بقلم / جواد العطار
ما زالت قضية فلسطين تضرب بأطنابها جذور التاريخ الاسلامي والواقع المعاصر بين تعاليم دينية تحث على التسامح والسلام وبين فرقة من المتعصبين اليهود تعتمد الاغتصاب والتنكيل باصحاب الحق وسيلة لإقامة وطن مزعوم في فلسطين عاصمته القدس الشريف.
واليوم ونحن في اجواء مدخل شهر رمضان تقترب مناسبة عزيزة على قلوب المسلمين وكل الاحرار والشرفاء بالعالم وهي ذكرى يوم القدس العالمي الذي اطلقه الامام الخميني في اخر جمعة من شهر رمضان المصادف اب من عام ١٩٧٩ اي بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران بستة اشهر ، وجاء في نص الدعوة المباركة: “أدعو جميع مسلمي العالم إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك التي هي من أيام القدر ويمكن أن تكون حاسمة في تعيين مصير الشعب الفلسطيني يوماً للقدس ، وان يعلنوا من خلال مراسم الاتحاد العالمي للمسلمين دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم”.
هكذا أراد الامام تحويل الجمعة الاخيرة من رمضان من تسميتها بالجمعة اليتيمة او جمعة الوداع الى رمزية الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم لعدة اسباب منها:
- رمضان شهر الخير والتضحية والجهاد والمقاومة على مدار التاريخ الاسلامي، فأراد هذا اليوم من هذا الشهر الكريم نصرة للشعب الفلسطيني.
- صفة العالمية في التسمية تتجاوز العرب في الدفاع عن القدس الشريف الى كل بلاد المسلمين، فلا تقتصر على قومية دون غيرها في رمزية التذكير والتحشيد.
- نصرة الفلسطينيين في رمضان وبث الروح المعنوية فيهم للاستمرار بالدفاع عن حقوقهم المسلوبة ، لما يعانيه سكان القدس خاصة وباقي مدن فلسطين عامة من تقييدات المحتل الصهيوني الغاصب في الوصول الى المسجد الأقصى لأداء الصلوات فيه وبالذات في ايام الجمع.
- الأجر الكبير الذي يمكن ان يصيب المدافع الفلسطيني والناصر المسلم من كل بقاع الارض، لان هذا اليوم في العشر الأواخر من رمضان، وقد يصادف نهار ليلة القدر.
- رغم ان الدعوة لكل مسلمي العالم، لكن صفة العالمية تعطي لها قوة تحشيد مسلمين وباقي الديانات لنصرة الشعب المظلوم، وهذا ما لمسناه طيلة العقود الاربعة الماضية حين أصبح هذا اليوم مناسبة لنصرة كل مظلوم على وجه الارض وعلى رأسهم الفلسطينيين.
لم تكن هذه الخطوة المعنوية هي الإجراء الوحيد الذي سلكته الجمهورية الاسلامية في نصرة القضية الفلسطينية ومواجهة مخططات المحتل الصهيوني الغاصب والذي أراد البعض وبالذات التيارات القومية العربية وحزب البعث حصرها بالعرب فقط باعتبارها قضيتهم المركزية ، بل تصدت ايران بكل قوة منذ اول ايام الثورة عندما اغلقت مكتب رعاية المصالح الاسرائيلية في طهران وحولته الى سفارة لدولة فلسطين وسمت الشارع والميدان باسم فلسطين في اجراء معنوي يؤكد توجه الثورة المبدئي نحو دعم الشعب الفلسطيني ، تلك الثورة التي دحرت نظام الشاه والى الابد وغيرت وجه المنطقة في غير صالح دول الاستكبار العالمي وربيبتهم في المنطقة اسرائيل وكافة عملاء الغرب وصنائعهم في الشرق الاوسط.
واستمرت سياسة الثورة نحو فلسطين وقضيتها على المستويين الرمزي والمعنوي كما ذكرنا. والفعلي في:
– التحشيد بالمال والسلاح والتدريب للفصائل الفلسطينية بدءا من حركة فتح منذ اول ايام انتصار الثورة وصولا الى حركتي حماس والجهاد الاسلامي في ايامنا هذه رغم الاختلاف في القومية والمذهب ولكن الاسلام لديها إستراتيجية والجامع الاكبر.
– إفشال مخطط الصهاينة المعروف من “النيل الى الفرات”، حين دعمت حزب الله اللبناني في مقاومته لتحرير الجنوب المحتل حتى النصر؛ واستمرت بدعمه بعد ذلك في حروبه مع الكيان الغاصب حتى أضحى قوة ردع ورديف قريب من حدود فلسطين العزيزة واصبحت كل مدن الاحتلال ومستوطناته تحت مرمى صواريخه الضاربة… واستمر مسلسل الدعم الايراني اللا محدود لسوريا ولكل مقاوم في وجه الاحتلال الذي اغتصب الجولان دون رادع، ولو تركت إيران سوريا لأصبحت فريسة للجماعات الإرهابية صنيعة الكيان الصهيوني.
ان التطورات الاخيرة في الاراضي الفلسطينية وما يلاقيه ابناء هذا الشعب الصابر المجاهد من قتل وتنكيل على ايدي قوات غاشمة؛ لا تفرق بين صبي وامرأة وشاب وطفل رضيع وبيت عامر وصحفي عامل ومزرعة مثمرة وكل ما يمثل المقاومة؛ بحاجة ماسة الى دعم مستمر بالمال والسلاح والاهم من كل ذلك إبقاء روح المقاومة والجهاد مشتعلة في نفوس الجيل الجديد، وقد نجحت دعوة يوم القدس العالمي في ذلك خلال جيلين، بعد ان خذل الحكام العرب فلسطين: بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد نهاية السبعينيات اولا؛ وابرام بعض قادة فلسطين نفسها اتفاقيات اوسلو المذلة مطلع تسعينيات القرن الماضي ثانيا؛ واقرار وتنفيذ التطبيع بين معظم الدول العربية واسرائيل ثالثا؛ فلم يبقى مع الفلسطينيين المقاومين سوى ايران والشرفاء من المسلمين والأحرار من مختلف بقاع الارض.
لذلك ستبقى الجمعة الاخيرة من رمضان تحذيرا للصهاينة قبل تذكير الفلسطينيين، بان القدس لم ولن تكون عاصمة لدولتهم المزعومة، وان الحق مهما طال الزمن او قصر لا بد ان يعود الى اهله حتى وان كان مضرجا بدماء الشهداء.
التعليقات : 0