان يرى، لكنه يتردد في تسميته باسمه، اليوم، التحقيق يكسر حاجز الإنكار ويعيد توصيف الواقع كما هو إبادة جماعية متكاملة الأركان".
وأكد أن هذه الحقائق ليست مجرد شهادات إعلامية، بل يمكن البناء عليها قانونيًا عبر إحالة الأدلة مباشرة إلى مكتب الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها، إثباتًا لسلوك ممنهج، وليس حادثًا معزولاً، واستخدام المادة 15 من نظام روما التي تتيح للمدعي العام فتح تحقيق بناء على معلومات صحفية موثوقة.
وأضاف:" أيضا يجب ضمان السماح إلى لجان التحقيق الدولية بالدخول لغزة وإلزام إسرائيل بالتعاون معها، واستخدام التحقيق في دعاوى الولاية القضائية العالمية التي تنظرها محاكم في أوروبا وأمريكا اللاتينية إدراج الضباط والوحدات المتورطة في قوائم العقوبات الدولية".
ورأى الحقوقي أنه يمكن استثمار التحقيق لتحقيق العدالة لأبناء قطاع غزة عبر تحويله لأداة ضغط فعالة من خلال توثيقه رسميًا ضمن ملفات لجنة تقصي الحقائق الدولية وباقي المنظمات الحقوقية، وتقديمه كبند في مداولات الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان، واستخدامه في حملات المناصرة الدولية لإثبات أن "سياسة التجويع" و" استهداف طالبي المساعدات" جزء من سياسة رسمية ممنهجة وتحويله إلى ملف قضائي وليس مجرد مادة إعلامية.
وأشار إلى أنه لم تعد المسألة على المستوى الدولي بحاجة إلى بيانات قلق أو دعوات عامة، بل إلى إجراءات ملموسة، وأبرزها حماية دولية للمدنيين وفرض ممرات إنسانية بإشراف الأمم المتحدة، وفرض عقوبات ملزمة على القيادات السياسية والعسكرية المتورطة وعلي دولة الاحتلال، تعليق تزويد "إسرائيل" بالسلاح وفق التزامات الدول بموجب معاهدة تجارة الأسلحة، وفتح تحقيق فوري ومتابعة التحقيق في كل الجرائم، بما فيها المقابر الجماعية الناتجة عن التجويع والقنص من قبل المحكمة الجنائية الدولية وتسريع إصدار أوامر التوقيف.

 

 

 

 

التعليقات : 0

إضافة تعليق