بدوافع "دينيَّة توراتيَّة"

إرهاب المُستوطنين بالضفة.. عُنف دمويّ لترسيخ "الاستيطان"

إرهاب المُستوطنين بالضفة.. عُنف دمويّ لترسيخ
تقارير وحوارات

الاستقلال/ قاسم الأغا

تَشهد الضفة الفلسطينية المحتلة تصاعدًا في وتيرة "الإرهاب الدموي" والاعتداءات من قُطعان المستوطنين المتطرفين على منازل وأراضي وممتلكات المواطنين الفلسطينيين، وسط دعم وتشجيع كاملَين من الائتلاف الصهيوني الحاكم الأكثر إجرامًا وفاشيَّة في كيان الاحتلال "الإسرائيلي".

 

ورأى سياسيون ومراقبون أنَّ تزايد وتيرة هذا العنف من المستوطنين المجرمين دوافعه "دينيَّة توراتيَّة" لا تنعزل عن العَنوان الأشمل وهو "الاستيطان"، الذي يمثِّل سياسة ثابتة لدى حكومات الاحتلال المتعاقبة، فضلًا عن كونها الركيزة الأساس للمشروع الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية المحتلَّة.

 

وانتقد هؤلاء في أحاديث منفصلة مع "الاستقلال": ما أسموه "عجز" السلطة الفلسطينية عن لجم اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه، واكتفاءها بالشجب والاستنكار وتسوِّل الحماية من "المجتمع الدولي"، مُجْمِعين على أهميَّة تفعيل كل أوراق القوة والضغط لإحباط المخططات والمساعي الرامية لاستكمال اغتصاب ما تبقى من الأرض الفلسطينية، وعلى رأسها توسيع حالة الاشتباك والمواجهة الميدانيَّة وإدامة حالة المشاغلة.

 

ومنذ الشهور الأخيرة، صعَّد المستوطنون من اعتداءاتهم وجرائمهم الدمويَّة ضد قرى وبلدات ومدن الضفة الفلسطينية المحتلَّة، بحماية قوات الاحتلال التي تكثِّف هي الأخرى من حرب الإبادة الشاملة التي تشنها ضد الفلسطينيين بالقدس والضفة المحتلتين وقطاع غزة منذ بدء العام الجاري؛ ما تسبب بارتقاء أكثر من 164 شهيدًا، منهم 28 طفلاً، و6 سيِّدات، إضافة إلى جَرْح واعْتقال مئات المواطِنين.

 اعتداءات دمويَّة

القيادي بحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين جعفر عزِّ الدين، قال إن إجرام قُطعان المستوطنين تجاه شعبنا الفلسطيني على امتداد أرضه التاريخيَّة المحتلة، خصوصًا في مُدن الضفة يزداد دموية خصوصًا مع الحكومة الصهيونية الفاشية التي تقود الكيان ومستوطنيه.

 

وأضاف القيادي "عزِّ الدِّين" من جنين المحتلة في مقابلة مع صحيفة "الاستقلال"، أمس الثلاثاء: أنَّ "اعتداءات المستوطنين المجرمين تجاه شعبنا في كل الأرض المحتلة تأتي بغطاء ودعم من حكومة بنيامين نتنياهو اليمينيَّة عمومًا، والأعضاء الأكثر تطرّفًا وفاشيَّة فيها كـ (بن غفير) و(سموتريتش) وغيرهما".

 

وأشار إلى أنَّ اعتداءات المستوطنين الدمويَّة ضد شعبنا وأرضه ومقدساته، بحماية قُوَّات الاحتلال، أثبت عنجهيَّة كيان الاحتلال، وعدم التزامه بأيَّة تعهدات لجهة إيقاف حربه الشاملة، سواء للسلطة الفلسطينية، أو للوُسطاء، لا سيَّما بعد عدوانه الأخير على قطاع غزة، في مايو/ أيَّار الماضي.

 

 وفي هذا الصدد، شدَّد على ضرورة اتِّخاذ السُلطة الفلسطينيَّة إجراءات عمليَّة تواجه من خلالها جرائم الاحتلال وسوائب مستوطنيه المجرمين، مشيرًا إلى أنَّ دعوات الاستنكار والإدانة والمناشدة التي توجهها للمجتمع الدولي، ودعوته التدخل للجم كل تلك الجرائم والاعتداءات لم تعد تجدي نفعًا.

 

وقال القيادي بالجهاد الإسلامي إنَّ السلطة بالوقت ذاته "باتت في عِداد الميِّته ومنتهية الصلاحيَّة"، على حدِّ تعبيره، "إذ لا تملك سُلطة حقيقيَّة على أرض الواقع، وتفتقر لقدرة التصدِّي للاحتلال وسياساته الإرهابيَّة، ووقف كل إجراءاته العدوانيَّة المتواصلة على شعبنا الفلسطيني".  

 

ولفت إلى أنَّ "السلطة بالضفة المحتلَّة لم تصل عند ذلك الحد، بل تتساوق مع الاحتلال ومستوطنيه وتتناغم معهم في اعتداءاتهم على شعبنا"، مشيرًا إلى "ما جرى قبل أيام من اعتداء أجهزة أمن السلطة على المواطنين بمخيَّم نور شمس في طولكرم المحتلَّة، وإطلاقها النَّار وإزالتها الحواجز والمتاريس التي وضعها المقاومون؛ لعرقلة اقتحامات قوات الاحتلال المُخيَّم، بالرغم من أنَّها لا تؤثر على حياة السُّكان أو تعيق تحركاتهم، وحركة مركباتهم".

 

وجدَّد التأكيد على موقف حركة الجهاد الإسلامي، بأنَّ مواجهة الاحتلال والمستوطنين لا تكون إلَّا بالقوَّة، وتوسيع دائرة المقاومة، كونها الطريق الوحيد والأصوب، وتحظى بإجماع الغالبية من أبناء ومكونات شعبنا الفلسطيني.  

 

"مشروع الاستيطان"

من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي د. أحمد رفيق عوض أنَّ تزايد وتيرة إجرام المستوطنين بالضفة المحتلَّة، لا يمكن فصله عن "الاستيطان"، الذي هو قلب المشروع الصهيوني على كل أرض فلسطين التاريخيَّة، والسياسة الثابتة لدى حكومات الاحتلال المتعاقبة، وصولًا إلى حكومة الاستيطان الحاليَّة الأكثر فاشيَّة وتطرُّفًا.

 

وأضاف "د. عوض" من رام الله المحتلة في مقابلة مع "الاستقلال"، أمس الثلاثاء، أنَّ حكومة الاحتلال الحالية التي يرأسها "بنيامين نتنياهو" تعمل على "تعميق الاستيطان في الضفَّة المحتلة لأسباب دينيَّة وتوراتيَّة، عبر الدفع بالمستوطنين ودعمهم وتشكيل الغطاء السياسي والميداني لهم، مستغلةً الظرف السياسي الفلسطيني باستمرار الانقسام بين حركتي "فتح" و"حماس"، والصَّمت المطبق عربيًّا ودوليًّا.

 

وتابع: "فضًلا عن أنَّ ترسيخ الاستيطان وتوسيعه وتمويله يُعدُّ شرطًا أساسًا من شروط تشكيل حكومة نتنياهو الفاشية الحاليَّة بهدف تغيير ديمغرافية أرض فلسطين المحتلَّة، ولهذا السبب وغيره نرى هذه الحرب الاستيطانية غير المسبوقة، وجرائم المستوطنين، وإضفاء الشلل على حياة الشعب الفلسطيني من النواحي كافَّة، كقدرته على النموّ، وإحباط فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلَّة".

 

وكان ما يُسمَّى بـ "وزير المالية" في حكومة الاحتلال المُتطِّرف "بتسلئيل سموتريتش"، دعا قبل أسابيع إلى "محو" قرية "حوارة" الفلسطينية جنوبيّ نابلس، شمال الضفَّة المحتلة، فيما يواصل مطالبته وما يُعرف بــ "وزير الأمن القومي" المتطرِّف اتِّخاذ إجراءات أكثر دمويَّة وإجرامًا تجاه الشعب الفلسطيني، وتعميق التغوُّل "الاستيطاني" في الأرض المحتلَّة.

 

وهنا، نوَّه الكاتب والمحلل السياسيَّ إلى أنَّ إحباط كل مُخطَّطات ومساعي الاحتلال تلك يتطلَّب ردًّا استراتيجيًّا، وهذا يتمثل بتصعيد حالة الاشتباك والمواجهة بمستوياتها كافَّة، بدءًا من العمل الميدانيّ المقاوم، وليس انتهاءً بالعمل السياسي والدبلوماسي.

 

وحول مستقبل الأوضاع في الضفة المحتلة على وقع تصعيد الاحتلال والمستوطنين من انتهاكاتهم واعتداءاتهم؛ رجَّح أنْ "تشهد الضفة تصاعدًا للاشتباك والعمل المقاوِم، وربما توسيعه بانخراط أطراف أخرى فيه، إذ لا يُعقل أن تَبْقى سياسات "إسرائيل" المجنونة وغير المسبوقة تجاه الفلسطينيين على حالها دون ردود، وتغيّر في هذه الردود، بكل الجبهات وليست فقط بالضفة المحتلة"، كما قال.

 

في السياق، أكَّد الممثل الخاص للاتِّحاد الأوروبي لحقوق الإنسان، "إيمون غيلمور" أنَّ حكومة الاحتلال تتجاهل "عنف المستوطنين" ضد الفلسطينيين بالقدس والضفَّة المحتلَّتين، ولا تفعل ما يكفي لمواجهته.

 

ونقلت صحيفة "هآرتس" العبريَّة عن "غيلمور"، إشارته إلى وجود فجوة كبيرة بين عدد "حوادث عنف المستوطنين" وعدد التحقيقات التي تمَّ فتحها في هذا الإطار. مشدِّدًا على أنَّ "إسرائيل" مسؤولة عن التحقيق في هذا العنف ومحاربة هذه الظاهرة.

 

ولفت إلى وجود اتِّجاه عدواني واضح و"مُميت" من قبل المستوطنين تجاه الفلسطينيين وممتلكاتهم منذ مطلع العام الماضي وحتى يومنا هذا.

 

التعليقات : 0

إضافة تعليق