"أزمة الخبز" تؤجج مخاوف الغزيين من شبح المجاعة

تقارير وحوارات

 

غزة/ دعاء الحطاب:

 

في مشهدٍ أصبح جزءاً من الحياة اليومية بقطاع غزة، يقف عشرات المواطنون بطوابير طويلة تمتد أمام بوابات المخابز منذ ساعات الصباح الباكر، أملاً بالحصول على ربطة الخبز التي باتت رمزاً لمعاناة مستمرة، نتيجة النقص الحاد بالدقيق وفساد كميات كبيرة منها.

 

وتختلط في هذه الطوابير مشاعر المواطنين بين الحزن والإحباط والتعب والخوف من العودة إلى أُسرهم بكفتين خاويتين، خاصةً العائلات الكبيرة التي تعتمد على الخبز كعنصر أساسي في غذائها اليومي.  وارتفعت أسعار الدقيق والسلع والبضائع الشحيحة في الأسواق بصورة باهظة، لا تناسب غالبية الغزيين ممن فتكت بهم الحرب، وأفقدتهم مصادر رزقهم ومدخراتهم.

 

واختفى الدقيق تماما من الأسواق، بعدما وصل سعر الكيس الذي يزن 25 كيلوغراما لأكثر من 250 شيكلا (حوالي 67 دولارا).

 

واشتدت المجاعة على أكثر من مليوني فلسطيني جنوب القطاع وشماله منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، جراء إغلاق الاحتلال الإسرائيلي معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد في القطاع، ومنع ادخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، علاوةً على استمرار احتلال معبر رفح البري منذ اجتياح مدينة رفح الحدودية مع مصر في السادس من مايو/أيار الماضي.

 

وبحسب وكالة الغوث واللاجئين "أونروا" وهيئات أممية أخرى فإن حالة الجوع الحالية نتيجة التضييق والقيود الإسرائيلية تعيد التذكير بما كان عليه واقع الغزيين في الشهرين الأولين للحرب، وتوضح "أونروا" ذلك بالقول إن "الناس يكافحون في دير البلح من أجل الحصول على رغيف خبز، ويواجه الجميع في قطاع غزة خطر المجاعة".

 

وفي تقرير حديث لها تقول الوكالة الأممية "يعاني أكثر من مليون و800 ألف شخص في جميع أنحاء القطاع من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، المصنف في المرحلة الثالثة من التصنيف أزمة أو أعلى"، وتشير إلى أن "سوء التغذية الحاد أعلى بعشر مرات مما كان عليه قبل الحرب".

 

من جهته، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" إن وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع يواجه عراقيل كبيرة منذ مطلع الشهر الجاري.

 

مأساة يومية

 

فبعد ثلاث ساعات من الانتظار في طابور طويل، أمام بوابة "مخبز القلعة" الوحيد في مدينة خانيونس جنوبي القطاع، نجح الأربعيني أبو مؤمن عيد، بالحصول على ربطة خبز صغيرة تكفي أسرته المكونة من خمسة أفراد، ليوم واحد فقط.

 

"عيد" النازح من حي الشجاعية شرق غزة إلى مواصي خانيونس، يصف معاناة الحصول على رغيف الخبز بـ "المأساة اليومية" وتحدٍ مرهق لنيل أبسط حقوقه الأساسية.

 

ويقول عيد لـ "الاستقلال":" كل يوم مضطرين نقف لساعات طويلة في الطابور، ونتحمل العديد من المشاجرات والمزاحمات والإساءات اللفظية، في سبيل الحصول على ربطة خبز بالكاد تكفينا وتسد جوع أطفالنا، لكن المأساة الحقيقة تكمن في حال لم يحالفنا الحظ".

 

وأشار الى أن ربطة الخبز تحتوي على "15-20" رغيفاً فقط، وفي بعض الأوقات لا تكفي عائلته، مما يضطر لشراء ربطة بـ "15شيكلا" من خارج المخبز "سوق سودا".

 

وأوضح أن أزمة الخبز تؤثر على حياة المواطنين المتعبين أصلاً وتسببت بتفاقم أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية سوءاً، وبدء ظهور المجاعة جنوبي غزة.

 

بعلامات الغضب تعلو ملامح وجهه الشاحب، يتابع:" إن كل ما نعيشه من قهر وألم من أجل الحصول على رغيف الخبز، أحد أهداف الاحتلال الذي يستخدم الجوع كسلاح لمُحاربتنا وكسر عزيمتنا، وقتلنا بالفتن الداخلية".

 

ويطالب "عيد" بوقف الإبادة الإسرائيلية المدمرة ورفع الحصار وفتح المعابر وتخفيف معاناة النازحين وإدخال المواد الأساسية وإنهاء الأزمات الإنسانية الناتجة عن نقص المواد الأساسية وخاصة الدقيق، كما يناشد المؤسسات الدولية لحقوق الانسان والمجتمع الدولي بالخروج من دائرة الصمت والوقوف أمام مسئولياتهم.

 

"أكلنا الخبز بدوده"

 

" أكلنا الخبز بدوده وسوسه، وريحته سيئة للغاية، لكن شو بدنا نعمل ما في باليد حيلة"، هكذا بدأت المواطنة أم ياسر الغندور حديثها لـ "الاستقلال"، مُعربةً عن قلة حيلتها ويأسها الشديد من عدم قدرتها على توفير دقيق نظيف لعائلتها.

 

فمنذ مطلع شهر أكتوبر الجاري، تضطر "الغندور" لاستخدام الدقيق الفاسد والمليء بالديدان والسوس، لصناعة بعض أرغفة الخبز لتسد جوع عائلتها المكونة من عشرة أفراد، فليس أمامها بديل أخر في ظل أزمة الخبز. وفق قولها.

 

وتضيف الغندور ":" استلمت حصتي من الطحين قبل أكثر من ستة شهور، ولم استخدمه نظراً لتوفر الخبز بالمخابز بشكل كبير وبتكلفة أقل من صناعته بالمنزل".

 

وأشارت الى أن ثمن ربطة الخبز ثلاثة شواكل فقط، في حين أن صناعة الخبز المنزلي باستخدام النار يُكلف ما بين" 20-30 شيكلا"، لافتةً الى أن سعر كيلو الحطب يتراوح ما بين "5-7 شواكل".

 

وتتابع بحسرة وألم:" عندما ظهرت الأزمة تفاجأت أن الدقيق مليء بالسوس والديدان، ورائحته كريهة للغاية، ولم أتوقع يوماً أننا سنضطر الى تناوله رغم فساده".

 

وتعمل "الغندور" على تنخيل الدقيق عدة مرارات لتنظيفه من "الديدان والسوس"، وتهويته ووضعه بالشمس لساعات طويلة أملاً في صناعة خبز ذي مذاق جيد، لكن جميع مُحاولتها بائت بالفشل "فالمذاق السيئ والرائحة الكريهة" هما الصفة الغالبة.

 

وخشيةً من نفاذ الطحين المتبقي، أصبح أبناء "الغندور" يتناوبون على المخابز منذ ساعات الفجر الأولي، لتحصيل ما بين "3-4 ربطات خبز -حاجتهم ليوم واحد-، موضحة:" تبقي لدينا كيسان فقط من الطحين، وأخشى أن ننقطع منه، لذا أصبح أبنائي يومياً يصطفون على المخبز، وفي حال لم يتمكنوا من شراء الخبز نصنعه بالبيت".

 

وبينت إنها وأسرتها يعتاشون على "ساندويشات"، فما يتوفر بالبيت من معلبات توشك على النفاد، ولا تعلم كيف ستتدبر أمورها بعد ذلك، ما لم يتم فتح المعبر وإدخال الدقيق والمساعدات الإنسانية والبضائع.

التعليقات : 0

إضافة تعليق