المساعدات الأمريكية.. أداة واشنطن وتل أبيب لمحاولة «لبننة» غزة

المساعدات الأمريكية.. أداة واشنطن وتل أبيب لمحاولة «لبننة» غزة
تقارير وحوارات


غزة / معتز شاهين:
عاد الحديث مؤخرًا حول إعادة توزيع المساعدات الأمريكية في قطاع غزة، وسط تساؤلات متزايدة حول الأهداف الحقيقية وراء هذه الخطوة. فبينما تؤكد واشنطن على الطابع الإنساني للمساعدات، يرى محللون أن التحركات الأمريكية تتجاوز حدود الإغاثة، لتتحول إلى وسيلة لترسيخ النفوذ السياسي والتحكم في ملامح المشهدين الاجتماعي والاقتصادي داخل القطاع.
وبحسب خطة مشتركة بين جيش الاحتلال وما تسمى بالشركة الأمريكية "مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)"، من المقرر إنشاء 10 إلى 20 نقطة لتوزيع المساعدات على طول "الخط الأصفر" الذي تنتشر فيه قوات الاحتلال. وفي سياق هذا التوجه، قلّص الاحتلال كمية المساعدات الداخلة إلى القطاع، لدفع المواطنين إلى التوجه نحو نقاط التوزيع المخطط لها.
وأجمع مختصان في الشأن السياسي، في حديثين منفصلين مع صحيفة "الاستقلال" أمس الأحد، على أن الترويج لفكرة إعادة توزيع المساعدات الأمريكية جاء بالتزامن مع اتهامات أمريكية لشرطة غزة بسرقة تلك المساعدات، معتبرين أن ذلك يمثل استمرارًا لسياسة الحرب على القطاع بأساليب غير مباشرة، ويمهّد لمحاولة "لبننة" غزة اي استنساخ نموذج لبنان في غزة، عبر تفكيك بنيتها الاجتماعية والسياسية وإضعاف المقاومة.
وأفاد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بأن 3,203 شاحنات دخلت القطاع بين 10 و31 أكتوبر، منها 2,564 شاحنة مساعدات و639 شاحنة تجارية، بما في ذلك 84 شاحنة سولار و31 شاحنة غاز طهي، بمتوسط يومي 145 شاحنة فقط من أصل 600 متفق عليها، فيما دخلت 115 شاحنة وقود فقط من أصل 1,100 شاحنة، أي ما يعادل 10% فقط من الكميات المطلوبة.
وفي السياق ذاته، حذّرت منظمات إنسانية دولية من أن نظام تسجيل جديد للمنظمات في إسرائيل يجمد المساعدات ويهدد تصاريح العمل، بينما تصل الشحنات الفعلية إلى نحو 100 شاحنة يوميًا فقط، مع بقاء مواد أساسية بقيمة نحو 50 مليون دولار محتجزة عند المعابر والمستودعات.
نفوذ امريكية
حذّر الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح، من أن إعادة طرح فكرة نقاط توزيع المساعدات الأمريكية في المناطق الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي، في ظل الاتهامات الأمريكية الأخيرة لشرطة غزة بالاستيلاء على المساعدات، يهدف إلى تثبيت وجود أمريكي مباشر داخل القطاع، تمهيدًا لفرض وصاية دولية تقودها واشنطن.
وقال الصباح في حديثه مع "الاستقلال"، إن الهدف الحقيقي من هذه التحركات هو “السطو على قطاع غزة وتحويله إلى أرض تخدم المصالح الأمريكية في المنطقة”، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تستخدم ملف المساعدات كغطاء سياسي وأمني لتحقيق مشروعها الأوسع للهيمنة على الممرات المائية والبحار الحيوية في الشرق الأوسط.
وأوضح أن تزامن الاتهامات الأمريكية لشرطة غزة مع إعادة الترويج لنقاط المساعدات ليس صدفة، بل يأتي ضمن محاولة ممنهجة لـ“شيطنة المقاومة الفلسطينية” وتصوير الأوضاع في غزة على أنها فوضى داخلية لا علاقة لها بالاحتلال أو بالسياسات الأمريكية.
وأضاف أن هذه الرواية تهدف إلى “إظهار الفلسطينيين كشعب غير قادر على إدارة نفسه أو تحقيق الاستقرار، وبالتالي غير مؤهل لإقامة دولة مستقلة”.
ورأى الصباح أن واشنطن تمهّد إعلاميًا وسياسيًا لتواجد إنساني أمريكي مباشر داخل غزة، تحت ذريعة تنظيم المساعدات، موضحًا أن “إسرائيل ليست سوى أداة أمريكية تُستخدم لتنفيذ الجرائم في القطاع بهدف تهجير السكان وتحويل غزة إلى منطقة غير صالحة للحياة”.
وحول تأثير هذه الخطط على آليات المساعدات الحالية، أشار إلى أن الولايات المتحدة تسعى للسيطرة الكاملة على الملفات السياسية والإنسانية والاجتماعية والأمنية عبر أدوات غير مباشرة، تمهيدًا لإدخال قوة استقرار دولية بتفويض من مجلس الأمن، تكون واشنطن على رأسها.
وأشار الصباح إلى أن الهدف النهائي للولايات المتحدة يتمثل في البقاء كقوة مهيمنة داخل قطاع غزة، عبر استخدام الغطاء الإنساني لتبرير وجودها العسكري والسياسي، مؤكّدًا أن الخطوات الحالية ليست سوى تمهيد لمشروع أكبر يسعى لإعادة تشكيل الواقع في القطاع بما يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة.
"لبننة" غزة
ويرى الكاتب والمحلل السياسي أ. فايز سويطي أن الترويج لفكرة نقاط المساعدة الأمريكية تقف وراءها دوافع تتجاوز الملف الإنساني، وتستهدف النيل من المقاومة وإعادة تشكيل المشهد السياسي والأمني في القطاع، معتبراً ذلك يهدف إلى شيطنة حركات المقاومة والتمهيد لعودة ما وصفه بلجنة المساعدات الأمريكية، التي لم تكن بحسب قوله تهدف لتقديم مساعدات إنسانية فحسب، بل عملت كجهاز مخابراتي للتجسس على المقاومة وخلق شرخ بينها وبين الشعب.
وقال سويطي لـ «الاستقلال» إن الترويج لهذه الفكرة يتزامن مع اتهاماتٍ أميركية لشرطة غزة بسرقة المساعدات، ما يمثل استمراراً لسياسة الحرب على غزة بطرق غير مباشرة، ومقدمة لمحاولة «لبننة» القطاع عبر تفكيك بنيته الاجتماعية والسياسية وإضعاف المقاومة.
وأضاف أن الانتشار الواسع لعناصر شرطة غزة — بما لا يقل عن خمسة آلاف عنصر في الميادين عقب 24 ساعة من تنفيذ أي هدنة — شكل صدمة للاحتلال والولايات المتحدة، إذ بدا أن المقاومة لم تتأثر بالحرب الطاحنة. ولهذا السبب، يرى سويطي، كانت هناك حاجة لاتهامات «كيدية» تهدف إلى النيل من صورة المقاومة وإضعافها سياسياً وإعلامياً.
أما عن تأثير نقاط التوزيع الأمريكية على آلية دخول المساعدات الحالية فقال سويطي إن واشنطن أسست مركز مراقبة داخل مناطق الاحتلال بهدف التجسس على غزة، ومن المتوقع أن يتطور هذا المركز لاحقاً إلى «غرفة موازية داخل غزة» بحجة مراقبة وقف إطلاق النار. وأوضح أن الهدف الحقيقي من ذلك سيكون مراقبة المقاومة والتجسس عليها والتعاون مع الاحتلال مستقبلاً لنزع سلاحها أو الطلب منها مغادرة القطاع.
وحذر المحلل السياسي من أن ملف المساعدات قد يتحول إلى أداة سياسية وأمنية تُستخدم لفرض نفوذ خارجي على غزة، وليس فقط كآلية إنسانية لتخفيف المعاناة، محذراً من مخاطر ربط توزيع المساعدات بسياسات تفرض تغييراً في بنية السلطة والمقاومة داخل القطاع.

التعليقات : 0

إضافة تعليق