غزة/ دعاء الحطاب:
بين خيام النازحين الممتدة على مرمى البصر في منطقة المواصي الساحلية غرب مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، تُحاول المواطنة أم المجد الخالدي، استصلاح خيمتها المُتهالكة ورقعها يدوياً ببعض "أكياس الطحين" وقطع القماش القديمة، لعلها تستطيع أن تقف على أوتادها مجدداً أمام الرياح العاتية مع اقتراب فصل الشتاء.
ورغم يقين المواطنة "الخالدي" وإدراكها أن خيمتها ستغرق مع أول هطول للأمطار على غزة، إلا أنها تحاول جاهدة لتمكينها بأقل الامكانيات المتاحة، فليس "باليد حيلة"، ولا فرصةً أمامها للحصول على خيمة بديلة في ظل ظروف الحرب الطاحنة والتي بات فيها كل شيء نادراً وباهضاً جداً.
"صيف، شتاء، خريف، ربيع".. الفصول الأربعة جميعها شهدتها خيام النازحين، واليوم يأتي الشتاء مرة ثانية على ذات الخيام، فرغم صمودها الأسطوري خلال عام من الحرب، إلا أنها اليوم انهارت وتمزقت أقمشتها ولم تعد تسترنا ولن تقينا من برد الشتاء". وفق تعبيرها.
حكاية "الخالدي" تُجسد معاناة مليوني نازح أجبرتهم آلة الحرب الاسرائيلية للمكوث بالخيام ومراكز الإيواء، ووسط سلسلة لا تنتهي تفاصيلها من الكفاح والآلام لتدبر شؤون حياتهم اليومية.
تجربة صعبة
بصوتٍ مُرتجف تقول "الخالدي" خلال حديثها لـ "الاستقلال":" إن العيش بخيمة خلال عام كان أمر في غاية الصعوبة، حيث تفتقد لأبسط مقومات الحياة والأمان، خاصة حينما تكون هذه الخيمة محاصرة بين قصف الطائرات والمدفعية والزوارق الحربية".
وأضافت:" نحن نعاني من نقص بالملابس الشتوية والأغطية والفراش، فعندما خرجنا من بيوتنا بالكاد استطعنا أخذ بعض الضروريات"، مستدركة:" قلنا يومين وبنرجع، لكن للأسف مرت سنة".
وأُجبرت الخالدي للنزوح مع زوجها وأطفالها، من حي النصر غرب غزة الى جنوبها، منذ بداية حرب الإبادة على القطاع في السابع من اكتوبر عام 2023، بعدما أصدر جيش الاحتلال أمراً بإخلاء المنطقة، مشيرةً الى أنها اضطرت للنزوح أكثر من مرة نتيجة أوامر الاخلاء المتكررة.
وأوضحت أن ما يزيد "الطين بلة"، هو غلاء ما توفر من مستلزمات قد تساعد على إعادة تأهيل خيام النازحين، وجعلها قابلة لاستقبال الشتاء أو على الأقل التعايش معه بأقل الأضرار.
حالة من التحدي
ورغم قسوة حياة النزوح والعيش بالخيام، إلا أن علامات الرضا ما تزال تعلو ملامح المواطن أبو خالد الجمل، حيث يسعى ليلاً ونهاراً لتأمين احتياجات أسرته المكونة من ثمانية أفراد، ويعمل جاهداً لتسهيل أمور الحياة عليهم في سبيل تعزيز صمودهم ووجودهم.
ويقول الجمل خلال حديثة لـ " الاستقلال":" النزوح من أصعب الأمور التي يُمكن أن تحدث مع الانسان، أنا اليوم أتجاوز الـ 45 عاماً، ولم أمر بظرف أصعب من ظروف النزوح".
تحت نيران آليات الاحتلال والقذائف العنيفة، استطاع الجمل وأسرته النجاة بأرواحهم والخروج بأقل المستلزمات من منزلهم الكائن بمدينة رفح، عُقب ساعتين من اصدار جيش الاحتلال أوامراً بإخلاء المنطقة بتاريخ 6/5/ 2024م، وفق تعبيره.
ويتابع الجمل:" توجهت الى منطقة المواصي بخان يونس، والتي تفتقر لأدني مقومات الحياة لكونها بالأساس أرض زراعية خالية من المياه والمنازل وخدمات الصرف الصحي"، واصفاً إياها بأسوء مناطق القطاع من ناحية الخدمات.
لم يستسلم "الجمل" لظروف الحياة القاسية في المنطقة التي نزح إليها، فقام بشراء "الخشب والقماش والشوادر" لنصب خيمة بسيطة تأويه وأفراد عائلته.
وأضاف: "قبل أيام داهمتنا الأمطار، وتحولت الخيام والأرض إلى معاناة صعبة، حيث خرج كل النازحين كبارًا وصغارًا وأطفالاً للخارج، ولم يستطع أحد البقاء في داخلها"، مشيراً إلى أن الخيام متهالكة ومقامة في أماكن غير مهيأة.
ومنذ ذلك الوقت يُحاول "الجمل" شراء الشوادر والمعدات اللازمة لإعادة تهيئة خيمته، لاستقبال فصل الشتاء، إلا أنه تفاجأ بالأسعار الجنونية للشوادر، حيث يتراوح ثمن الشادر الواحد ما بين 500لـ 600شيكل، فيما يفتقد جنوب القطاع لباقي المستلزمات كـ "الخشب، والمسامير، والأحبال". وفق قوله.
ونوّه الى أنه لم يستطع شراء أغطية وبطانيات شتوية لتدفئة أطفاله، فسعر البطانية الواحدة 250شيكل، مضيفا" عندي 8 أفراد لو بدي اشتري حرامين لكل واحد عشان يدفئ سأحتاج لقرض".
وأوضح أن الشتاء باتت كابوساً يؤرق أجفان النازحين المتعبة في التفكير بتدبر أمورهم في ظل قلة الامكانيات وغلاء الأسعار، إضافة للمشاكل اليومية والخوف والقصف الذي لا يتوقف.
وأكد أن الظروف القاسية التي يعيشها ألاف النازحين بالقطاع، دائما تخلق حالة من التحدي والصمود لديهم، مؤكدا:" نحن شعبٌ عصيُ على الانكسار، وسنبقي صامدين صابرين في سبيل نيل الحرية والخلاص من الاحتلال، كما نرفض بأي شكل أن تنتهي هذه المعركة بهزيمة الشعب الفلسطيني ومقاومته".
استغاثة عاجلة
وأطلق المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، مؤخراً، نداء استغاثة إنسانيًا عاجلاً لإنقاذ مليوني نازح بالقطاع قبل حلول فصل الشتاء واهتراء خيام النازحين، محذرا من كارثة إنسانية حقيقية على النازحين.
وأشار المكتب الإعلامي إلى وجود 543 مركزا للإيواء والنزوح في قطاع غزة، نتيجة ارتكاب قوات الاحتلال الإسرائيلي جريمة التهجير القسري، مؤكدا أن أعداد النازحين لا تزال في تدفق وازدياد يومًا بعد يوم، حيث بلغ عدد النازحين بشكل عام من 1.9 إلى 2 مليون نازح في مختلف محافظات القطاع.
وأوضح المكتب الإعلامي أن 100 ألف خيمة من خيام النازحين من أصل 135 ألفا أصبحت غير صالحة للاستخدام بسبب الاهتراء.
وأشار إلى أن تلك الخيام مصنوعة من الخشب والنايلون والقماش، واهترأت مع حرارة الشمس ومع ظروف المناخ في غزة، وخرجت عن الخدمة بشكل كامل، خاصة بعد مرور 11 شهرًا متواصلة من النزوح والظروف غير الإنسانية المرافقة له.
وأكد المكتب الإعلامي أن الاحتلال الإسرائيلي منع إدخال 250 ألف خيمة إلى قطاع غزة في ظل هذا الواقع المرير.
التعليقات : 0