الوقود ينفد والأجهزة تتوقف.. العد التنازلي لحياة المرضى في غزة يبدأ

الوقود ينفد والأجهزة تتوقف.. العد التنازلي لحياة المرضى في غزة يبدأ
تقارير وحوارات

غزة/ دعاء الحطاب:
في قاعةٍ مُزدحمة لمدة ساعتين متواصلة، يستلقي المريض أبو محمد الهيثم (50 عام) على كرسي غسيل الفشل الكلوي بمستشفى الشفاء الطبي بمدينة غزة، وعلامات الخوف والقلق تبدوا واضحةً على وجهه الشاحب خشية توقف الجهاز فجأةً نتيجة أزمة الوقود الحادة التي يعاني منها القطاع الصحي المتهالك بفعل استمرار حرب الإبادة للعام الثاني على التوالي.

الحاج «أبو محمد» وغيره الآلاف من مرضى الفشل الكلوي بغزة يخشون تداعيات أزمة الوقود على تلقيهم حقهم الأساسي في العلاج، وغيرهم المئات ممن ترتبط حياتهم بالأجهزة في كافة الأقسام، كمرضى العناية المركزة والجراحات العاجلة والقلب وأطفال الخدج، الأمر الذي يجعلهم جميعاً عرضة للموت في أي لحظه.
وتعتمد كافة المستشفيات بقطاع غزة على مولدات كهرباء تعمل بالوقود الذي يعني نفاده «حكما بالإعدام على مرضى هذه الأقسام الحيوية».
وأعلن مدير مجمع الشفاء الطبي، الدكتور محمد أبو سلمية، توقُّف مستشفى الخدمة العامة بسبب نفاذ الوقود، محذرًا من أنَّ مجمع الشفاء الطبي سيتوقف بعد عدة ساعات.
وأوضح أبو سلمية في تصريحات صحفية، الثلاثاء الماضي، أنَّ مستشفى الحلو أقل من 4 ساعات ويتوقف عن تقديم كافة الخدمات الطبية بسبب نفاد الوقود.
وأضاف، «باقي المستشفيات على أحسن حال للغد وتتوقف خدماتها، ومئات الجرحى والمرضى في خطر حقيقي»، مؤكدًا أنّ «العناية المركزة وحضانات الأطفال وغسيل الكلى وغرف العمليات والمختبر وكل هذه الخدمات ستتوقف الآن».
«حياتنا بخطر»
وفي ظل الأوضاع المأساوية التي يعاني منها القطاع الصحي بغزة، يحتاج أبو محمد لإجراء عملية غسيل الكلي ثلاث مرات أسبوعياً، الأمر الذي ينهكه نفسياً وجسدياً ، لتأتي أزمة الوقود لتُضاعف ألامه وتُهدد حياته بشكلٍ مباشر. بحسب قوله.
بغصة وألم ، يضيف خلال حديثة لـ»الاستقلال»:» الله يعلم بحالنا وبالوجع اللي بنعيشه كل يوم مع مرضنا والحرب، ليزيدوا معناتنا وآلامنا بأزمات نقص الوقود والدواء، شو ذنبنا لنتحمل كل هادى المعاناة؟».
بعيونٍ يُرهقها التعب، يتابع: «بمجرد خروجي من المنزل للمستشفى يبدأ القلق والخوف يتسلل لقلبي، ويجتاح فكري أسئلة كثيرة عن توفر الوقود بالمستشفى، هل مزال متوفر لتشغيل الأجهزة أم انتهي؟، وماذا سيحدث لي اذا توقف عمل المستشفى لأيام؟»، مضيفاً:» اذا نفذ الوقود الخاص بتشغيل أجهزة الغسيل لمدة يوم واحد فإن حياتنا كمرضي بخطر معرضين للموت بكل لحظة».
وفي نهايه حديثه ناشد وزارة الصحة العالمية والمجتمع الدولي بالوقوف أمام مسؤولياتهم لإيجاد حلولاً جذرية لأزمة الوقود بالمستشفيات التي باتت تهدد حياتهم و تعرضهم للموت في كل لحظة، والعمل على وقف سياسيات الاحتلال الإجرامية بحق المدنيين بغزة وخاصة المرضي الذين يعانون الويلات في ظل استمرار الحرب وعدم ادخال الأدوية والمساعدات والمستلزمات الطبية.
الأمان معدوم
وهناك داخل غرفة العناية المركزة للأطفال الخدج بمستشفى ناصر الطبي، تجلس أم يوسف النجار بجوار طفلتها «نور» مُتأملةً بملامحها البريئة تارةً، وتارةٍ أخري تستمع لنبضات قلبها فرحاً، لكن هذه الفرحة سرعان ما تتبدل بكابوسٍ مخيف من موتٍ مفاجئ يُوقف قلبها الذي لم يكتمل بعد.
فالأنابيب البلاستيكية المُتصلة بين جهاز التنفس الصناعي وقلب طفلتها تمثل شريان حياة لها، وانقطاعها أو توقفها بسبب أزمة الوقود يعني موتاً محققاً لفلذة كبدها.
بعيونٍ محمرة تفضح حزنها، تقول النجار :» بعد 4 سنوات من الزواج أنجبت طفلتي نور، لكن فرحتى بها لم تكتمل فقد ولدتها بالشهر الثامن من الحمل وتعاني من نقص ومشاكل بالقلب، وترقد داخل غرفة العناية المركزة لأطفال الخدج، وتعيش على الأجهزة».
وأضافت بألم:» قالوا لي الأطباء انها ستكون بخير وأمان داخل الحضانة، لكن اليوم بسبب أزمة الوقود أنا لا أشعر بالأمان على طفلتي، ففي أي لحظة ممكن أن تتوقف الأجهزة التي تعيش عليها وتفقد حياتها، ناهيك عن نقص حليب الأطفال الذين يهدد حياتها وعشرات الاطفال بغزة».
وأشارت إلى أن مُعاناتها وأمثالها من الأمهات الذين يرقد أطفالهن على أسرة المستشفى من الحرب والأزمات المعيشية المتتالية ، باتت بسيطة مقارنة بالمخاوف التي تحتل قلوبهن وتشغل بالهن في ظل تفاقم أزمة في مستشفيات القطاع.
وأنهت حديثها قائلة:» ما في أمان على حياة أطفالنا بالمستشفيات بسبب الأزمات المتكررة التي تعاني منها خاصة أزمة الوقود، أطفالنا مش بسهولة جبناهم وسط أكبر مأساه بالتاريخ ، مين سيتحمل مسؤوليتهم لو أصابهم مكروه؟»، وتتساءل بعضب «أيعقل أن يموت أطفالنا فقط لأنه لا يوجد وقود لتشغيل مولدات الكهرباء؟ أيعقل أن يموتوا أمام أنظار العالم دون أن يحركوا ساكن؟!».
ويواجه نحو مليون فلسطيني -بينهم أكثر من 600 ألف طفل- خطر الموت جراء نفاد وقود المستشفيات وحليب الأطفال وعدم تلقي التطعيمات الضرورية، وذلك بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، حسب ما أكده المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى الدكتور خليل الدقران.
«على حافة الموت»
وفي وقت سابق، أطلقت وزارة الصحة في قطاع غزة نداءً عاجلاً، محذّرة من أن المرضى في مستشفيات القطاع يعيشون على حافة الموت يوميًا، بفعل النقص الحاد في كميات الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية وسيارات الإسعاف.
وقالت الوزارة، إن الاحتلال الإسرائيلي يواصل سياسة «التنقيط والتقتير» في إدخال الوقود، بما لا يكفي لتشغيل أقسام المستشفيات الحيوية، الأمر الذي يدفع إدارات المستشفيات إلى اتباع سياسة تقشف قاسية، تشمل إيقاف الكهرباء عن بعض الأقسام وتأجيل خدمات طبية حساسة، من بينها جلسات غسيل الكلى.
وأضافت أن هذا الوضع الكارثي يؤثر مباشرة على قدرة تشغيل سيارات الإسعاف، مما يضطر المواطنين إلى نقل المرضى والمصابين بوسائل بدائية، كالعربات التي تجرها الحيوانات، وسط ظروف خطيرة تهدد حياتهم. وأشارت وزارة الصحة إلى أن المرضى، خاصةً من يعتمدون على أجهزة دعم الحياة في العناية المركزة وأقسام الطوارئ، يواجهون خطر الموت في أي لحظة، بسبب استمرار دخول كميات وقود محدودة وبشكل يومي، ما يُبقي طواقم العمل تحت ضغط دائم وتهديد مستمر.
إبادة متعمدة
كما أكدت المقررة الأممية المعنية بالحق في الصحة تلالنغ موفوكينغ، أن السلوك الذي تمارسه «إسرائيل» وحلفاؤها في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة عموما، يمثل فصلا عنصريا وسعيا ممنهجا لمحو الشعب الفلسطيني.
وقالت موفوكينغ، في مقابلة صحيفة، إن قوات الاحتلال عملت بشكل ممنهج وتحت حماية من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، على تدمير القطاع الصحي في غزة، وتجويع الناس وإرهاقهم بما يمثل إبادة جماعية واضحة.
وأضافت موفوكينغ أن العالم لم يشاهد هذا التدمير الذي تمارسه إسرائيل ضد مقومات الحياة بغزة وتحديدا القطاع الصحي، في أي نزاع عالمي سابق، مؤكدة أن استمرار هذا السلوك يعني أن تل أبيب حصلت دعم من الولايات المتحدة ودول أخرى بعدم المعاقبة.
وبدورها، قالت منظمة الصحة العالمية، إن القطاع الصحي في غزة «يعاني استنزافا حادا حيث وصلت القوة الاستيعابية للمستشفيات إلى مستويات غير مسبوقة بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل ومنع إدخال الطعام والشراب والأدوية والوقود».
وبات تقديم الخدمات الصحية الأساسية -من رعاية الأمهات والمواليد إلى علاج الأمراض المزمنة – عرضةً للخطر الشديد، بسبب صعوبة الوصول والأعمال القتالية التي تقع قرب المستشفيات، كما تقول المنظمة.

التعليقات : 0

إضافة تعليق